أوروبا تواجه أزمة نقص السكان والمهاجرون هم الحل

الجزيرة:في وقت تتنافس فيه دول الاتحاد الأوروبي في سياسات التضييق على المهاجرين، أظهرت بيانات لمعهد الإحصاء التابع للاتحاد الأوروبي (يوروستات)، صادرة الجمعة 11 يوليو/تموز 2025، أن الهجرة هي المحرك الوحيد للنمو السكاني في القارة العجوز التي باتت وفياتها تفوق مواليدها بحوالي 1.3 مليون نسمة سنويا.

وكشفت البيانات أن صافي الهجرة الإيجابي إلى أوروبا بلغ العام الماضي 2.3 مليون شخص وهو ما مكن من تعويض الانخفاض الطبيعي في سكان الاتحاد ليبلغوا 450.4 مليون نسمة.

في هذا التقرير سنقرأ هذه المعطيات وما تعكسه من أزمة ديمغرافية تعانيها أوروبا والسيناريوهات المستقبلية لهذه الأزمة، سواء في حال استمرار تدفقات المهاجرين، أو في حال ما إذا اعتمدت الحكومات الأوروبية سياسات صارمة لوقف الهجرة كما يهدد اليمين المتطرف المتنامي نفوذه في أوروبا.

معطيات كاشفة.. الهجرة تُنقذ ديمغرافية أوروبا
وفقا لبيانات معهد يوروستات التي نشرتها صحيفة تلغراف البريطانية، فإن عدد سكان الاتحاد بلغ 450.4 مليون نسمة مطلع يناير/كانون الثاني 2025، وهو رقم قياسي إذ يمثل زيادة قدرها مليون نسمة تقريبا عن العام الماضي.

لكن الأرقام نفسها تكشف أن هذه الزيادة لا تعود إلى النمو الطبيعي للسكان، بل إلى صافي الهجرة الإيجابي الذي بلغ 2.3 مليون شخص عام 2024، مقابل 1.3 مليون في العام السابق، وهو ما أسفر عن ارتفاع عدد السكان بمقدار 1.07 مليون مقيم جديد.

وفي الوقت نفسه، شهد الاتحاد الأوروبي 4.82 ملايين حالة وفاة خلال العام الماضي، وهو رقم يفوق عدد المواليد البالغ 3.56 ملايين نسمة مما يعني -حسب المعهدـ أن النمو أو الانخفاض السكاني الإجمالي للاتحاد الأوروبي في المستقبل سيعتمد على معدلات الهجرة الصافية.

وتعتبر صحيفة تلغراف أن هذه البيانات تُسلط الضوء على الأزمة الديمغرافية الوشيكة في أوروبا، إذ ستكون هناك حاجة إلى مزيد من الهجرة لتعويض انخفاض معدلات المواليد وشيخوخة السكان التي ستشكل ضغطا على الرعاية الاجتماعية وتؤدي إلى نقص العمالة.

والمفارقة أنه رغم هذه المعطيات، وفق تلغراف، تواصل عدة حكومات في الاتحاد الأوروبي تشديد الخناق على الهجرة، وسط ازدياد مخاوف الأوروبيين من المهاجرين مما دفعهم نحو اليمين.

ويعرف تقرير لموقع "آر اف برلين" الألماني بعنوان "السكان المهاجرون في الاتحاد الأوروبي" المهاجرين بأنهم الأفراد المولودون في بلد غير البلد الذي يقيمون فيه، مضيفا أن نسبة الأفراد المولودين في الخارج في دول الاتحاد الأوروبي ارتفعت من 13.6% عام 2023 إلى 14.1% عام 2024.

ويؤكد التقرير أن عدد السكان المولودين في الخارج في الاتحاد الأوروبي شهد نموا مطردا من حوالي 41 مليونا عام 2010 إلى أكثر من 63 مليونا عام 2024، وهو ما يمثل زيادة من 10% إلى 14.1% من إجمالي سكان الاتحاد الأوروبي.

ومنذ 2010 إلى 2024 شهدت كل من ألمانيا وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا زيادات مطردة في أعداد المهاجرين، مع تزايد ملحوظ مؤخرا في ألمانيا حيث ارتفع عدد المهاجرين فيها من حوالي 11 مليونا عام 2015 إلى 17.4 مليونا عام 2024 (أي من 13.4% إلى 20.9% من إجمالي السكان)، وهذا يؤكد وضعها كوجهة رئيسية للمهاجرين في الاتحاد الأوروبي.

وسجلت إسبانيا زيادة بنحو 3 ملايين مهاجر، من 5.9 ملايين إلى 8.8 ملايين خلال الفترة نفسها (من 12.7% إلى 18.2% من إجمالي السكان المقيمين).

وحسب معطيات يوروستات فقد ساهمت الهجرة في نمو سكان الاتحاد الأوروبي منذ العام 2011 عندما انخفضت معدلات المواليد لأول مرة عن معدلات الوفيات.

وبسبب تأثر الهجرة بإغلاق الحدود وقيود السفر خلال جائحة كوفيد-19 انخفض عدد سكان الاتحاد عام 2021، ثم بدأ في الارتفاع مرة أخرى في 2022 بعد إنهاء إجراءات كوفيد-19 وارتفاع صافي الهجرة من جديد، وهو اتجاه مستمر لحد الآن.

ومما يؤكد أن الهجرة هي المحرك الوحيد للنمو السكاني في أوروبا أن أعلى معدل نمو سكاني عام 2024 سجل في مالطا بزيادة قدرها 19.0 لكل ألف نسمة، وأن مالطا نفسها سجّلت أعلى معدل إيجابي لصافي الهجرة من بين جميع دول الاتحاد الأوروبي وصل (18.7 لكل ألف شخص).

بينما سجلت لاتفيا أكبر انخفاض في عدد السكان وهي أقل الدول الأوروبية استقبالا للمهاجرين، وسجلت المجر التي تُعَدُّ قوانين الهجرة فيها من بين الأكثر تقييدا في الاتحاد الأوروبي ثاني أكبر انخفاض في عدد السكان داخل الاتحاد.

فرنسا تبدأ التباطؤ
قد يكون من المفيد هنا أن ندرس حالة إحدى الدول الأوروبية على حدة وكيف تؤثر الهجرة في نموها الديمغرافي، وهنا نأخذ فرنسا على سبيل المثال.

فحسب تقرير لصحيفة لاكروا الفرنسية بعنوان "الهجرة عامل رئيسي في مستقبل فرنسا الديمغرافي" يعتبر الكاتب ناتالي بيرشيم أنه في عام 2022 بلغ عدد المهاجرين (أشخاص ولدوا في الخارج) في فرنسا 7 ملايين شخص وهو ما يمثل 10.3% من سكانها.

ويؤكد التقرير استنادا إلى معطيات نشرها معهد مونتين الفرنسي للبحوث الإستراتيجية أن الهجرة باتت تمثل عنصرا متزايد الأهمية في نمو السكان الفرنسيين في ظل تباطؤ معدل المواليد وارتفاع معدلات الوفيات.

وتنقل لاكروا عن نائب مدير المعهد برونو تيرتري قوله: "إن فرنسا، بعد جيل طفرة المواليد، تستعد لتجربة انخفاض في عدد سكانها، وهو ما لا يمكن تعويضه إلا من خلال الهجرة في الأمدين القريب والمتوسط".

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

841 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع