يونس بحري يتحدث عن نفسه قبل سنة من وفاته
يونس بحري السائح العراقي والصحفي والمذيع الاسطورة الذي ملأ الدنيا وشغل الناس ، كتبتُ انا عنه ، وكتب عنه كثيرون ويبدو انه يجعلنا دوما ندور في فلكه ، ونتحدث عنه وسوف يظل العراقيون وغيرهم يتحدثون عنه الى ان يرث الله الارض وما عليها .
واليوم 10 حزيران – يونيو 2019 ، أرسل لي صديق تسجيلا صوتيا نادرا بالفيديو سمعته عبر قناة اليوتيوب وفيه يتحدث المرحوم يونس بحري عن نفسه عبر ندوة في دار الفنان الرسام سعد الدين فاضل رضا في الباب الشرقي ببغداد يوم 12 اذار سنة 1978 ( أي قبل سنة من وفاته ببغداد سنة 1979 ) ، وقد ادار الندوة مطرب المقام الاستاذ عبد القادر النجار .
وفي هذا التسجيل ، سمعت انا شخصيا معلومات جديدة لم أسمع بها من قبل ، مع انني اعرف يونس بحري معرفة شخصية وقد جالسته مع عدد من الاصدقاء في الموصل قبل عدة سنوات من وفاته . والشي الجميل ان ابا لؤي واقصد هذا السائح والرحالة الموصلي العراقي صاحب التجارب العميقة في الحياة ، صديق الملوك والرؤساء والشيوخ والذي صدرت بحق اربعة أحكام بالاعدام ووقف متهما في المحكمة العسكرية العليا الخاصة – محكمة المهداوي بعد ثورة 14 تموز 1958 التي اسقطت النظام الملكي ، تحدث بإنسيابية عن حياته في هذا اللقاء الذي قمت بتفريغه .
ومما قاله انه ولد في الموصل سنة 1904 ، وان اسمه الحقيقي هو (يونس صالح الجبوري ) ، وهو من عشيرة الجبور وقال ان والده كان ( قائدا عسكريا ) ، عمل مرافقا للسلطان عبد الحميد الثاني 1876-1909 ، وانه بدأ دراسته الابتدائية في الموصل واكمل الاعدادية ، وذهب الى اسطنبول عاصمة الدولة العثمانية والتحق بالكلية الحربية - القسم البحري ومن هنا سمي بالبحري وتخرج ضابطا بحريا .
وقال انه بعد تخرجه ، سافر الى المانيا لاكمال دراسته سنة 1921 ، ودخل في ميونيخ المدرسة الحربية للخيالة وتخصص بعد ذلك بالخيالة .
والشيء المهم الذي قاله المرحوم يونس بحري ، انه في ميونيخ تعرف على شاب الماني اسمه (ادولف هتلر ) ونشأت بينهما صداقة ، وكان اللقاء في مشرب بيرة الماني ذكر اسمه يونس بحري وهو (مطعم برغل بيور كيلر) .
وقال ان ادولف هتلر كان رساما يعيش من خلال رسوم بالفحم كان يرسمها للزبائن ، وكان فقيرا وكان يونس بحري يعطيه يوميا ما يعادل دينار عراقي واحد وانه هو من وجهه لرسم لوحات فنية ، ومن هنا نشأت بينهما صداقة وثيقة وبعد ان صعد هتلر بمساعدة باول فون هينبنبورغ القائد العسكري والسياسي الالماني والذي اصبح رئيسا لالمانيا 1925-1934. Paul von Hindenburg
واخذ هتلر الاغلبية في الرايخشتاغ وهو البرلمان الالماني وصار زعيما للرايخ حفظ ليونس بحري موقفه منه .
واضاف يونس بحري ، وهو يتحدث سنة 1978 ، انه في سنة 1936 ذهب الى برلين عندما انتدبته الحكومة العراقية للمشاركة في الالعاب الرياضية الاولمبية وترأس هو الوفد العراقي وهو كما نعرف سباح ماهر وعالمي سبق له ان عبر مضيق جبل طارق سباحة وتغلب على سباحين من (36 ) دولة وحاز على جائزة تعادل ما قيمته (1000 ) ليرة ذهب وكان قد اشترك في السباق بإسم بلده العراق واخذ البطولة واعترفت الحكومة العراقية بذلك رسميا .
ثم يتحدث السائح والصحفي يونس بحري عن علاقته بالصحافة فيكشف امورا جديدة من قبيل أن أول علاقته بالصحافة هي عمله في جريدة (الموصل ) التي اعادت سلطات الاحتلال البريطاني اصدارها في الموصل بعد احتلالهم لها وكانت من قبل ومنذ سنة 1885 تصدر ايام الدولة العثمانية بإسم (موصل ) وباللغتين العربية والتركية .
وقال يونس بحري انه اشتغل في الصحافة منذ سنة 1918 اي بعد احتلال البريطانيين للموصل واعادة اصدارهم لجريدة (الموصل ) ، وكان رئيس تحرير الجريدة الصحفي الموصلي المعروف ( يونان عبو اليونان) بينما كان مصفف الحروف ( نور الدين محمود ) وهو نفسه الفريق الركن الذي شكل وزارة سنة 1952 في بغداد . وكان يعمل في الجريدة شخص اسمه حمدي رضا .
وقال يونس بحري انه كان ينشر في جريدة (الاديب ) الموصلية لصاحبها الصحفي الموصلي الكبير محي الدين ابو الخطاب .كما نشر في جريدة (فتى العراق ) وذكر ان من كان يصدرها هو محمود الجلبي والصحيح انه ابراهيم الجلبي وان محمود المحامي هو ولده .
وقال انه عندما انتقل الى بغداد اصدر جريدة ( العُقاب ) وكانت جريدة مسائية لابل هي - كما قال اول جريدة مسائية تصدر في العراق - وكانت تصدر الساعة الخامسة من مساء كل يوم وقد راجت وتغلبت على خمس صحف صباحية لانها كانت تنشر الاخبار قبلها ب(14) ساعة على الاقل .
وحول علاقته بقراء المقام في الموصل ، تحدث عن الملا سعدي الموصلي ، وقال انه لايمتلك معلومات عنه لكنه يعرف الملا عثمان الموصلي الذي كان معروفا بفراسته ومعرفة متحدثه من لمسه ليده وقوله اهلا وسهلا مع ان البصير يعرف الاخرين بنبرة اصواتهم . وقال ان السيد احمد بن الكفغ كان قارئا للمقام في الموصل وكان اخوته ايضا بارعين بقراءة المقام وعرج على السيد حيدر جواد وكان ايضا قارئا للمقام وقال هو اليوم 1978 استاذا للفقه في المدينة المنورة .
وفي بغداد - وعندما اصبح كما يقول المذيع الاول او مدير الاذاعة سنة 1936 - عرف كل المطربين والمطربات في زمانه ومنهم صديقة الملاية وناظم الغزالي وعفيفة اسكندر ومحمد القبانجي وقال ان الاذاعة أي اذاعة بغداد في الصالحية كان تتكون من ثلاث غرف غرفة للسكرتارية وغرفة للتسجيل واستديو للاذاعة المباشرة يقصد البث المباشر وقال ان من كان يعمل في الاذاعة سلمان الصفواني ، ويحيى ثنيان ، واسماعيل حسن .
وتحدث عن انه كان رئيسا للجنة اختبار المطربين ، وكان ياسين باشا الهاشمي رئيسا للوزراء يحضر جلسات الاختبار وعندما يعجبه صوت المغني يصرخ (يونس قيدا اي اقبله ) وعندما غنت صديقة الملاية اعجب بصوتها يونس بحري فصرخ قيدها فغضب ياسين باشا الهاشمي قائلا له اتأمرنني فرد يونس بحري : باشا مرة انتَ تأمرني ، ومرة أنا أمرك فضحكا .
ثم تحدث عن حادث مقتل الملك غازي في حادث انقلاب واصطدام سيارته وقال ان الانكليز هم من كان وراء ذلك ومن خلال العبد المرافق له في السيارة الذي ضربه على رأسه من الخلف فإنحرفت السيارة ، واصطدمت بالعمود الكهربائي وانه وجماعة معه في الموصل ومنهم حمدون الجماس ، وهشام الدباغ هجموا على القنصلية البريطانية وكانت في محلة النبي شيت بالموصل واسهموا في قتل القنصل مونك ميسن .
وقال ان الانكليز هددوا يونس بحري عندما كان في الاذاعة وانه اصطدم بهم وقال انه من اسهم في اشعال النار في القنصلية البريطانية وكان معه عبد المنعم الغلامي .
وقال يونس بحري انه طلب من ادولف هتلر ان يهدي الملك غازي ملك العراق الاسبق 1933-1939 اذاعة ، وقد نصبت الاذاعة في قصر الزهور .
واضاف انه كان وبعض من يعمل معه في الاذاعة يذهب يوميا الى اذاعة قصر الزهور بعد انتهاء عملهم في اذاعة بغداد ، وبعدها ينتقل مع الملك غازي الى قصر الملح وهناك يقضون ساعات للهو والمتعة والضحك على حد قوله .
ويقول ان هتلر اهدى الملك سيارة .
يتحدث يونس بحري عن الشاعر ايليا ابو ماضي ويشترك في الحديث بعض ممن حضر الندوة ، ويسخر من محبي وعاشقي الكراسي ، وتدور بين الحاضرين نقاشات حول قصيدة ايليا ابو ماضي .
من ادار الحوار وهو عبد القادر النجار يطلب من يونس بحري ان يتحدث عن اللغات التي يعرفها ، فيقلد يونس بحري عددا من زعماء العالم في زمانه خطبهم بلغاتهم القومية وممن يقلدهم ونستون تشرشل بالانكليزية ، وهتلر بالالمانية ، وديغول بالفرنسية ، والملك عبد العزيز ال سعود بالعربية .
ثم يتحدث عن خطابه هو الذي كان يبتدأ تعليقاته من اذاعة برلين : " هنا برلين هنا برلين حي العرب" .. "لقد كانت بريطانيا تسمى سيدة البحار ولكن بعد هجوم الغواصات والطائرات البريطانية صارت تسمى سيدة قعر البحار " . وكان ذلك خلال سنوات الحرب 1939و1940 و1941 وما بعد ذلك .
تحدث يونس بحري عن قصة تهريبه بطائرة المانية من بغداد بعد فشل ثورة مايس 1941 ومرافقة السفير الالماني كروبا له وما لاقاه في المطار الى ان وصل الى برلين وانه قال لكروبا لاتوجد لديه فلوس فأعطاه ( 15 ) دينارا .
وختم يونس بحري حديثة بالقول انه عاد الى العراق ، وانه أفلس يوما فذهب الى أحد تجار ووجوه الموصل في سوق الصفافير ببغداد وهو ( هاشم الحاج يونس) ، وكان زميله في الابتدائية في الموصل وشكى له افلاسه فأعطاه ( 100) دينار فبكى فقال له هاشم الحاج يونس لماذا تبكي فرد أبكي من الفرح لانني كنت احلم بأن تعطيني عشرة دنانير واذا بك تعطيني ( 100) دينار فقال هاشم الحاج يونس ليونس بحري طالما انت في العراق تعال الى المكتب كل شهر ، وقد خصصت لك راتبا قدره ( 30 ) دينار شهريا وقال يونس بحري ولسنوات طويلة وانا اذهب الى مكتب هاشم الحاج يونس ، واقبض راتبي ومن دون ان اؤدي أي عمل .
واخيرا انا - كمؤرخ - لا أستطيع أن أجزم بصدق ودقة المعلومات التي اوردها المرحوم الاستاذ يونس بحري ، الا بد مقارنتها بغيرها من المعلومات التي نمتلكها عنه ، وهذا يتطلب منا دراسة تاريخية علمية موضوعية لاتتوفر الا من خلال جعله اي جعل ( يونس بحري ) موضوعا لاطروحة دكتوراه ، وقد يأتي الباحث المجتهد الذي نريد للقيام بهذه الدراسة التي ستسهم في إماطة اللثام عن حقيقة يونس بحري ، ودوره ، ومواقفه ، وما تركه من بصمات في تاريخنا العراقي والعربي المعاصر .
رحم الله يونس بحري وغفر له وجزاه خيرا على ما قدمه لوطنه وأُمته .
864 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع