سعيد قزاز وغازي الداغستاني
الحياة ..... حكايات/سعيد قزاز
محي الدين محمد يونس
ولد المرحوم سعيد قزاز في مدينة السليمانية عام 1904 , قضى فترة طفولته ودراسته في مراحلها الثلاثة في مسقط رأسه وتخرج من كلية الحقوق جامعة بغداد في عام 1922 وأسندت إليه الوظائف الحكومية التالية:-
20/ 1/1924 موظف في دائرة المفتش الإداري في لواء السليمانية
2/7/1927 مدير ناحية تانجرو / لواء السليمانية
23/1/ 1932 مدير تحرير متصرفية لواء أربيل
31/6/1938 قائمقام قضاء حلبجة لواء السليمانية
4/7/1939 قائمقام قضاء زاخو لواء الموصل
20/ 7/ 1941 مدير الداخلية العام
17/ 9/1944 متصرف لواء أربيل
21/ 9/ 1946 متصرف لواء الكوت
15/4/ 1947 متصرف لواء كركوك
26/6/1949 متصرف لواء الموصل
21/ 12/ 1952 وزير الشؤون الاجتماعية
29/ 1/ 1953 مدير عام الموانئ
من 17/9/ 1953 وزير الداخلية لغاية 14/ 7/ 1958
سعيد قزاز في شبابه
خصصت مقالتي هذه للتحدث عن مآثر هذا الرجل النبيل لقرب حلول ذكرى استشهاده وإعدامه في 20 أيلول 1959 والذي خلد ذكراه بعنفوان كبريائه وثبات موقفه وعزة نفسه , لقد رحل جميع أقطاب النظام الملكي في العراق عن هذه الدنيا ورحلت معهم ذكراهم إلا ذكرى ( أبو بري ) تأبى أن تمحى أو تزول لقوتها وخروجها عن المألوف في مواقف الرجال الشجعان لقد أقترن اسمه بالشهامة والشجاعة والنزاهة والتواضع هذا العصامي الذي اعتمد على نفسه من خلال مكونات شخصيته الفذة التي جعلت من اسمه المجرد (سعيد قزاز ) المعروف به علماً من أعلام السياسة في العراق وإداريا حازماً جريئاً والأكثر غرابة هو الاكتفاء بذكر هذه الشخصية بهذا الاسم على خلاف الآخرين وما متعارف عليه عرفاً وما يستوجبه القانون في ذكر الأسماء الثلاثية والرباعية واللقب وخاصة عند استيزاره والتحقيق معه ومحاكمته من قبل المحكمة العليا الخاصة ( محكمة المهداوي) وإصدار حكم الاعدام بحقه وتنفيذه.
منظر عام للمحكمة العسكرية العليا الخاصة ( محكمة الشعب أو محكمة المهداوي)
في أمسية من أمسيات شهر مارس من عام 1985 كنا مجموعة من الاصدقاء جالسين في ضيافة المرحوم الشيخ ( حسين خدر آغا السورجي) رئيس عشيرة السورجية في المنطقة وفي ديوانه في قرية كلكين المطل على وادي آلانه والمقابل لقمة جبل كورك الشامخ نتجاذب أطراف الحديث في مختلف قضايا ومواضيع الحياة جرنا الحديث إلى ذكر المرحوم الشخصية الكردية العراقية (سعيد قزاز) وكان كل شخص من الحاضرين يدلي بما سمع أو علم عنه من مآثر ومعلومات وحكايات منذ بدأ اشتغاله في الوظائف الحكومية كموظف بسيط ولحين وصوله الى منصب وزير الداخلية في عام 1953 ولغاية الاطاحة بالنظام الملكي في 14 تموز 1958.
فاضل عباس المهداوي رئيس المحكمة العسكرية العليا الخاصة
بدأت الحديث ذاكرا مقولته الشهيرة وهو في قفص الاتهام في المحكمة العسكرية العليا الخاصة ( محكمة المهداوي) وفي شجاعة قل نظيرها وهو يتحدى رئيس وأعضاء المحكمة وهيئة الادعاء العام فيها وجمهرة من أعضاء ومؤيدي الحزب الشيوعي العراقي الحاضرين في القاعة وأغلبهم من محافظة السليمانية وهم يلوحون بالحبال ويطالبون بإعدامه كل هذا الجو المشحون بالإرهاب سواء من هيئة المحكمة أو من جمهرة الحضور لم تؤثر في معنوياته ولم تجعله يتراجع قيد أنملة عن تحدي أقطاب الحكم الجمهوري وببسالة منقطعة النظير وهو يردد:
(( لا ترهبني المشنقة وعندما أصعد عليها سأرى الكثيرين ممن لا يستحقون الحياة تحت أقدامي)).
سعيد قزاز وزير الداخلية في العهد الملكي في محكمة المهداوي
ثم تحدث المرحوم الشيخ ( حسين خدر آغا السورجي) عن هذا الرجل ودوره في المحافظة على البيئة في كردستان من خلال دوره في تشريع قانون الغابات ذو الرقم 75 لسنة 1955 والذي منع بموجبه المواطنين من قطع الأشجار الطبيعية المنتشرة في أرجاء المنطقة حيث اعتادوا على قطعها وعمل مادة الفحم منها والمتاجرة بها والتي كانت تدر عليهم أرباحاً كبيرة بمستوى الأرباح من الأعمال الأخرى في ذلك الوقت , لقد ادى انصراف الكثيرين لمزاولة هذا العمل إلى تناقص عدد الأشجار الطبيعية التي كانت تزين وتغطي سفوح وقمم جبال كردستان ووديانها وما يشكله ذلك من مخاطر على البيئة وجمال الطبيعة ونمط الطقس السائد فيه.
شكل المتضررون من تشريع هذا القانون وفداً يضم عشرون شخصاً من لواء أربيل والذين كانوا معنيين بالأمر والكلام للمرحوم الشيخ ( حسين خدر آغا السورجي) والذي أخذ على عاتقه مهمة ترأس الوفد إلى بغداد ومقابلة المرحوم (سعيد قزاز) وزير الداخلية حيث تمت المقابلة فعلاً في ديوان الوزارة وبعد الجلوس معه رحب بهم واستفسر منهم عن غايتهم من هذه الزيارة .
المرحوم الشيخ حسين خدر آغا السورجي وشقيقه عمر
يذكر المرحوم ( حسين خدر آغا السورجي) بأنه خاطب الوزير قائلاً: (( سيادة الوزير أنت من محافظة السليمانية وقد عملت فترة كمتصرف في لواء أربيل وتعلم بأن الكثير من العوائل مصدر رزقها هو العمل في انتاج الفحم وبيعه وإن صدور هذا القانون قد أدى إلى قطع أرزاقهم , بالإضافة الى كون القانون المذكور ينص على تطبيقه فور صدوره دون ترك فاصلة زمنية بين الصدور والتطبيق ليتسنى لنا نحن منتجي هذه المادة التصرف بالكميات المنتجة والمخزونة وغير المباعة , لذا جئناك نلتمس منك إيجاد حل لهذه المشكلة))
نظر الوزير في وجوهنا... ثم وجه كلامه لي قائلاً: (( ابن خدر آغا السورجي , إن مسألة إلغاء هذا القانون أرجو أن تستبعدوه من أذهانكم وأوضح لكم بأنه لا مجال للتراجع عن تنفيذه على الإطلاق والذي كان من المفترض تشريعه قبل فترة طويلة وكنت من المنادين والداعمين لتشريع مثل هكذا قانون , أما بخصوص كون القانون ملزم التطبيق فور صدوره وعدم فسحة المجال من خلال تحديد فترة زمنية بين صدوره وتنفيذه ليتسنى للمواطنين التصرف بما لديهم من مادة الفحم وعلى الرغم من قناعتي بأن الفترة التي تطلبونها لتنفيذ القانون هي لإزالة ما تبقى من الأشجار في كردستان ... مع هذا فإنني سوف أخرق القانون وأمنحكم عشرة أيام لتصريف ما لديكم من هذه المادة حسب إدعائكم , وبعد انتهاء هذه المدة يعرض المخالف نفسه لأشد العقوبات والإجراءات بموجب القانون))
طلب أحد أعضاء الوفد منه زيادة المدة الممنوحة لهم من قبله لعدم كفايتها حسب إدعائه إلا أنه رفض ذلك وبشكل قاطع وموضحاً بأنه قد أعطى هذه المدة وهو على علم ودراية بأنها لا تكفي للاستمرار في قطع الأشجار وصنع الفحم خلالها.
وتحدث صديق آخر من الحاضرين قائلاً : (( عندما أصبح متصرفاً للواء الكوت في العهد الملكي قام الموظفون الرسميون في دائرة المرور بمنح سيارته رقم ( 1 كوت) وبعد أن تم نقله متصرفاً للموصل لحقه أحد الشيوخ الإقطاعيين المتنفذين قبل انفكاكه متوسلاً إليه الموافقة على التنازل عن رقم سيارته فوافق على الفور , ثم قال مستدركاً – كنت أظن أن الشيخ اعقل مما ظهر عليه ))
وتطرق زميل آخر من الحضور في هذه الجلسة بسماع المرحوم بأن زوجته ( السيدة زكية ) كانت تحاول الالتقاء بـ ( عبد الكريم قاسم) لتترحم منه في العفو عنه واستبدال حكم الإعدام بالسجن , ما إن سمع بمحاولتها حتى استدعاها وحذرها من أن تذل نفسها وتذل زوجها بالتوسل والخنوع للحكومة حيث أنه لم يتركها تخرج من سجنه حتى جعلها تقسم بالله العظيم ألا تفعل ذلك ولا تذهب أو تتوسل للدفاع عنه إلا أنها وبعد فترة ونتيجة اتصال بعض الشيوعيين بها , وطلبهم منها أن تكتب رسالة لكي يبدي شيئاً من التنازل ويقدم اعتذاراً للمحكمة وفعلاً حررت زوجته رسالة اليه طلبت منه تقديم اعتذار الى هيئة المحكمة فأجابها على ظهر رسالتها بعبارة ( استعدي لكي تكوني أرملة).
وأضاف أحد الحضور هذه الحكاية عن المذكور قائلاً : لقد تميزت فترات تسلم المرحوم ( سعيد قزار) للمناصب الادارية سواء أكان متصرفاً ( محافظ) أو وزيراً للداخلية بفرض سيطرة وهيبة الدولة فقد حاول وضع حد لأعمال عدد من كبار الإقطاعيين الذين تمادوا في استغلالهم ووقف بوجههم بكل شجاعة ودون تردد وحادثة اعتقاله للشيخ والنائب في العهد الملكي ( ديوالي آغا الدوسكي ) مثال حي على ذلك والذي كان متهماً بقضية جنائية وصدر أمر القبض بحقه إلا أن خشية رجال الشرطة منه ومن اتباعه حال دون تنفيذ الأمر مما حدى بالمرحوم ( سعيد قزاز) للقيام شخصياً بتنفيذ الأمر بعد استحصال الموافقة الأصولية وإسقاط الحصانة البرلمانية عنه , حيث خرج إليه مع عدد قليل من أفراد الشرطة من الموصل إلى قضاء دهوك التابع له , وألقى القبض عليه في عرينه وسار به في سوق دهوك وأمام انظار الناس والقصد من ذلك جعله عبرة لكل من يعصي القانون ويتمرد على الدولة وما أكثرهم في الزمن الحالي الذي نعيش فيه.
الشيخ ديوالي آغا الدوسكي يدلي بشهادته أمام محكمة المهداوي
لقد كانت جلسة جميلة ومشوقة في مجلس هذا الشيخ الجليل لساعة متأخرة للحديث في مختلف شؤون الحياة والتركيز على مآثر رجل ترك الحياة ولكنه بقي حياً في ضمير الناس ومجالسهم , يستذكرونه بالخير والدعاء له بالرحمة والغفران واستكمالاً للحديث نورد المزيد من الحكايات عنه حيث يذكر بأنه أصيب سكان مدينة بغداد في ربيع عام 1954 بالهلع والخوف وساد الهرج والمرج بينهم على ضوء انتشار أخبار وإشاعات تنذر بغرق مدينة بغداد وخاصة جانب الرصافة منه وكانت الحكومة العراقية في حالة انذار وانعقاد مستمر لغرض تلافي مخاطر الفيضان وكان الرأي الراجح لديها بعد أن بلغ الخطر ذروته , حيث كان جانب الرصافة في خطر أكيد , هو إخلاء هذا الجانب ونقل سكانه إلى جانب الكرخ وكان المرحوم( سعيد قزاز ) بالضد من هذا الرأي مبرراً ذلك:-
-توقعه من حصول اندفاع شديد وحصول كارثة بسبب شدة الازدحام.
-عدم استيعاب الجسور بين الرصافة والكرخ هذا الازدحام حيث لم يكن عدد الجسور في بغداد يتجاوز الجسرين أو الثلاثة.
-إخلاء المدينة سيسبب قيام عمليات نهب وسرقة لا يمكن السيطرة عليها.
فيضان بغداد عام 1954
طلب ترك معالجة الحالة على عاتقه وهو يردد : (( لا أنام هذه الليلة حتى ينام دجلة )) ومن ثم أسرع إلى دار الإذاعة ووجه كلمة مباشرة إلى المواطنين طالباً منهم الهدوء والصمود وعدم إخلاء مساكنهم والعمل الجاد لتقوية السدود وكانت المعجزة في اليوم التالي, حيث توقف اندفاع المياه وبدأت تنحسر بعد أن فتحت ثغرات في الأنهار الفرعية وبذلك تم انقاذ مدينة بغداد من الغرق بفضله وثقته بنفسه وبصواب موقفه.
يتحدث المرحوم الصحفي (جرجيس فتح الله) في كتابه ( رجال ووقائع في الميزان) من أنه يوم استجار به خريج ثانوية كانت الشرطة قد رفضت تزويده بوثيقة حسن السلوك وهو يروم التقدم إلى وظيفة في مديرية السكك الحديدية وقلت في نفسي فلأجرب ( القزاز) لأرى مقدار ما يفعله وجئت بالشخص إليه , وشرحت أمره فأمر بإدخاله عليه , فدخل خائفاً وجلاً وأدرك ( القزاز ) ما به فسأله بلطف عن اسمه فأجاب ( سنحاريب) فراح يمازحه قائلا له: اتعرف من هو (سنحاريب )؟ إنه ملك أشوري عظيم القدر . هل أنت أشوري ؟ عليك أن تفتخر بنسبك هيا فإحك لنا قصتك مع هؤلاء الشرطة الأشرار فروى له قصته والكلام لازال للمرحوم ( جرجيس فتح الله) أجزم أنها لا تحتوي على شيء من الحقيقة لفقها بإعتبارها من أسباب حبس الشهادة عنه وقد علق الوزير على كلامه : (( إن كان هذا التلميذ فعلاً عنصر هدم وتخريب فهو كذلك موظفاً كان أم عاطلاً , وقد تكون الوظيفة سبباً في صلاحه , ثم أليس أسهل للدولة مراقبة سلوكه وهو موظف تحت ضبطها من تعقب حركاته وهو حر)) , ثم تناول الهاتف وخاطب مدير الشرطة بشأنه وأشار عليه بمراجعته , إلا أن (سنحاريب) جاء مساء اليوم نفسه ليخبرني بفشل المسعى وقال بأن مديرية الأمن في بغداد لم توافق.
يقول المرحوم (جرجيس فتح الله ) مسترسلاً , عدت به إلى ( القزاز ) في اليوم التالي فقال له: (( سأكون نهار السبت القادم في بغداد وسأحل في فندق سميراميس فالحق بي وتعال في الساعة العاشرة صباحاً لأخذك معي إلى مديرية الأمن وسأحصل لك على الشهادة))
صورة المرحوم جرجيس فتح الله
وفعلها ( القزاز) وعاد ( ذو الآراء الهدامة ) من بغداد وبيده شهادة لحسن السلوك فتحت له باب الوظيفة والأهم في هذا الموضوع هو نقل صلاحية الاستئذان من بغداد إلى توصية المتصرف .
من الخطايا التي تحملها ( عبد الكريم قاسم) هو مصادقته على قرار الحكم بإعدام المرحوم ( سعيد قزاز) وزير الداخلية بتهم باطله غير قانونية ولا تصلح للإدانة لمجرد رغبة الشيوعيين وإرضاء لخاطرهم وكان هو الوزير الوحيد في العهد الملكي الذي تم تنفيذ حكم الإعدام فيه بعد أن تلقى بلاغاً من إدارة السجن يتضمن تحديد موعد التنفيذ فقام يودع السجناء وهو منتصب القامة بشوشاً يصافحهم متحلياً بالصبر والإيمان.
عبد الكريم قاسم
في الساعة الرابعة من فجر يوم الأحد المصادف 20 أيلول 1959 تم تنفيذ حكم الإعدام شنقاً حتى الموت بالمرحوم ( سعيد قزاز ) في سجن بغداد المركزي وهنا أيضاً كان للشيوعيين دور سيئ وخبيث يخالف أبسط القيم الإنسانية من خلال مشاركتهم الفعالة في عملية التنفيذ حيث قاموا بإرخاء حبل المشنقة عندما صعد إليها ( القزاز) لكي لا تتم عملية الإعدام بسرعة وسهولة والإمعان في تعذيبه , وفعلاً عندما سحبت الخشبة من تحت قدميه سقط على ظهره بشدة على الأرض وهو معصوب العينين ومقيد اليدين والساقين وهذا المنظر المؤلم لهذا الرجل وبهذا العمر والمكانة بدلاً من أن يثير في نفوس المنفذين الأشرار نوازع الرحمة والاحترام جعلتهم يتضاحكون ويتشفون به , ويحملوه وهو مغمي عليه إلى حبل المشنقة مرة ثانية وتم شنقه من جديد ودفن بصمت في مقبرة باب المعظم في بغداد , وإنني لا أجانب الصواب عندما اجزم برغبة عائلة المرحوم ( القزاز) في نقل جثمانه الى مدينته السليمانية ودفنه فيها لولا خوفهم من الفوضويين المعادين له من أهل المدينة , وها نحن على نهاية حكايات هذا الرجل الذي عاش نزيها متعففاً شجاعاً إلى أبعد الحدود فأعماله وكلماته جعلته يرتقي المكانة العالية في حياته ويحتفظ بهذه المكانة حتى بعد وفاته وقول الشاعر أبي الحسن الأنباري فيه لم يأتي اعتباطا حين يقول:
علو في الحياة وفي الممات لحق أنت احدى المعجزات
وكيف لا وهو يسمعه يخاطب جلاديه قائلاً : ((لا أطلب الرحمة ولا الغفران من أي بشر كان بل اترك أمري الى الله واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين)) , وحيث أننا لا زلنا في اطار الحديث عن المرحوم ( سعيد قزاز ) فضلنا أن نعرج على حدثين تزامنا وذات صلة بهذا المقال والانقلاب الذي انعش جذور الطائفية والعرقية في العراق ونقصد به انقلاب 14 تموز 1958 والأنظمة التي جاءت بعد الحقبة الملكية والتي لعبت على الوتر العرقي والطائفي بعد أن تلاشت الفروقات الدينية والقومية في العهد الملكي حيث حاول ملوك العراق تجنب الخوض في هذه المسألة باعتبارهم ملوك لكل العراقيين ويؤكد مصداقية ما نذهب إليه هو استيزار المرحوم ( سعيد قزاز ) في حقيبة وزارة الداخلية المهمة والسيادية وطوال الفترة الطويلة لاستيزاره وهو الرجل المعتز بعراقيته والمفتخر بكرديته.
سعيد قزاز أخر وزير داخلية في العهد الملكي
الحدثين أو القرارين الذين يستشف منهما هذا التوجه الطائفي والعرقي فالقرار الأول المعني بتسمية رئيس وأعضاء مجلس السيادة والذي هو بمثابة مجلس يقوم مقام رئيس الجمهورية رمزياً وبدون صلاحيات , هذا التوجه واضح فيه من خلال امعان النظر في الأسماء وانتماءاتهم الطائفية والعرقية:-
1-نجيب الربيعي – رئيس مجلس السيادة / سني
2-محمد مهدي كبه – عضو مجلس السيادة / شيعي
3-خالد النقشبندي – عضو مجلس السيادة / كردي
رئيس وأعضاء مجلس السيادة
ونفس التشخيص بهذا الاتجاه عند النظر في أسماء الأشخاص الذين تم تنفيذ حكم الإعدام فيهم:-
1-سعيد قزاز / وزير الداخلية / كردي
2-بهجت العطية / مدير الأمن العام / شيعي
3-عبد الجبار فهمي / متصرف لواء بغداد / سني
بهجت العطية مدير الأمن العام أمام محكمة المهداوي
الدولة العراقية أصبحت مقبلة على اتمام قرن من الزمان على تشكيلها الذي لم يتشكل بسبب اخفاق سياسيو العراق في تكوين شعب متجانس بهوية وطنية جامعة , فبعد كل هذه السنين ومنذ نشأة الدولة العراقية الحديثة في عام 1921 وتنصيب ( فيصل الأول ) ملكاً على عرش العراق والذي كان يبدو عليه التشاؤم من مستقبل العراق كدولة من خلال النظر إلى مكوناته البشرية غير المتجانسة , فهو يذكر مقولة منسوبة إليه : (( أنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد , بل توجد تكتلات بشرية خياليه خالية من أي فكرة وطنية , متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية , لا تجمع بينهم جامعة , سماعون للسوء ميالون للفوضى , مستعدون دائماً للانتفاض على أي حكومة كانت )).
صورة مرسومة للملك فيصل الأول
الانقسامات الحادة في الشعب العراقي والتي استمرت بين مكوناته سراً وعلناً مداً وجزراً وخاتمة المطاف هو انتقال العراقيين من حالة ديكتاتورية مخيفة الى حالة فوضى مرعبة وبعد أن كان الحديث عن تقسيم العراق يعد أمراً محرماً ويشكل خيانة وطنية أصبحنا نسمع عن الخطط والمشاريع والمطالبات في سبيل تحقيق ذلك مبررين ذلك بكون التعايش بين مكوناته أصبح أمراً ميئوساً منه , فبعد هذه السنين عاد العراق إلى نقطة الصفر لا بل تحت نقطة الصفر , لقد انتهى كل شيء جميل , الأرض والهواء والماء , الثقافة والفنون , كما افسد الإنسان بالفقر الذي دفعه إلى الرشوة والسرقة والسطو, كما انتزعت من قلبه الرحمة فاندفع الى القتل والاغتيال والاعتداء على حقوق الغير , وبذلك أصبح العراق أكثر بلدان العالم فساداً إدارياً ومالياً وقتلاً وإرهاباً.
4752 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع