عائلة الحاج سليم الموصلي والفنون التشكيلية
الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ الرياضيات والعلوم الإحصائية / جامعة الموصل
المهندسة المعمارية أصداء عبد الحميد التحافي
مُدرسة/ كلية الهندسة/ جامعة الموصل
عائلة الحاج سليم الموصلي عائلة عراقية كان لها دورا رياديا بامتياز في الحركة الفنية في العراق: الأم مَليكة عبد الله تتمتع بمواهب فنية في التطريز والنسيج، والأب الحاج سليم علي عبد القادر الخالدي الموصلي (1883-1942) أحد الرواد الأعلام في الفن التشكيلي العراقي، وكان له التأثير الأعظم في اولاده الفنانين الكبار رشاد وسعاد وجواد ونزار ونزيهة.
ولد سليم الموصلي في الموصل وتلقى فيها دراسته في المدارس العثمانية. دخل المدرسة العسكرية في اسطنبول وتخرج فيها ضابطا، وتنقل في مدن مختلفة حتى قيام الحرب العالمية الاولى. انتمى الى الجمعيات العربية السرية المطالبة بالاستقلال الذاتي عن الدولة العثمانية، فأحست به السلطة فاعتقل ونفي الى الاستانة، ولعدم كفاية ادلة الاتهام اطلق سراحه، وسكن في احدى ضواحي انقرة وفيها تزوج من مَليكة عبد الله.
عاد الحاج سليم الى العراق بعد تأسيس الدولة العراقية في مارس 1921، وعين موظفا في وزارة الداخلية بدرجة مميز(رئيس ملاحظين)، اضافة الى القائه الدروس الفنية في المدرسة الجعفرية ومدرسة التفيض، وسكن بيتا كبيرا، كان الى فترة متأخرة مطلا على شارع الخلفاء. وكان الحاج سليم الموصلي متعدد المواهب: رسام ومصور وقارئ للقرآن الكريم ومحب للمقام والغناء. كما كان عضوا في لجنة اختيار المقرئين والمغنين في الإذاعة العراقية عند تأسيسها. وكان يهوى رسم المناظر الطبيعية والأشخاص، ومن اثاره الباقية لوحة سراي بغداد التي رسمها عام 1910.
لقد كان الحاج سليم الموصلي المعلم الخاص للأمير غازي (الملك غازي لاحقا) بموضوع الرسم، كما كان أحد أعضاء الشرف في أول جمعية للفنانين التشكيليين في العراق، وهي جمعية أنصار الفن التي تأسست عام 1941، وقد توفي الحاج سليم في السنة التالية من ذلك. رسم الحاج سليم لوحة زيتية لغرض جمع التبرعات لبناء مستشفى حماية الأطفال في بغداد، فتأثر بتلك اللوحة الشاعر الكبير معروف الرصافي (1292-1945) وكتب قصيدته الشهيرة والموسومة (الأرملة المرضعة) والتي يقول في مطلعها:
لَقِيتُها لَيْتَنِـي مَا كُنْتُ أَلْقَاهَا... تَمْشِي وَقَدْ أَثْقَلَ الإمْلاقُ مَمْشَاهَـا
أَثْوَابُـهَا رَثَّـةٌ والرِّجْلُ حَافِيَـةٌ... وَالدَّمْعُ تَذْرِفُهُ في الخَدِّ عَيْنَاهَـا
بَكَتْ مِنَ الفَقْرِ فَاحْمَرَّتْ مَدَامِعُهَا... وَاصْفَرَّ كَالوَرْسِ مِنْ جُوعٍ مُحَيَّاهَـا
مَاتَ الذي كَانَ يَحْمِيهَا وَيُسْعِدُهَا... فَالدَّهْرُ مِنْ بَعْدِهِ بِالفَقْرِ أَشْقَاهَـا
المَوْتُ أَفْجَعَهَـا وَالفَقْرُ أَوْجَعَهَا... وَالهَمُّ أَنْحَلَهَا وَالغَمُّ أَضْنَاهَـا
رُزق الحاج سليم بسبعة أولاد وبنت واحدة، توفي ثلاثة أولاد عند الصغر، وكان الأربعة الباقين والبنت من الفنانين المتميزين والمبدعين وكان لأبيهم التأثير الأعظم فيهم وزرع الفن في نفوسهم، وهم حسب تسلسل الولادة:
• رشاد سليم: عمل ضابطا في الجيش وتوفي وهو في الثامنة والعشرين من العمر بعد سقوطه من على صهوة جواده، وكان مقربا من احدى أميرات الأسرة المالكة في العراق.
• سعاد سليم: هو فنان كاريكاتير عراقي شهير من مواليد 1918، وكان مقربا من العائلة المالكة في العراق. تخرج من الاعدادية المركزية في بغداد عام 1945 ليلتحق بمعهد العلوم المالية في كلية الحقوق. عُين مدرسا ثم انتقل الى وزارة الخارجية عام 1948 ومنح رتبة نقيب في الجيش عام 1955. شارك في عدد من المعارض الفنية واقيم معرضه التكريمي الشامل في قاعة المتحف الوطني للفن الحديث عام 1986.
• جواد سليم (1921–1961): عملاق الفن التشكيلي ومن أشهر النحاتين في تاريخ العراق الحديث. من أشهر أعماله (نصب الحرية) في ساحة التحرير في بغداد الذي بدء فيه سنة 1959 ثم نفذه في فلورنسا بإيطاليا، وفي سنة 1961 عاد به إلى بغداد ووضع قطع النصب في مكانها في ساحة التحرير في بغداد. وفي 23/1/1961 توفى جواد سليم في بغداد بعد عشرة أيام من إصابته بنوبة قلبية أثناء عمله في وضع المنحوتات في مكانها بالنصب، وفي 16/7/1961 أزيح الستار رسمياً عن جدارية ( نصب الحرية). من أشهر لوحات جواد سليم لوحة (الشجرة القتيلة) ولوحة (راقصة هندية) التي بيعت بمبلغ 170000 باون استرليني الى جهة خليجية.
• نزار سليم (1925-1982): كان تأثير جواد سليم على أخيه نزار كبيرا، وقد تعلم على يديه أسرار الرسم والموسيقى. تخرج نزار سليم عام 1952من كلية الحقوق، ثم دخل معهد الفنون الجميلة، ومارس تدريس الرسم في معهد الفنون الجميلة ببغداد لمدة ثلاث سنوات ولكنه ترك المعهد بعد تعيينه في وزارة الخارجية للعمل في دمشق بعد ان تخرج من كلية الحقوق عام 1952 بدرجة (ليسانس)، وكان يُدرِّس الرسم في المعهد اضافة لدراسته في كلية الحقوق. وقد مكث بالعمل في وزارة الخارجية حتى عام 1971، ثم نقل الى وزارة الاعلام بدرجة مستشار دبلوماسي، فشغل مديرية الترجمة لفترة قصيرة ثم مديراً عاماً للفنون التشكيلية في بداية تأسيها عام 1972، وهو الذي وضع اللبنات الاولى والمهمة في تأسيسها، ووضع الهيكل التنظيمي والعام لهذه الدائرة 1976 وقد اصبــح مستشاراً فنياً في وزارة الاعلام عام 1976 حتى احيل على التقاعد عام 1981.
خلال عمله في وزارة الخارجية ووزارة الاعلام لم ينقطع نزار سليم عن نشاطه الفني في مجال الرسم والكتابة، فقد صدر له مؤلف عام 1977 عن "الفن العراقي المعاصر" الذي طبع بعدة لغات رئيسة منها الانكليزية والفرنسية والعربية. أقام نزار سليم عدد من المعارض الشخصية في بون وبغداد والخرطوم وستوكهولم، أما معرضه الأخير الذي لم يحضره فقد كان بمناسبة اربعينية وفاته وكان معرضاً شاملاً لأعماله وقد اقيم على قاعة جمعية التشكيليين العراقيين في المنصور بتأريخ 24/6/1982. وكانت وفاة نزار سليم اثر نوبة قلبية ودفن الى جوار أخيه جواد سليم في مقبرة الخيزران في بغداد.
• نزيهة سليم (1927-2008): من أشهر الفنانات التشكيليات في العراق، تخرجت من معهد الفنون الجميلة في بغداد ثم اكملت دراستها في باريس. وكانت نزيهة سليم اول فتاة عراقية جريئة تسافر الى أوربا لدراسة الفن في وقت كان المجتمع العراقي يوم ذاك منغلقا جدا على نفسه، ولولا عائلتها الفنية المنفتحة لما استطاعت السفر وحدها الى الخارج. درست في باريس في مدرسة البوزار على يد الفنان المعروف فرناند ليجيه Fernand Léger (1881- 1955) ، وقد عرف هذا الفنان باتجاهه التكعيبي حيث تأثر بأعمال بيكاسو. تخرجت نزيهة سليم عام 1951 وعادت الى العراق وعينت في معهد الفنون الجميلة، وكانت من اوائل الفنانات اللاتي ساهمن في الحركة التشكيلية العراقية التي بدأت تزدهر في الاربعينات والخمسينات. كان أخوها جواد سليم استاذها ومعلمها في الرسم، وقد اهتمت كثيرا عبر اعمالها بالحياة الاجتماعية للمرأة العراقية واظهرت معاناتها في كل مكان في السوق والبيت والعمل، وأظهرت تلك الأعمال تعاطفا واضحا مع المرأة. لسوء الحظ سُرقت اغلب لوحات نزيهة سليم التي كانت في المتحف العراقي للفنون اثناء الاحتلال الاميركي للعراق عام 2003 ولم يبق من تلك الاعمال سوى ست لوحات فقط.
4885 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع