يفضل الكثير من العراقيين تناول خبز التنور التقليدي على الخبز الذي تنتجه المخابز الآلية والصمون، لأنه أصح أولًا، ولأن فارق السعر كبير ثانيًا، خصوصًا بالنسبة إلى العائلات العراقية الكبيرة.
إيلاف/ وسيم باسم/بغداد: ما زال العراقيون يحرصون على تناول خبز التنور التقليدي في اغلب وجباتهم، رغم شيوع الخبز الميكانيكي والصمون. وكانت مهنة إعداد الرغيف التقليدي على الدوام مهنة الأسر الفقيرة، التي تقوم بإعداده للمطاعم وللأغنياء. واليوم، وبعد انتشار المخابز الحديثة في كل أنحاء العراق، لا يزال التنور الطيني صامدًا.
في القرى والأرياف، فإن أوقات عمل الخبز تمثل لحظة استثنائية لكثيرين مضى عليهم زمن طويل، لم يشاهدوا أو يشموا رائحة الخبز العراقي الشهير.
يقول سعيد حسن القادم من السويد في زيارة إلى العراق إن نكهة رغيف الخبز العراقي المشوي على نار الحطب يحن إليها كل عراقي في الغربة، وتوقظ فيه الذكريات والحنين إلى الوطن.
لا منافسة
يشير الباحث الفولكلوري عادل الخزرجي إلى أن الأسر العراقية في الماضي كانت تصنع خبزها بأيدي النساء لاسيما الكبيرات في السن. ولا يمثل التنور الطيني صناعة وطنية فحسب، بل هو رمز من رموز المعتقدات والتقاليد الاجتماعية والطقوس التي سادت العراق منذ آلاف السنين.
ويقول الخزرجي إن صناعة الطين والفخار صناعة عريقة، تمتد إلى العصور السومرية، حيث اشتهرت حضارة العراق بكونها طينية في المقام الاول. وما زال المزارع أحمد العيسى لا يشتري الخبز إلا في حالات نادرة، والسبب أن أخته الكبيرة ما زالت متمسكة بتنورها الطيني الذي بني منذ عشرين سنة ويجدد باستمرار.
ويشير العيسى إلى أن الكثير من أصدقائه والمعارف يزورونه ليس لشيء إلا لكي يتذوقوا رغيف الخبز. ويؤكد في الوقت نفسه أن أفران الصمون والخبز الميكانيكي المنتشرة في كل مكان "لا تستطيع على الإطلاق مجاراة الطعم والنوعية التي تميز الرغيف العراقي التقليدي".
صناعة في انحسار
لكن المشكلة التي تواجهها صناعة الرغيف البلدي هي قلة الحطب وانحسار اليد الماهرة التي تصنع التنور. وبحسب الخبازة أم حسن التي تصنع الخبز منذ 30 سنة، هناك نوع معين من الحطب يعطي الخبز نكهة خاصة، "وعلى التنور أن يُصنع من طين خاص يؤخذ من تربة الأنهر".
وتؤمن أم حسن بأن وجود التنور في أي بيت يمنحه البركة ويجلب الرزق ويعطل السحر، بحسب التجارب التي عاشتها طيلة حياتها.
وفي مدينة الهاشمية شبة القروية جنوبي بابل، مازال سيد حاكم يصنع التنور الطيني مع ابنه وزوجته، ويعرض أمام بيته المتواضع نحو عشرين تنورًا تنتظر الزبائن، ويبلغ سعر أحدها نحو خمسين ألف دينار عراقي.
صانع تنور في مدينة كركوك
ولا يبدو سيد حاكم سعيدًا في هذه الأيام، لأن وجود الكثير من الأفران الحديثة أدى إلى انحسار هذه الصناعة العريقة، كما أن الأيدي الماهرة التي تصنعها لم تعد موجودة إلا في القليل النادر.
ولا تبدو صناعة التنور عملية سهلة، إذ يقول سيد حاكم إنها تستغرق طويلًا، تبدأ بتحضير خلطات الطين الأحمر، ثم صناعة دوائر متدرجة في قطرها. ويضيف: "بعد إكمال قاعدة التنور تترك يومين تحت الشمس لتبدأ عملية وضع الحلقات بالتدريج".
فرق السعر
يأتي زبائن سيد حاكم إليه من الأرجاء المختلفة، لكن ليس بالزخم المعهود في الماضي. لكن الباحث الاقتصادي جعفر القيسي يرى أن صناعة الخبز التقليدية في البيوت لن تنتهي في المدى القريب، "والسبب ارتفاع أسعار الخبز والصمون والمحروقات، ما يجعل الكثير من العائلات تفضل صناعة خبزها بيدها بالتنور العادي، على الرغم من أن الكثير من العوائل استغنت في الوقت نفسه عن التنور الطيني لصالح التنور الغازي المصنوع من المعدن".
السبب الآخر الذي يساهم في ديمومة الخبز المنزلي الذي تصنعه الأمهات في الغالب، فالأفران التجارية في الغالب غير نظيفة، وتخالف الشروط الصحية في ظل انعدام الرقابة.
تقول أم عصام، التي اشتهرت خبازة لأجود أنواع الخبز، إنها ما زالت تفضل التنور الطيني، لأنه ينتج خبزًا عراقيًا أصيلًا، بنكهته المعروفة ومذاقه الخاص، "إضافة إلى انه أكثر ديمومة ولا يحتاج إلى الإدامة المستمرة، كما يخلو من العطلات ومخاطر تسرب الغازات التي تميز التنور المعدني الحديث".
ويعتقد القيسي أن سعر الصمون مرتفع في الوقت الحاضر، فعشر قطع بألف دينار عراقي، وهو ما لا يتحمله الكثير من الأسر العراقية. أما سعر ستة أرغفة تنور في السوق هو ألف دينار عراقي.
1365 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع