د. علي محمد فخرو
لو القى الانسان نظرة متفحصة على الصفات الأساسية التي تتحلى بها انظمة الحكم في بلاد العرب لوجد انه لا يوجد نظام حكم الا ويتصف ببعض او كل الصفات التالية. وسأترك للقارئ تحديد صفات الحكم الذي يحكم مجتمعه.
أولا: هناك البعض الذي لا يخضع للمعايير المتحضرة المتعارف عليها في المجتمعات المتقدمة وذلك بالنسبة للعلاقات المطلوبة بين الحاكم والمحكومين. فهذه العلاقات لا تحتكم الى دساتير وقوانين عادلة مطبقة بتساو بين الجهتين، فتكون النتيجة كسراً وخروجاً دائمين على القانون لصالح الأقوياء.
ثانيا: هناك البعض الذي يمارس رذيلة الخداع من خلال ممارسة الكذب بواسطة وسائل اعلامية فاجرة، او انتحال اسماء وأوصاف لا تنطبق على نظامه، او تضليل شعوبه الى ما يصب في النهاية في صالح امتيازات الحاكمين.
ثالثا: هناك البعض الذي يتصرف بنزق ودون حساب للعواقب. ولقد رأينا قادة يدخلون شعوبهم في حروب مدمرة دون دراسة او تفكير. مثل هؤلاء لا يؤمنون بالتخطيط المسبق الذي يوازن بين الخطوات والقرارات من اجل اتباع الأسلم والأفضل.
رابعا: هناك البعض الذي يتصف بالعدوانية تجاه مجتمعاته من خلال انظمة عصبية تجاه كل ما تعتقد انه ضار بها وبامتيازاتها وبالتالي فانها تستعمل كل اساليب العنف المادي والمعنوي للابقاء على تلك الامتيازات.
خامسا: هناك البعض الأهوج الذي لا تهمه عواقب تصرفاته وحماقاته. مثل هذه الحماقات قادت احيانا الى كوارث اقتصادية واجتماعية للأغنياء والفقراء على السواء، وأدت الى انقلابات ايديولوجية من اقصى اليمين الى اقصى اليسار او العكس.
سادسا: هناك البعض الذي لا يوثق بقدرته على تحمل المسؤولية. انها انظمة كسولة متثائبة غير كفؤة تنقل مجتمعاتها من محنة الى محنة اخرى دون ان تقبل المساءلة والمحاسبة او دفع الثمن او حتى الاعتذار.
سابعا: اخيرا هناك البعض الذي لا يتحرك فيه ضمير انساني، وبالتالي لا يندم على ارتكابه الأخطاء. او المساهمة في ايذاء شعبه، بل حتى التسبب في موت الألوف من ابناء وبنات مجتمعاته التي يحكم. مثل هؤلاء ينامون قريري العين بينما شعوبهم تعيش في جحيم الفقر والمرض والجهل، بل ويستطيعون بانتهازية اخلاقية اختلاق التبريرات الواهية الكاذبة لكل ما يتسببون في حدوثه. فالبطالة والفقر مثلا سببهما الكسل والدلع وليس النهب والظلم.
نحن امام سبع صفات وسلوكيات لو اتصف بها او ببعضها فرد او مارسها لشخصه اطباء وعلماء النفس بأنه مصاب بالمرض العقلي الشهير المسمى سايكويثي (psychopath) وهو عبارة عن لوثة عقلية تجعل المصاب بها اقرب الى الجنون الذي يمنع صاحبه من السلوك سلوكا طبيعيا والتفكير بمنطق وموضوعية.
هذا المرض لا يعالج بالقاء المواعظ والنصائح على الفرد المصاب. انه يحتاج لعلاج نفسي لكل الاختلالات النفسية ويحتاج في الوقت نفسه لخطوات عقابية للصفات الاجتماعية العدائية التي تضر بالآخرين.
واذا عرفنا بأن بعض الدراسات البحثية قد اظهرت انتشار هذا الانحراف العقلي - الاجتماعي بين السياسيين ورجال الأعمال ادركنا اهميتها اذ اظهرت ممارسة الصفات والسلوكيات السايكوباثية من قبل الشركات العولمية الكبيرة في حقل المال والاقتصاد، ومن قبل الأنظمة السياسية القمعية غير الديموقراطية في عالم السياسة.
الاشكالية في الموضوع برمته هو انه عندما يصاب فرد بهذا التشوه العقلي - الاجتماعي فان عواقبه تظل محصورة في محيط الفرد الضيق والمحدود.
لكن عندما تمارس الشركات الكبرى او انظمة الحكم بعض او كل تلك الصفات والسلوكيات فان اضرارها قد تصيب الألوف او الملايين. ولنا في تاريخنا وتاريخ البشرية آلاف الأمثلة من مثل نيرون والحجاج وهتلر وستالين وفرنكو وبعض قيادات الانقلابات العسكرية، من الذين تميزت تركيبتهم النفسية - الاجتماعية بالنرجسية والخداع والتصرفات غير المسؤولة وموت الضمير والقدرة اللامتناهية على تبرير تصرفاتهم من خلال وضع اللوم على الآخرين. انهم اناس لم يستطيعوا كبح جماح رغباتهم المتوحشة ولا الاحساس بالذنب تجاه آلام وعذابات ضحاياهم.
وفي الاقتصاد يكفي ان نتذكر ما فعلته الكثير من الشركات من تلويث وتدمير للبيئة الطبيعية ومن ادخال العالم في ازمات مالية واقتصادية زادت في غنى الأغنياء وفي فقر الفقراء.
مثلما تضج عائلات ومجتمعات مرضى السايكوباثي من كثرة اذاهم وتتطلع الى يوم علاجهم وشفائهم تطلعت مجتمعات الوطن العربي، بأشكال مختلفة، من خلال ثورات وحراكات الربيع العربي التي ما زالت تفور ولا تهدأ، تطلعت الى انهاء مظاهر ذلك المرض في مجتمعاتها.
هل من علاج؟ نعم، في حالتنا العربية يكمن العلاج في الانتقال الى مجتمعات ديموقراطية عادلة. بغير ذلك سنظل ندور في نرجسيات الملك العضوص والقائد الفذ والحزب الطليعي والزعيم الأب، وهي مسميات تخفي من ورائها كل صفات مرض السايكوبثي.
626 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع