بقلم: سالم ايليا
لم يمضي أكثر من ثلاثة أسابيع على مقالتي المعنونة ( أيها العراقيون تظاهروا أفضل من ان تهاجروا) والتي عرضتها مشكورة قناة التيار الشعبي "البغدادية" في اليوم الأول من تشرين الثاني الجاري ضمن فقرة "كتبوا في الصحافة" التي تذاع بعد نشرات الأخبار الرئيسية مباشرةً، وحيثُ ذكرتُ في مقالتي ما نصّهُ : " من ناحية أخرى يجب متابعة إسترداد الأموال المسروقة وعدم شمول هؤلاء المجرمين بأي قانون عفو يصدر لاحقاً لتفويت الفرصة على من يأمل في ترتيب صفقة خلف الكواليس بين المدانين من جهة والحكومة من جهةٍ أخرى لتسليمهم الى العدالة دون إسترجاع الأموال التي سرقوها، ثُمّ قضاء أشْهُر معدودة في السجن ذات الخمس نجوم ويُطلق سراحهم بعدها بعفو حكومي عام!!".
لقد أطلّت علينا النائبة البرلمانية "ميسون الدملوجي" رئيسة لجنة الثقافة والإعلام في مجلس النوّاب من خلال البرنامج الشعبي "ستوديو التاسعة" الذي يعرض يومياً على قناة البغدادية في السابع عشر من تشرين الثاني الجاري، وحيثُ نبّهت الشعب العراقي وحراكه المتمثل بالمتظاهرين من أن هنالك مداولات تجري بين أروقة مجلس النوّاب وكتله السياسية لتمرير قانون العفو العام وتحت يافطة "المصالحة الوطنية" والذي سيتضمن فقرة عدم شمول الأشخاص المتهمين بغسيل الأموال الذين إستخدموها لدعم الإرهاب فقط !!، دون إستثناء بقية المجرمين والسرّاق الذين نهبوا أو غسلوا المليارات من الدولارات من أموال العراقيين لمنافعهم الخاصة، أي بمعنى آخر شمولهم بالعفو دون إسترداد ما سرقوه ودون محاسبتهم، وهذا القرار لو أُقرّ سيعطي الغطاء القانوني للسارق للإحتفاظ بالمبالغ المسروقة والتمتع بها وهو طليقاً!!.
إن مثل هذا القرار لو تمّ تمريره بالأكثرية سوف يكون سبباً لزيادة التناحر المذهبي وترسيخهُ وليس ردم الفجوات للتهيأة للمصالحة الوطنية!!، فالقرار بحد ذاته سيحمي معظم السرّاق من طائفة معينة من الذين سرقوا المليارات من الدولارات للمنفعة الشخصية ويستثني معظم السرّاق من الطائفة الأخرى الذين سيتهموا بصرف تلك الأموال المسروقة لدعم الإرهاب.
فأي قرار شيطاني وخبيث هذا الذي سيحاول البعض من سياسي الصدفة سنّهُ وإعطاءه الشرعية، فالذي يفكر بهذه الطريقة لا يُعتبر ساذجاً وبسيطاً كما يحاول سياسيو السلطة ومنهم رئيس الوزراء حيدر العبادي إضفاء هذه الصفة عليهم وإعتبار ما فعلوه جنحة بسيطة تدخل في باب إهدار المال العام نتيجة سوء الإدارة الناتجة من قلّة خبرتهم في إدارة الدولة وليس جريمة كبرى أوصلت إقتصاد البلد الى الهاوية!!، وقد أوردتُ لك (يا رئيس الوزراء) في مقالتي آنفة الذكر الأمثلة الموثقة على ان الفساد كان بسبب السرقات وليس بسبب سوء الإدارة وعدم أهلية المسؤولين في إشغال مناصبهم.
لقد ترعرع السياسيون الفاسدون ايام "نضالهم السلبي" في أحياء وأزقة العواصم العربية والأوربية الأكثر فساداً ودونية واكتسبوا الخبرات اللازمة للتحايل وإتقان أساليب عمل المافيات الدولية الناشطة في الأحياء التي عاشوا فيها في الخارج بما فيها غسيل الأموال عبر وسطاء دوليون، إضافة الى تخرجهم من دورات مخابراتية للدول التي كانت داعمة لهم كمعارضة ضد النظام السابق ودربتهم على كيفية التمويل ونقل الأموال من والى العراق وعبر البنوك الدولية وبطرق مختلفة.
لقد خَبِرَ الشعب العراقي دسائسكم ومكائدكم وأصبح من السهولة إكتشافها وفضحها، فلا بارك الله في مسعاكم لإصدار هذا القرار الذي ظاهره وطني ونبيل وباطنه تفيح منه الرائحة النتنة للفتنة، وسيفضح الشعب بإعلامه النزيه كلّ نائب يرفع يده لتأييد هذا القرار وسيعتبره مشاركاً فعلياً في السرقات التي طالت أموال الشعب.
وهنالك قول مأثور يوجز خلق الله في خلقه: " أول ما تأخذه من الدنيا شهقة هواء ـ ـ وأول ما تتركه من الدنيا زفير هواء! هذا هو العدل: أنك تعيد ما أخذت"!!، فاعيدوا ما أخذتم يا سرّاق المال العام قبل أن يرسل عزرائيل بدعوته اليكم.
4866 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع