"أيام صيفية عايشناها وأحببناها في الزمن الجمبل"

             

 "أيام صيفية عايشناها وأحببناها في الزمن الجمبل"

                               

               

         

أجمل ما في الصباح أن تستقبله وهو مليء بالتأمل والجمال، فمع بزوخ خيوط الفجر وبأشراقة شمسه تفتح لنا نافذة التأمل بالكتابة عن  جزأ من حياتنا في وطننا العزيز ولا يكمل ذلك ألا وبانتظار المساء منه لكونه  يثير فينا التأمل والخيال، فلخيال قادر على استعادة الماضي بمره وجماله هو الذي  يدرك انفعالاته وتأملاته ورغباته، فالماضي الجميل جزءٌ حي في حياة الإنسان وكنز ثمين مخبوء في ذاكرته وما اسهل على الخيال من استخراجه، مثلما يجسد  جمالية الجملة الشعرية وكأنه يبصمها مباشرة لتشكل جزءاً من ملامح التراث الذي رسمت ملامحه أصوات غنائية دائماَ نسمعها، فما أصعب أن ينتابنا أستمرار غربتنا واعيننا وهمساتنا وشعورنا وانفعالاتنا تتجه الى الاهل والأحبة..

       

ذكريات تأبى ان تفارقنا وهي حروف مبعثرة عندما تمتزج فأنها تعكس لمشاعرنا وأحاسيسنا القلبية المليئة بالأحداث والشخوص، الشارقة وكل الآمارات فيها شواطئ ذات نكهة خاصة تمتد على سواحلها  المترامية الأطراف، وطالما عشقت السباحة منذ الطفولة، فهي لي هنا الراحة والتمتع عند السباحة في البحر والهدوء الذي يتمتع به، واحة هادئة للتأمل والامتزاج مع الهواء العليل المنبعث من بين ثنايا الماء الملىء باليود  وأشعة الشمس، أغلب مرتادي البحر في الصباح من الأجانب نساء ورجال فتجدهم يمارسون الرياضة أو السباحة ويحرصون على قضاء ساعات طويلة تحت أشعة الشمس الدافئة، سباحتنا وجلوسنا مع القهوة لمقاهيها المطلة على البحر وهي ايضاً استحضار ذكريات قديمة، جاءت الفكرة ان اكتب عن صيف بغداد وأحوال بيوتاتها كما عايشناها، استفدنا كثيرا لما  كتبه أستاذنا وعميد كليتنا الدكتور مجيد القيسي مقالة جميلة ومؤثراة أبكتنا وافرحتنا عن حياة بغداد في الصيف تحت عنوان" البغداديون ماذا ينتظرون من آب أللهاب" والتي نشرت في مجلة الگاردينيا الجميلة ومن فاته قراءتها فاليقرأها، فهو العالم العلمي والأداري والتراثي الذي استحضر الذكريات ووثق الحياة البغدادية في فصل الصيف القائظ، تلك الذكريات أدركنا منها الكثير لأيام الخير ايام زمان، وكل من قرأها أشاد بها بأمتياز، وعند قرائتنا لها مرة أخرى أعطتنا الشجاعة ان نساهم كذلك بالكتابة لذكرياتنا عن صيف بغداد، وكيف كان تصرف أناسه وممارساتهم في مفهوم البساطة البغدادية وبعاداتهم الموروثة.

   
   

الصيف فرح  كبير لبغداد وللمحلة وللنهر وللأشخاص بعين الارتياح من خلال التكيف لأجوائه، لا يثقل الصيف على القلوب، يذكرنا، دائماً، بأن الشمس لن تغيب باكراً، وإن كانت حارقة أحياناً، لكنها لن تغيب، في الصيف تمتلئ الأسواق بأنواع الفواكه والخضار الصيفية زيادة على الرقي والبطيخ، وبأسعار زهيدة.
في فصل الصيف تفتقد العوائل وطلاب المدارس والكليات السفرات ويحل محلها اما البقاء في البلد والاستمتاع بصيفه ونهره والعابه أو الاصطياف في لبنان واوربا أو الى مصايفنا في صلاح الدين وراوندوز والكلي وبيخال وأحمد آوا

                    
 
في الصيف تنعدم القبولات النسائية ومجالس الرجال بسبب السفر للبعض من العوائل، كسلة.
 تبدأ حرارة الجو بالارتفاع، ويشرع الناس الى الاستمتاع بالأجواء الحارة بالقيام بالأنشطة المختلفة في الهواء الطلق، فالبعض يستغل الأوقات الصحيحة للخروج خوفا من لهيب الشمس الحارقة في حين بعضهم الآخر يتجاهلون آثار التعرض للشمس الساطعة في وقت الذروة مما يعرضهم لمخاطر صحية مختلفة.
الاطفال والمراهقون يستقبلون فصل الصيف بشغف فهي الفترة الوحيدة التي يتنفسون فيها الصعداء بعد دراسة شاقة واجتهاد في المدرسة والثانوية والكلية، ولإزاحة تعب العام الدراسي يبدأون في الاعداد والتجهيز لقضاء اجازتهم السنوية خارج المنزل، البعض يجد رقابة صارمة من ذويه تمنعه من الخروج في ظل الاجواء الحارة الا أن الأصرار والتمرد هو السائد للهو والاستمتاع
                  

كانت الألعاب الشعبية بمثابة مرآة تنعكس من خلالها ملامح الحياة الأجتماعية وتراثها الثقافي بكل ما فيها من قيم حضارية وانسانية، ومن أشهر الالعاب التي كان يمارسها الأطفال والأولاد لعبة الدعبل والمصرع وجر الحبل والنط على الحبل والختيلة ورج أو خض السيفون والببسي...، وتختلف الالعاب التي يمارسونها في ساعات النهار عن تلك التي يمارسونها في المساء، كما تختلف الالعاب في الصيف والشتاء، وهناك بعض من الألعاب الرياضية التي يمارسونها والتي تبعث فيهم نشوة الرجولة مثل لعبة المصارعة والقدم والسباحة ورمي الحجر والتسلق،

                   

وفي الصيف تتربع السباحة ولعبة الطائرات الورقية فوق السطوح، من أجمل مافيها هي التنافس الذي يعلن بين أثنين في اكثر الاحوال ويستخدم في هذه الحالات نوع من الخيوط يتم وضع ماده زجاجيه ناعمه لتمكين الخيط من خاصية القطع للخي ط الاخر، وتعمل هذه الماده التي تسمى "الكزيز" من طحن الزجاج ونخله بشكل ناعم جدا ويخلط مع عجينه من الطحين او الرز او الشريس ثم يمرر الخليط على الخيط بواسطة اليد ثم يترك ليجف

     

فالظهر الحار يجبر الأولاد بالعودة الى البيت وبعد مجىء رجل البيت تبدأ وجبة الغداء، أما البامية التشريب مع الرز الابيض "التمن" وخصوصاً العنبر

    

وبالاخص الحكاكة اسفل القدر المشبعة بالدهن ذات اللون الاصفر المايل الى الوردي، وردت في الباميا أمثلة شعبية متنوعة منها "على اللسان بلابل، وبالمعدة قنابل"، ووصف بها المغرور المنفوخ إختيالا "منفوخ من الباميه"، قالت البامية "أنا أفديكما بالدُّر المصون واللؤلؤ المكنون"

    

ومع محبتهم لها فأنهم كانوا يجففون البامية على شكل عناقيد و تخزينها لأكلها في الشتاء، او مرقة الباذنجان أو اللوبية المسلوقة مع الكفتة والشوربة او مرقة الشجرأو الدولمة،

 

ثم الحاق ذلك بكأس من اللبن مما يجعل الانسان بعدها في وضع يصعب عليه مقاومة النوم، وتبدأ القيلولة والتي تستمر لساعتين في السراديب لبعض البيوت..

 

أو في الغرف التي بها العاكول المرشوش عليه الماء أو مع الايركولر الذي بدأ بالظهور في نهاية الخمسينات،

 

والعصرونية بأنتظار العائلة مع الركي أو خبز العروك او الكليجة او الجبن أو الكيك لبعض من العوائل الغنية مع الشاي السنكين،ظاهرة ليالي الصيف في بغداد تستهوي من يريد اللهو والطرب وسماع الموسيقى والاغاني  و الالعاب كالدومبلة والدومينو والشطرنج والطاولي وكل على مذاقه ومذاق من يرافقه، وكانت اجمل الاماسي"

    

في شارع أبو نواس فردوس بغداد المطل على ضفاف دجلة٬ المطرز بأسم الشاعر أبو نؤاس المطل فترى الشعراء والأدباء في بعض من حاناته، وهناك تتفجر شحنات أبداعاتهم الملهمة من قصص الف ليلة وليلة وغيرها من التراث، وعلى امتداده كانت تنتشر الكازينوهات التي المكتظة بعشاقها من السياسيين والشباب والشعراء والمثقفين وفيها لعب الدومينو والطاولي والاستماع الى ابداعات الشعراء وسماع الموسيقى والغناء لأم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم والگبنجي.. من أجهزة التسجيل القديمة ليملئ الفضاءات  القريبة بصدى تلك الأغاني،

  

كما تنتشر مطاعم المسكوف وهي تنتظر عشاقها.
أو في النوادي الأجتماعية العائلية التي كانت تنتسب اليها العوائل البغدادية وهي نادي العلوية ونادي الهندية ونادي المشرق ونادي الهومنتمن ونادي سيروان ونادي صلاح الدين والنادي الآثوري ونادي التجار وكل هذه النوادي جميعها في الكرادة، ونادي المنصورفي المنصور،
 أو نوادي الجيش والشرطة وموظفي المالية والبنوك والصحافة والامانة والأطباء والصيادلة والمهندسين والمعلمين والمحامين والاقتصاديين".
   

نهر دجلة العظيم وكل من تغنى به أغنية و شعراً و كل من رسمه و أحبه و تحدث عنه، فهو رمز مسرتنا في كل فصول السنة ولكن في الصيف له طعمه الخاص، حيث تشكل السباحة متعة ورياضة وهواية واستمتاع عند الأولاد والشباب والرجال الذين يلجأون اليه كملاذ من حرارة الصيف اللاهب، وهناك يتحلقون ويرقبون المتصارعين في العابهم وحركاتهم الرياضية ثم في تصارعهم على ايقاعات وغناء بغدادي شجي أو الذين يمارسون لعبة الطائرة ، وهناك من يعلم الأولاد السباحة من خلال شد الكرب (والكرب هو الجزء الأدنى من سعفة النخيل أي قاعدتها وهي غليظة وعريضة تمتاز بأنها خفيفة وتطوف على سطح الماء) يشد على ظهر المتعلم أو بطنه ليساعده على الطوفان أو أن بعض الأولاد كانوا يستخدمون الأنابيب المطاطية (الجوب) في السباحة لحين تمكنهم منه،  وفي أوقات العصر وما بعده يتنزه في رحابه من العوائل واولادهم وبناتهم، فردوس جميل لا يمكن نسيانه.
   
توارث العراقيون ظاهرة النوم فوق السطوح، فمن الناحية التاريخية وجدت ظاهرة الانتفاع بالسطوح ابتداءً من الكاهن عندما استعمل الزقورة فكان يصعد اليها ويكلم الإله وبعد ان يكمل طقوسه ينام فيها مستفيداً من اعتدال المناخ، وقد وجد احساس الآشوريين والبابليين بالارتفاع أعلى السطوح عندما بنيت الجنائن المعلقة فكلما ارتفع الانسان عن الارض اصبح المناخ اجمل وقد بنيت في الاخيضر فسحة جميلة كان الحراس يجدون فيها مكاناً مناسباً للنوم والاسترخاء،  ولقد عرف "الحوش" البغدادي بطبيعة تصاميمه بأنه مكشوف من الوسط، ولذلك علاقة في ان الفرد البغدادي فضل الارتباط بالسماء ومن ثم الارتباط بالرب، وقد دهش الرحالة جوفر يزرا في رحلته التي جاب فيها بلداناً كثيرة من الشرق، دهش وهو يرى في ناظوره العوائل العراقية النائمة فوق الاسطح.

  

أما من الجانب الاجتماعي فأن السطح كان ركناً مهماً وأساسياً في حياة الفرد العراقي، كان اهالي بغداد في فصل الصيف ينامون على السطوح واكثر السطوح اذا لم تكن جميعها مكسيه بالتراب بعد تهويره ونخله وخلطه بالتبن والماء وتخميره ثم يتم اكساء السطوح به والعمليه هذه تؤمن سد الفراغات والفقاعات في الطين "الحر" لمنع تسرب مياه الامطار ولذلك فان من واجبات ربة البيت هو كنس السطح ورشه بالماء يوميا وحمل الافرشه والاغطيه لفرشها عند المغرب ليبرد واملاء "التنكه" بالماء والبعض يفضل "الحبانه" وهي حب صغير مع حامل توضع في السطح اذا كانت العائله كبيرة العدد

  


وايضا يتم وضع "رگيه" مقسومه نصفين لكي تكتسب البروده ويكون النهوض مبكرا قبل توارد الذباب مع طلوع الفجر والنزول الى داخل الدار وكان المتزوجين يضعون "الكله" وهي قطعه من القماش الخفيف جدا (الململ ) لمنع البعوض والذباب والتمتع بالنوم لاكبر فتره ممكنه وكانت من اداب ذلك الزمان ان لا يشرف الجار على جاره حتى لو كان اعلى منه في البناء وتعتبر هذه اساءه غير مقبوله ، فكان الفراش يحفظ في مكان خاص هو (البيتونة) وهي غرفة صغيرة مسقفة وفي وقت الغروب يعمد الى اخراج الفراش وفرشه ليبرد، ومن ثم تصعد الفخاريات "التنك" المملوءة بالماء ويتم تركها على الشرفات لتبرد، وفي وقت العشاء يصعد الطعام الى السطح لتناوله وغالبا ما يكون الخبز والجبن والعروك والرقي.

  
 
أحلى الاوقات هي ما كنا نقيضها في السطح، ويتسابق الصغار للوصول الى الفراش ويتقافزون فوقه ويلعبون "الجقلمبة"، خاصة في آخر الليل حين يبرد الهواء ويترطب الجو بندى الفجر، ومع تحذير الأهل بعدم عد النجوم لنتجنب ظهور الفالول على ايدينا وارجلنا ألا أننا كن نرصدها ونستمع الى أحلى القصص هي ما كان يحكى عن النجوم،

      

فلكل نجمة حكاية، فهناك نجمتان لامعتان هما قيس وليلى، أو سهيل والثريا كل منهما تقابل الاخرى، وفي يوم من السنة تقترب هاتان النجمتان من بعضهما، وفي اللحظة الاخيرة تفرق بينهما نجمة ثالثة، كنا نراقب النجوم في كل ليلة لنرى هذا المشهد لكننا كنا نغفو دائماً، ولن ننسى نجوم بنات نعش حيث تردد الرواية ان بنات نعش يكوننّ مع ابيهن اثنتا عشرة نجمة وهذه النجوم تظهر مع اقتراب الفجر حيث تقطع عرض السماء والنجمة الثانية عشر تسير ببطء متخلفة عن السرب لان الاسطورة تقول ان صاحبة هذه النجمة عرجاء وكثيراً ما كنا نراقب النجمة ام الذيل او النجوم التي تحز في كبد السماء والتي لا تتعدى في حقيقتها شهبا محترقة.
              

عندما كنا صغارننتظرأن ياتي بائع المرطبات وهو  يدفع عربه بيضاء ويصبح بوبسكيل ابو العودة ابو الطابوكه ابو الكلاص اي توجد لديه انواع داخل العربه التي يحفظ فيها الدوندرمة التي تصنع باليد حيث تدق العجينه بالأيدي، ولم نكن نفكر بامراض او مكروبات وكانت الصحة ممتازة والمزاج عال العال ليتنا على ايام ابو البوبسيكل .


      

إلا أن غالبية البغداديين يحرصون على زيارة "حجي زبالة"،  لإطفاء حرارة الصيف بشرابه البارد، والتمتع بالصور العديدة التي تعكس تاريخ بغداد منذ تأسيس دولتها الحديثة ، ملوك ورؤساء العراق الذين مروا على المحل، الملك غازي ونوري السعيد وعبدالكريم قاسم الذي جلب معه ذات مرة ملك المغرب محمد الخامس ومرة الرئيس الجزائري أحمد بن بله، الزعيم  الفلسطيني ياسر عرفات، الرئيس عيد السلام محمد عارف والسيد طاهر يحي والسيد علي صالح السعدي والرئيس عبد الرحمن عارف والرئيس أحمد حسن البكر والرئيس صدام حسين،وهنالك  مفارقة يرويها ابن الحاج زبالة "حدثت مع الرئيس صدام حسين حين جاء بضيفه الرئيس المصري حسني مبارك، قال له مبارك: إيه ده يا أبوعدي.. أنت تريد تشربني شربة زبالة"،

لكنه ما أن شرب الكأس الأول حتى طلب الثاني وسط ضحك الجميع"،

  

وفي أوائل الستينات بدأ شربت الرمان يبدأ بمعجبين لتذوقه وقد أشتهر جبار القادم من الحلة بصنعه في أحدى الدكاكين في مدخل أبو نؤاس،هكذا وابو نؤاس يقدم لندمائه الكوؤس وجبار ابو الشربت  مع ابناءه يقدمون شربت الرمان.

                 

أحدى علامات الصيف هي "أم الدخان"هي عبارة عن ماكنة  زراعية تعبأ بمادة سائلة من مبيد حشرات وتقوم برشه دخانا كثيفا بدل الماء لمكافحة البعوض والحشرات وهي تجوب  وبشكل واسع في اكثر المناطق السكنية لاسيما القريبة من مصادر المياه، وتحمل هذه الماكنة سيارة من نوع البيك آب ويهيج اطفال الحي أو المحلة الذي تمر به هذه السيارة والتي يغنون حولها  جتي ام الدخان، بينما يختبئ البعض خوفا منها.

               

ليالي الصيف ارتبطت في بغداد بالجراديغ، وهو جمع جرداغ والجرداغ  هو عبارة عن غرفة من مرادي خشب  "القوغ" المدور تكسى جوانبها وتسقف بحصران القصب "البواري"  ويكون الجرداغ مفتوحا من الجهة التي تستقبل النسيم والماء، اعتاد البغداديون من شرائح المثقفين والرياضيين والأدباء على إقامتها وقضاء سهراتهم فيه مساءً هرباً من حر العراق

 

ومعهم مايحتاجون من خيار وطماطة ولوبيا وفاكهة كالرقي والبطيخ والخوخ والعنب مع التوابل والعنبة وارغفة خبز التنور مع قوالب الثلج الملفوف بالكواني للمحافظة عليه من سرعة الذوبان والسمك الشبوط يشترونه من البلامة حي يلبط ويقومون بتنظيف السمك وتمليحها وتسكف على الطريقة البغدادية، ويكاد ان يكون وقتهم  مقصورا على السباحة مساءً والأنس والطرب والأكل والشرب :

كتبنا مقالة نشرتها الگاردينيا وهي بعنوان"ما أجمل الجراديخ والبلام والبلامة وما أحلاهما في دجلة الخالد وذكرياتهما أيام زمان".
   

طائر اللقلق من بين الطيور المهاجرة من أوربا إلى العراق شتاء، وهو طائر جميل مسالم يحب الهدوء ويتجنب الضوضاء، يحبذ بفطرته العيش في الأماكن المرتفعة كأبراج الكنائس حيث قبة الأجراس، وأعالي المساجد بقمم المآذن، وأعمدة الكهرباء وأية بيوت اخرى قديمة مرتفعة، يبني فوقها أعشاشه، ويتخذها ملاذا ومأمنا له بعيدا عن مضايقات الناس حيث يصعب الوصول إليه، ولا يصله من ضوضاء المدن إلا أقلها يجلس في صومعته يجول النظر يستمع بما حوله من المشاه وكان مشهدها مبعثا للراحة والدهشة والغرابة، صنع هذا الطائر لنفسه هالة في نفوس الناس، فهم يستبشرون به، ولا يتحرشون به ولا بأعشاشه، تظل ليالي الصيف تلقلق باصواتها التي الفها اهل بغداد وكانوا يستطيبونها ولا يضجرون منها، لقد هاجرت اللقالق ولم يبقى لها وجود كما هاجرت كفاءات العراق ومواطنيه كالطيور المتنقلة في غربتها وفي كل فترة لبلد يأويها، وحلت بدلها طيور متوحشة.

           

قبل أنتهاء فصل الصيف تبدأ كثير من نساء العوائل بعمل المعجون وذلك للاستفادة منه في الشتاء الذي يندر فيه وجود الطماطة في ذلك الزمن، حيث يعصرون الطماطمة ويزيلون عنه البثل ويضعونه في الصواني ويرشون عليها ملحا خشنا ويضعونها في السطح في الشمس المرتفعة الحرارة وحين تجف تحفظ في قارورات زجاجية، وكذلك فتجفيف البامية  يجب أن تبدأ بعد غسلها وأزالة الأقماع ثم تغرز بالأبرة وتعلق بالخيط في الهواء الطلق حتى تجف تماما وتهويتها بشكل جيد خوفاً من الحشرات.
هكذا كان صيف بغداد دائماً برونقه وبهذه البساطه المعهودة وبهذه المشاعر الجياشه النقيه وبأرق انواع العشق والمحبة التي تشمل رومانسية بغدادنا او رومانسية مجتمعنا والنكهة المميزه التي تجمعهم وتميزهم.
هدا هوالماضي الذي كان حافلاً بنشوة الحياة وصناعة البهجة في أشد الظروف ، وفيه كان الرجل والمرأة والاولاد يعيشون الحياة في سبيل الاستمتاع به ولكن للأسف فسدت واصبح الكثير مشوه في حياة العراقيين والسبب والمصيبة معروف، ومن الله التوفيق.
سرور ميرزا محمود 



  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

571 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع