قبل نحو (4) أعوام، أجرى معهد بحثي تركي مقابلة معي للوقوف على أرائي في قضايا عراقية منها العلاقات بين حكومتي بغداد و اربيل، واسترعى اهتمامه، قول لي مفاده،ان الحكومات القوية تنزل عند مطاليب الأمم بخلاف الحكومات الضعيفة وأوردت امثلة منها،
ان النظام العراقي الحالي في الشهور الأولى لسقوط النظام العراقي السابق،وفي ظل حكم السفير (برايمر) كان اكثر انفتاحا على القوميات والديانات والأحزاب العراقية،مما هو عليه الأن،فلقد اسندت رئاسة الجمهورية مرة الى العربي السني غازي الياور، واخرى الى الكردي جلال طالباني وما يزال اما رئيس الحكومة فلقد كان د.اياد علاوي رئيس ائتلاف العراقية المعبر عن المكون السني لاحقا، ودخل حزبا الدعوة والمجلس الاسلامي الاعلى الشيعيان في تحالف رباعي مع الحزبين الكرديين الديمقراطي والوطني الكردستانيين وكان لسلطة برايمر تأثير في ذلك .ولتبديد شكوك المعهد ذاك،ذكرته بنظام الزعيم عبدالكريم قاسم الذي مال الى الكرد والحزب الشيوعي العراقي الذي كان وقتذاك من اقوى الاحزاب العراقية وكذلك الى الحزب الوطني الديمقراطي .كل هذا وسط التفاف جماهيري لافت حوله افشل كل المحاولات للنيل منه، لكنه ما أن خطا باتجاه الدكتاتورية والتراجع عن مبادئه التي كانت من اسباب قوته،سيما بعد حوادث كركوك في 14-7-1959 و إذا به يصادر الحقوق التي اقرها للعراقيين ، وانزلق بالتدريج الى دكتاتورية سافرة زادته عزلة وهزالا بمرور الأيام، إلى أن إنهار في 8-2-1963 على يد حزب البعث. ثم تحولت الى مثال ثان، وهو نظام حزب البعث 1968- 2003 ففي السنوات الأولى الحكمه كان قويا مرهوب الجانب بفضل اصداره لقانون الحكم الذاتي 1970 فد خوله في جبهة مع الحزب الشيوعي فتأميمه للنفط..الخ من انجازات اخرى.وفي المحافل الدولية رشح لرئاسة حركة عدم الأنحياز، إلا انه سار بعد ذلك على خطا نظامي قاسم و انقلابيي شباط 1963 فحكومتي الاخوين عارف، وبلغ به الضعف حدا انه لم يجد من يدافع عنه يوم اسقاطه من قبل التحالف الدولي يوم 9-4-2003.
ما ذكرته، ينسحب على النظام القائم الان في العراق فمن يوم قيامه باستفزاز العرب السنة أولا ثم الكرد، نلقاه يمضي سراعا صوب الضعف والعزلة. بداية لا يتحمل المكون الشيعي وزر ما تقوم به حكومته التي وصلت الى درجة كبيرة من الضعف ، بل ان اطرافا شيعية ايضا شرعت بتوجيه النقد إليها . وعن عجزها البين، نستشهد بقول لمسرور البارزاني، ما معناه ان الحكومة العراقية بدل التوجه بجيوشها الى كردستان عليها حماية المنطقة الخضراء داخل بغداد وبعد ايام على قوله ، قرأت من على شاشة فضائية عراقية، كيف ان شارع محمد القاسم ببغداد،سمي بشارع الكواتم نظرا لاغتيال مئات العراقيين فيه باسلحة كاتمة للصوت، من دون ان تتمكن الحكومة العراقية من بسط الامن فيه والذي يطلقون عليه تسمية اخرى (شارع الاغتيالات) ووصل الأمر بأحد وجهاء بغداد الى القول: (لاخير في حكومة تعجز عن تحقيق الاستقرار حتى في شارع واحد)!
إن إجراء مقارنة بين الحكومة العراقية الحالية وبين الحكومات العراقية التي سبقتها،يرينا كيف ان هذه الحكومة تعد من أشد الحكومات العراقية ضعفا وهزالا، فالحكومات العراقية السابقة التي كان بعض منها في أوج ضعفها،لم تكن تعاني من الاضطرابات الداخلية ولا من عمليات تفجير واختطاف وقتل يومي أو فساد مالي واداري او..أو..الخ من المساوئ،ومع ذلك فان الحكومات تلك لم تقدرعلى الثبات بوجه خصومها،وانهارت واحدة تلو الأخرى ، عليه هل يعقل توقع النصر في المعارك لحكومة ينوء كاهلها بثقل كم من الأزمات والفضائح والاعتراضات؟
وتدل الوقائع على الأرض او توحي من ان الحكومة العراقيه الحالية تستعد للحرب على الكرد وتصفية العنصر السني وكذلك المكونات غير الشيعية او غير المسلمة، وهذه الحرب ستندلع لا محالة اذا سارت الأوضاع بالشكل الذي نراه الأن. ومثلما نرى الحكومة الايرانية تدق طبول الحرب منذ زمن، كذلك نرى الحكومة العراقية في الأتجاه عينه،في سعيها المحموم لعسكرة المجتمع وشرائها للا سلحة بمليارات الدولارات،فتحريك الجيش في المناطق المتنازع عليها وتأسيس تشكيلات قتالية جديدة (عمليات دجلة) وعدم اعتبار البيشمركه قوة ضمن منظومة الدفاع العراقية،علما انها سبق وان توسلت قبل اعوام بحكومة كردستان لكي ترسل (البيشمركه)الى بغداد للحفاظ على الأمن فيها، دع جانبا شكاوى العرب السنة من حملات تطويق مدنهم واعتقال مشطائهم من جانب الحكومة العراقية.
مما تقدم نخلص الى القول،ان الحكومات القوية في العصراالحديث القوية في مختلف المجالات العسكرية والاقتصادية والمالية والعلمية والتكنولوجية هي الاكثر تفهما لمطاليب الأمم،فالحكومات البريطانية والفرنسية والهولندية والبلجيكية الاستعمارية،اقرت بحقوق شعوب مستعمراتها التي غادرتها فيما بعد،وفي مطلع التسعينات من القرن الماضي اقر الاتحاد السوفيتي السابق باستقلال نحو (15) جمهورية عنه،علما ان هذه الحكومات لم تكن ضعيفة في اي وقت من الاوقات،بل ان بعضها كانت عظمى وما زالت عظمى. بالمقابل نجد حكومات عربية واسلامية على ضعفها وفقرها تأبى الاعتراف بحقوق الشعوب التي تهيمن عليها هتى اذا طالت المعارك ضدها عقودا من السنين واستنزفت موراد البلاد واهكلت العباد. ان هذه الدول تقيس قوتها بمقدار عدد جنودها وفرقها العسكرية ونوعية اسلحتها التي لم تحمي اية دكتاتورية من السقوط، في حين نجد حكومات ذات قدرات عسكرية وتسليحية شبه محدودة او رمزية كألمانيا و اليابان ،وفوق هذا تعد بمثابة دول قوية لها مكانتها في المجتمع الدولي. بفضل قوتها الاقتصادية والمالية والعلمية والتكنولوجية ومن الأمور التي تؤخذ على الحكومة العراقية الحالية وكذلك التي سبقتها رصدها الجزء الاكبر من ميزانياتها للاغراض العسكرية والحربية، ولقد خرجت من جميع معاركها سواء ضد شعبها أو جيرانها خاسرة.في الختام اجدد التكرار،ان الحكومات القوية والمتحضرة اكثر تفهما لقضايا الشعوب من الحكومات الضعيفة والمتخلفة.
389 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع