"دعاية عودة البعثيين الى مؤسسات الدولة نجحت ... استطاعوا (البعثيون) ان يستدرجوا السذج والحاقدين من السياسيين وأصبح الحديث الوهم كأنه حقيقة".
هذا الكلام قاله رئيس الوزراء نوري المالكي أول من أمس رداً على أسئلة عدد من الصحفيين عبر نافذة التواصل الإعلامي الخاصة برئاسة الوزراء. وهو أمر غريب فلم نعرف ان البعثيين قد أشاعوا انهم عادوا الى مؤسسات الدولة، ولا أظن انهم بهذا المستوى من السذاجة لكي يشيعوا أمرا كهذا إذا كان صحيحاً.
من يقولون ان البعثيين قد عادوا الى مؤسسات الدولة هم خليط من ناس عاديين وآخرين من النخبة، بينهم إعلاميون. وهؤلاء يلمسون لمس اليد ان الجهاز البيروقراطي للدولة لم يزل في مجمله في أيدي الكوادر البعثية السابقة التي ربما لم يزل البعض منهم ناشطاً في خلايا حزبه السرية. ومصدر قوة هؤلاء يكمن في ان الوزراء والوكلاء والمدراء المعينين من الأحزاب الاسلامية وفقاً لنظام المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية لا تتمتع أغلبيتهم الساحقة بالكفاءة والخبرة اللازمتين لعمل الدولة.
كما ان الكثير من البعثيين، وبخاصة عتاة عناصر الأمن والمخابرات والأجهزة الخاصة الأخرى قد سارعوا – من أجل حماية انفسهم وايجاد ملاذ لهم - للانتماء الى الأحزاب والميليشيات الإسلامية النافذة في السلطة بعدما أطالوا لحاهم ووشموا جباههم ووضعوا في أصابعهم محابس الفضة وتركوا أيديهم تلعب بالسبح، وبعضهم واصل دور الجلاد الذي كان يؤديه في زمن النظام السابق.
زيادة على هذا فان رئيس الوزراء الذي هو القائد العام للقوات المسلحة قد أعاد الى الخدمة المئات من ضباط الجيش والشرطة والأمن الكبار، بينهم قتلة، وهم بالضرورة بعثيون ومشمولون بإجراءات المساءلة والعدالة.
شخصياً لا اشعر ان لدي مشكلة مع كل بعثي، وعليه لا أجد ضيراً في إعادة البعثيين الى الخدمة في المؤسسات العسكرية أو المدنية، على أن يكون ذلك منسجماً مع برنامج المصالحة الوطنية الذي لا نجد انه قد أثمر شيئاً ذا قيمة، ومع إجراءات المساءلة والعدالة على نحو حقيقي وعادل ومنصف وليس بشكل كيفي ومزاجي، على أن لا يكون بين هؤلاء من ارتكب جرائم كبيرة كجلادي الأمن والمخابرات وقادة عمليات الأنفال والمقابر الجماعية.
لقد اقتصرت إجراءات المساءلة والعدالة في الغالب على صغار البعثيين الذين لم يكونوا جميعاً ممن يشملهم تعبير "من تلطخت أيديهم بدماء العراقيين"، وكان بين هؤلاء معلمون وأساتذة جامعات وموظفون مدنيون آخرون، فيما تُرك في الخدمة أو أعيد اليها من تلطخت أيديهم فعلاً بدماء الآلاف من العراقيين.
يتوهم رئيس الوزراء في اعتبار ان البعثيين قد نجحوا في دعايتهم ، ويتوهم أيضاً في اعتبار ان الذين يتحدثون عن عودة البعثيين "سذجاً" و"سياسيين حاقدين".
اذا كان البعثيون قد نجحوا فعلاَ في شيء فإنما بسبب فشل نظامنا المحاصصي وحكومتنا التي يقودها السيد المالكي.
618 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع