مؤتمر جنيف حول اليمن بين النجاح والفشل

                                          

                        د. محمد صالح المسفر

ينعقد مؤتمر جنيف بين المكونات السياسية اليمنية بدلا من الصيغة السابقة (الحكومة الشرعية والقوى الانقلابية) عليها بقيادة الحوثي والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، وسوف يحضر الأمين العام للمنظمة الدولية ذلك الاجتماع ليحض الأطراف المتصارعة على أرض اليمن على وقف إطلاق النار وإعلان هدنة رمضانية، ليستعيد الشعب اليمني أنفاسه ويداوي جراحه ويعود الذين أجفلتهم الحرب إلى ديارهم، ومن ثم يتسنى للمجتمع الدولي إيجاد حل دائم وشامل لتلك المسألة.

لكن حدثت تطورات عشية انعقاد المؤتمر قد تؤدي إلى فشل انعقاده، من أهم تلك الخلافات عدم التوافق بين حزب المؤتمر الشعبي العام (عبد الله صالح) وحزب أنصار الله (الحوثي) في صفة التمثيل في المؤتمر، الأمر الذي لم يمكِّن الطرفين من الحضور إلى جنيف حتى كتابة هذه السطور.
أمر آخر جدَّ على المؤتمر وهو قبول الحراك الجنوبي كطرف ثالث إذا اعتمدنا مبدأ الطرفين (الشرعية والحوثي)، يمكن القول إن مؤتمر جنيف بشأن اليمن يحمل كل أسباب الفشل.
(2)
أعلنت السلطة الشرعية أسماء فريقها المشارك في المشاورات الجارية في جنيف، ووصل الوفد برئاسة وزير الخارجية الدكتور رياض ياسين إلى مقر الاجتماع قبل أن يعلن الطرف الآخر أسماء فريقه التشاوري، الأمر الذي أثار شكوكا كبيرة في نوايا الحوثي وأنصاره. وفد السلطة الشرعية، كما تقول أصدق المصادر، مهمته محددة، هي الإصرار على تنفيذ قراري الشرعية الدولية، خاصة قرار مجلس الأمن رقم 2216 ومخرجات الحوار الوطني اليمني، والمبادرة الخليجية، ومقررات مؤتمر الرياض، ولن يدخل الوفد في أي جدل خارج عن تلك القرارات.
الحوثيون يطالبون بالاعتراف بهم "كسلطة أمر واقع"، يملكون زمام القوة والإكراه، إلا أن الحكومة الشرعية في تقدير الكاتب لن تقبل بأي تعديل في تشكيلة الوفود، وقد أعلن التنظيم الوحدوي الناصري رفضه لمقترحات الحوثيين الداعية إلى إعادة تشكيل وفد التفاوض ليشمل جميع المكونات السياسية في اليمن.
وقد يواجه وفد الشرعية ضغوطا قوية من أطراف دولية للقبول بمقترحات الانقلابيين على الشرعية بتوسعة المشاركة، وفي حالة القبول فإنهم سيفقدون مكانتهم أمام الشعب اليمني الذي وقف مع الشرعية.
تقول المعلومات الواردة من مصادر يمنية وثيقة الاطلاع إنه لا خلاف بين الحوثيين والحراك الجنوبي، إذ إن مطالب الأخير ترتكز على الانفصال ولا مانع عند الحوثي من ذلك، ليستبد بالشطر الشمالي، في الوقت الذي يرفض المؤتمر الشعبي العام فكرة الانفصال، وكذلك القيادة الشرعية.
(3)
لقد ظهرت المحاولات بكل جلاء للالتفاف على المؤتمر وتحويله إلى مشاركة كيانات سياسية، على أن تكون السلطة كيانا من الكيانات وهذا أخطر ما في الأمر، أن يتساوى خاطفو السلطة مع أصحابها الشرعيين.
من هنا تبدأ مهارات وفد السلطة الشرعية في جنيف، كيف يستطيعون العودة بالمؤتمر إلى جادته الصحيحة، كما كان معدا له، أي طرفين وليس أطرافا متعددة.
لكن عندما يتفحص المراقب للشأن اليمني أسماء وفد السلطة الشرعية يجد أنه ليس من الوجوه اليمنية المعروفة، يمنيا وعربيا ودوليا، ولو أن الوفد مشكل برئاسة وزير الخارجية (مع كل التقدير والاحترام لأشخاصهم)، تقول بعض المصادر إنه لا يوجد في الفريق المعني متخصص في القانون الدولي ولا متخصص في علم السياسة ومكرها، وليس من بين أعضاء الوفد من هو متمرس في فن التفاوض ومهارة استخدام اللغة الإنجليزية، وهي لغة التفاوض، رغم وجود ترجمة إلى اللغة العربية، الأمر الذي قد يسهل الالتفاف على الوفد بمعسول القول وحبك الصياغات التي تؤدي إلى تعدد المعاني ومن ثم نقع في المحظور كما وقع الفلسطينيون في المحظور في دهاليز أوسلو عام 1993 وما برحوا يعانون من تلك المسألة إلى يومنا هذا.
صحيح أن وفد السلطة الشرعية ليس مخولا بالتفاوض مع أحد، أيًّا كان مركزه في جنيف، وأن مهمته محددة بالمطالبة بتنفيذ قرارات مجلس الأمن أولا، ومن بعد ذلك لكل حادث حديث، لكن في دهاليز المنظمات الدولية ليس الأمر بتلك السهولة ولابد من الأخذ والعطاء من أجل تنفيذ تلك القرارات، ومن هنا يتطلب الأمر وفدا رفيع المستوى ذا قدرات ومهارات فائقة.
أما وقد تشكل الوفد ووصل إلى جنيف، فلم يعد بمقدور أحد أن يجري عليه أي تعديل إلا بردفه بمجموعة من الخبراء ليتمكن من تحقيق الهدف المنشود والإصرار على عدم إجراء أي تعديل على تشكيل الوفود المشاركة حتى ولو أدى إلى انسحاب وفد السلطة الشرعية من المشاورات وإفشال المؤتمر.
(4)
لا أقلل من أهمية ما سيجري في جنيف، ولكن الأهم عندي وحدة الجبهة الداخلية وتماسك أركانها ووحدة كلمتها، تلك العوامل سوف تؤثر فيما يجري في جنيف.
أمامي عدد من الأمور: الأمر الأول أن الرئيس عبد ربه منصور هادي ما زال يتصرف كما لو أنه في صنعاء وأن الحال فيها كما كان قبل الخامس والعشرين من سبتمبر الماضي.
إنه أحادي التفكير، متخوف وجل، يشك في كل من حوله، لا يقبل التعامل مع الأقوياء من القيادات اليمنية، يعمل كما كان علي عبد الله صالح يعمل، بمعنى يحرض بعضا على بعض، وهذه أعمال ليست من صفات القادة العظماء، إنها صفة القادة الذين جاءت بهم الأقدار لقيادة أمة والنهوض بها وتوحيد صفوفها.
(4)
تنظيم القاعدة في اليمن ثبت بالصوت والصورة (تقرير الجزيرة) أنه من صنع علي عبد الله صالح، وأخشى أن يسلك الرئيس عبد ربه منصور هادي سلوك سابقه المخلوع فيوشي ببعض القيادات الفاعلة على أنهم إسلاميون سلفيون، الأمر الذي يستعدي عليهم دول الجوار والمجتمع الدولي، إنه يستخدم ذلك الأسلوب كأداة لإبعاد بعض القيادات اليمنية عن الساحة والخاسر هو اليمن. الأمر الثاني: لا شك أن الحرب الدائرة اليوم معظمها على أرض الجنوب اليمني ولحقت بالناس والممتلكات أضرار بالغة الشدة من هول تلك الحرب، الأمر الذي يدفع بالعامة والخاصة في الشطر الجنوبي إلى الدعوة للانفصال عن الشمال والعودة بالأوضاع إلى ما كانت عليه فبل عام 1991.
من هنا أقول إن مهمة الرئيس عبد ربه منصور هادي توسيع دائرة المقاومة الشعبية المسلحة في الشمال ضد الحوثي والمخلوع وقواتهما المسلحة لتشتيت قوة الخصم وإقناع أهل الجنوب بأن الشمال يتعرض لحرب لا تقل شراسة.
آخر القول: لتتحد كل القوى اليمنية من أجل إعادة الحق إلى نصابه، بعودة الشرعية إلى ممارسة مهامها في العاصمة صنعاء وتأجيل الحديث عن الانفصال إلى ما بعد تحرير البلاد واستعادتها من خاطفيها، الحوثي والمخلوع، وعندئذ يقول الشعب كلمته في الوحدة أو الانفصال.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1132 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع