ناصر ألعتابي..شاعر الحلم الذي ينتظر مساؤه *

     

  ناصر ألعتابي..شاعر الحلم الذي ينتظر مساؤه*  

          

                

          عبد الرضا غالي الخياط / خاص - الگاردينيا

               

ان للشعر أهمية كبيرة في حياتنا اليومية سواءً أكان ذلك على صعيد الفرد أو على الصعيد الاجتماعي لإفراد المجتمع كافة. حيث أننا إذ رجعنا إلى تاريخ تطور الشعر لوجدنا ان الاهتمام بالشعر وجدّ منذ وجود البشرية، أي منذ العصور الأولى عندما بدأ الإنسان يتساءل..فإن الشعر ما هو إلا إحدى وسائل التعبير عن انفعالات الإنسان وعواطفه وخبراته واستثارته في الحياة في قالب فني مما نحسب فيه العلاقات العامة بين الذاتي - الوجداني والكوني. وهو أيضاً تجلي كامل لواقع الحياة ووجودنا على هذه الأرض التي لن نملك منها شيء قط.! واليوم  لنا وقفة قصيرة مع مبدع مغموط  عبر قراءة ذاتية لشاعر ينتمي إلى زمن الرماد المحاصر، بين جمرات النار ومسامات الحياة الهاربة. " ناصر ألعتابي" الخارج من رماد الأوجاع، الذي ارتقى ربوة الشعر بعد ما أخذته حروب السنوات العجاف الطويلة، والتي ما انفكت تحاصره من كل ناحية، واكتوى بجمرة نارها السعير لتنتج منه شاعراً مميزاً بصوره الرائقة وبرؤاه المشحونة بالأفكار، الطافحة نحو السماوات الزرق البعيدة..وبقيم الجمال كتب الكثير من القصائد والنصوص ولم يكترث بالنشر بقدر ما كان يكتب، حتى توافرت لديه ثلاث مجاميع شعرية لم يعنونها بأسمائها بعد " قصائد  في سلة الإهمال ". نشرت له العديد من الصحف والمجلات والمواقع أللإلكترونية المحلية والعربية والدولية. ولوفرت نصوصه الشعرية، وتميزها دلالة وبناء، ورشاقة ولغة. مما يجعلنا نقف عند بعض محطاته الزاخرة بالإبداع والجودة. فإذا كان الشعر وسيلة لفهم الحياة وتغييرها كما يقول " فيشر " في تعريفه للفن، فان تحقيق ذلك شعراً يبدأ : أولاً بجمالية الشعر الفنية. وثانياً وصول هذا الشعر إلى أوسع قطاع من المتلقين. ولا نريد هنا إن نفصل بين مضمون الشعر وشكله الفني ودرجة توصيله، لكن نود التوقف قليلا إمام سمتين بارزتين في شعر " ألعتابي" ترتبطان بالجانب الفني وبأسلوب التوصيل..السمة الأولى : استلهام التجارب وإعادة صياغتها فنياً..والسمة الثانية : اهتمامه الكبير باللغة وبالصور الشعرية. ومن ذلك قوله
 الحربُ فضفاضةٌ
 وثقيلة،
 ظهورُ الأمهاتِ
 لاتحتمل ،                                  
فكثيراً ما يلفت النظر في شعر" ألعتابي " نعومة تعابيره ودقتها البالغة، وسيطرته التامة على أدواته واحترامه المفرط  للمفردة، وهذا ما نراه في قصيدته،
 نحن والموت،
جثتان
 ميتٌ لا يشعر بميتٍ.
وله أيضاً ،/
كلمات ،
مهمتي العسيرة
شغفي الدائم
البحث عن كلمات ،
تشبه الماء
أو العشب
أو العناق احياناً
كلمات ..
كل مانحتاجه
لنعبر هذه الصحراء الشاسعة..
 وهنا الشاعر لايتعامل مع اللغة على أنها  مجرد كلمات، بل حياة عامرة بالإحساس تتحرك وتحرك القصيدة كلها. وفي قراءة متأنية لجلّ قصائده، سيواجهنا الشاعر بأكثر من دلالة وصورة تثبت هذه القدرة الواعية في كتابة قصائد تتنفس مناخات عديدة. ومثال ذلك في قصيدته التالية،
يطرقُ نافذة النوم ،
لبْلاب الصبح ..
فأهبطُ ،
من سلالمِ طيفكِ
مكسوراً ..
يرّشحُ منّي الضوء.
وتؤكد دون أي شك قدرة هذا الشاعر وعمق وعيه لمسألة الإبداع. فالبناء الشعري عند " ألعتابي" لايقوم على موسيقى اللفظ بقدر ما يقوم على الصورة التي هي قوام القصيدة ونسيجها العام، تنبعث من البناء اللغوي./
 لأنني أخرجُ من فرنِ الحروبِ ساخناً،
 يكثرُ الطَرق على جثتي .
وفي محل أخر يأخذنا الشاعر إلى مديات أوسع حينما نقرأ له من مجموعته الشعرية " غيوم ناصعة "،
تلك الثآليلُ التي تنمو فوقَ لساني ؛
صرخاتٌ صغيرةٌ
على شكلِ دماملِ
فُقأتْ قبل أنْ تخرج .
فالشعر هنا شعر مضمون، وهو نوع من اللغة يبعث في النفس ذلك الحنين، وتلك الوحشة إلى المثل العليا التي تعيشها الصور الشعرية، والتي تعد ( ركن أساس في بناء النص الشعري وبها ينماز أسلوب شاعر عن أخر ويجد فيها الناقد إثباتاً لهوية الشاعر التي تكشف عن قدرة شاعريته وإبداعه (1).  وفي محل أخر من ديوانه نقرأ له أيضاً،
غافلني نومي
إنزلقَ من تحتِ الوسادةِ
يبحثُ ...
عن حلمٍ ..
في مَخْدعٍ آخر.
وله من الصور الشعرية ما يمكن القول فيها ان ألعتابي  قد (عمد إلى الوسائل البلاغية في تشكيل صوره وفي مقدمتها تجيء الاستعارة (2).
ونجد الشاعر في أكثر قصائده قد ( أعتمد على أسلوب التشخيص والتجسيد في الكثير من صوره الاستعارية ولاسيما  التشخيص؛
 حشودٌ هائلة..
 تندلقُ من خوذةِ الحربِ
 تركضُ نحوي،
 تريدُ اللحاقَ بي..
 والإمساك بظلّي !
 ظلّي الذي  ...
لا وجودَ لهُ على الأرضِ..
 لستُ مَلِكاً,
 أو قلعة...
 أنا الجنود..  
رغبةً منه في أبراز المعنويات شاخصة أمام الأعين ليوصل للمتلقي مايريده من أفكار ومعاني بصورة تنبض بالحياة وتكون اقدر على التأثير في النفوس (3)، مثلما يذكر في قصيدته التالية،
 عالقٌ في الذكرى
 كطائرةٍ ورقيةٍ،
 و(من المعروف أن لكل شاعر معجما شعريا يميزه عن غيره من الشعراء الآخرين وهذا المعجم يكشف عن تجربته الشعرية التي مر بها, ورؤاه الفكرية التي أفصح عنها (4)، فكثيراً ما نجد صور الحرب واضحة في نصوصه، وبذلك يكون الشاعر مع وقائع الحرب حاضراً، سواءً أكان مشاركاً في الحرب أم كان بعيداً عنها، فهي واقعة عن قرب منه، ويتحسس تداعياتها  الراهنة في عالم يسوده اليوم الخراب، ويحكمه القبح والفجور واللامبالاة  المفرطة.
 لستُ نازحأ..
لكن...
 كلما بدأتْ نشرةُ أخبار
يطيرُ سقفُ البيتِ
 وأجدني واقفاً في العراء.
هذا وقد شكل ( المعجم الغزلي الجانب الأكبر في شعره وشاعت في نصوصه العاطفية,(5)
 الفجر يقشّر أصداف الليل،
عن محّارة يومكِ،
 فتنبثق الحياة..
 وينكسر الضوء
محنياً ،
 يحرسُ ظلّك.،
وقد تنوعت هذه السياقات التي وردت فيها بكثرة في نصوصه الشعرية.
في روضِ مخيالي ملائكة..
 كلما كتبتُ إسمكِ ،
 خرّوا ساجدين .
وفي " غيوم ناصعة " أيضاً نقرا له وهو يخاطب حبيبته، إذ يقول،
بمزيدٍ من اللمعانِ
 الذي يذرفهُ قلبي
سأُرتقُ قمصانَ غيابكْ.
وقد أخذت المرأة في شعره حيزاً كبيراً، وذلك لارتباط الشاعر بالمرأة ارتباطاً وثيقاً ينم مودة وتقديراً لمكانتها السامية في خلق الحياة، وصنع صور الجمال في الوجود.
يطرقُ نافذة النوم ،
لبْلاب الصبح ..
فأهبطُ ،
من سلالمِ طيفكِ
مكسوراً ..
يرّشحُ منّي الضوء.
فما زال الشاعر يغرف من طيف المرأة وجع القصيدة في بنائها الصوري، فكثيراً ما نجد  صورة المرأة بكل تعريفاتها الإنسانية حاضرة وبقوة في نصوصه الشعرية، وقد أخذت مساحة واسعة، وهي جديرة بهذا الاحتفاء، بعد ان كرمها الله إذ ذكرها في سورة كاملة في القرآن الكريم، دون الرجل بالإضافة إلى عدة آيات أخر ورد ذكرها تعزيزاً لمكانتها العظيمة ونبلها الخلاق.
نصوصي قصيرة
يتخلّلها فراغ كبير
تشكّلهُ نقاط كثيرة ،

تماماً ...
مثل محاولتكِ
لبس ثوب قصير
امام مرآة كبيرة
 وقد جاءت معظم قصائده زاخرة بمعاني المحبة والجمال والوفاء والألم واللوعة والعتاب.. وللحديث بقية ان كان لنا في العمر قوس.
__________
*- جزء من دراسة موضوعية فنية مطولة عن الشاعر" ناصر ألعتابي "، ل عبدالرضا الخياط
1- شعر ابي بكر محمد بن داود الاصبهاني (ت297)، غزوان ناصر علي،
أطروحة ماجستير، كلية التربية، الجامعة المستنصرية – بغداد – 2014، أدب عباسي ،
2- نفس المصدر، ع , 171 .
3- نفس المصدر، ع , 107 .
4- نفس المصدر، ع , 270 .
5- نفس المصدر، ع , 171 .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1186 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع