زيد الحلي
من المقبول ، ان تحفظ ذاكرة من تجاوزت اعمارهم سبعين عاما او يزيد إسم كاتب ، ودع الحياة قبل نحو 35 عاما ، لكن من المستغرب ان شبابا ، بأعمار الصبا ، يتداولون اسم هذا الكاتب بود وشوق ، وأراهم يتجولون في جمعة المتنبي باحثين عن آثاره وكتاباته ومؤلفاته والكتب التي تتحدث عنه ..
وحين سألتُ صديقي الكاتب والمفكر د. عبد الحسين شعبان عن ظاهرة تجذر اسم اشهر كاتب عمود صحفي عراقي الاستاذ شمران الياسري ( ابو گاطع ) في ضمائر وذاكرة الناس ، لم يكتف في تحليل هذه الظاهرة ، بل حدثني بموضوعية الكاتب الحر عن شمران الياسري في سرد جميل قائلا :
اشتهر الياسري منذ أواخر العام 1958 باسم ( أبو كَاطع ) نسبة إلى برنامجه الاذاعي ذائع الصيت. وكان اسم أبو كَاطع وبرنامجه الموجه إلى الفلاحين قد فاق شهرة صاحبه، ومنذ ذلك التاريخ لم يعد شمران الياسري يُعرف الاّ من خلال الكنية التي لازمته كظلّه مثلما لازمته كلمة "الصراحة".
اذاً ، ان شهرة الكاتب ، توالت وتوالدت عبرسنوات من العطاء الاعلامي والثقافي والسياسي ، وهذا العطاء كان وفيرا ومحببا للمتلقين ، قبقيت خالدة قي الذهن وتترد على الالسن جيل بعد جيل ..
وعلى صعيد شخصي ، تعرفت على شمران الياسري في عام 1975 او 1976 حين كلفني رئيس تحرير جريدة " الثورة " التي اعمل فيها ، كتابة موضوع عن ناحية ( الفهود ) قي اعماق الناصرية ، بما يشبه الرد على ما كتبه الياسري في جريدة " طريق الشعب " عن هذه الناحية الغافية بإهمال على اهوار الناصرية ، ومرتبطة بقضاء الجزائر والمؤسسة كناحية رسميا في العام 1961 ... كانت الناحية حين زيارتي تعاني من الملاريا ، وقلة المياه الصالحة للشرب ونقص في المدارس ، وهي الحالة ذاتها الذي كان اشار اليها الياسري ... وحين عدتُ من مهمتي ، لم اكتب التحقيق الصحفي الذي كلفتُ به للرد على الياسري ، بل كتبتُ تقريرا الى رئيس التحرير مؤكدا ، صدق ما كتبه الياسري ، وللأمانة التاريخية ، اذكر ان رئيس التحرير اقتنع ، وثمن صدق ما اوضحت وشكرني ، وطلب أهمال موضوع الرد الصحفي ، واكتفى بتحول ملاحظاتي الى الجهات المختصة لمعالجة الأمر ..
وفي مدة لاحقة ، رن الهاتف في قسم التحقيقات حيث كنتُ اعمل .. كان المتصل الياسري ذاته ، ويبدو ان احد ممن التقيتهم في ناحية " الفهود " اخبره بالزيارة وبإسمي .. كان صوت الرجل ، يحمل دفئاً ومودة لازلتُ اتذكرها ... فنشأت بيننا منذ ذلك الحين ، صداقة استمر ضوعها لسنين لاحقة حتى توفاه الله في حادث سير في هنكاريا في العام 1981 ..
لقد وجدتُ في الياسري العذب ،انساناً ، عقله كان اكبر من عمره ، وقلبه لا ينبض له وحده ،ولهذا فان فكره وحسه سبقا جيله ، بل سبقا عمره ، ومن اجل هذا تعرض لكثير من الهجوم ولكنه لم يهتز ، لأنه كان يؤمن بعقله وقلبه والذين هاجموه عن حقد غفر لهم والذين هاجموه عن غير فهم ،غفر لهم ..!
هذه هي الصحافة ، تحب من يهواها ويمارسها بصدق ، فتمنحه شهرة تبقى تتبعه حتى بعد مغادرة الدنيا بعقود وعقود ...
شمران الياسري(ابو گاطع ).. نموذجا لجندي في الصحافة اصبح مارشالها بأمتياز ..
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
2217 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع