لفت نظري بأحد المواقع على شبكة الإنترنت، صورة «رائف بدوي» مؤسس الشبكة الليبرالية السعودية، وهو يقف معتمراً عند باحة الحرم المكي حاضناً أبناءه الثلاثة. سرحتُ بالصورة وتأثرتُ بالتعليق المكتوب تحتها عن قيام محكمة جدة الجزئيّة بإحالة قضية رائف إلى المحكمة العامة الخاصة بالنظر في قضايا الردة.
حقيقة أنا مندهشة من صمت المثقفين السعوديين في الدفاع عن قضية زميل لهم، لم يُحبس بسبب قضية سياسية أو أخلاقية أو جنائية! ولا أعرف السبب في عدم إحالة قضية رائف إلى لجنة مخالفات النشر التابعة لوزارة الثقافة والإعلام التي تختصُّ وحدها بالنظر في هذا النوع من القضايا! لماذا لم تتدخل وزارة الإعلام لمتابعة قضية تمسّ واحداً من إعلامييها؟! وعلى أي أساس تمّ اتهام «رائف» بالردة؟! هذه التساؤلات لا تهدف إلى التدخل في أحكام القضاء الذي نجلّه جميعاً، لكن من حق كل كاتب وإعلامي أن يفهم كي لا يجد نفسه بين يوم وليلة في نفس قفص الاتهام!
هذا الملف بالغ الأهمية لأنه جاء في توقيت حساس مع ارتفاع نبرات الاحتجاج بكافة أرجاء العالم العربي فيما يتعلّق بملف الحريات العامة. وقد شاهدنا في الأسابيع الماضية بمصر كيف تمّ حجب إحدى الفضائيات بسبب حواراتها الجريئة. ونُتابع يومياً ما يجري في مصر وتونس وغيرهما على يد السلفيين المتعصبين، وكيف قاموا مؤخراً في تونس برمي أجهزة التلفاز على شاطئ البحر تنديداً بالإعلام الفاسد من وجهة نظرهم الذي لا يُحابي فكرهم المتعنّت! فهل سنشهد قريباً حروباً ضارية بين الكتّاب المحسوبين على الفكر الليبرالي وبين التيارات الإسلامية، التي قويت شوكتها نتيجة سيطرتها على السلطات التنفيذية في ظل اندلاع الثورات العربية؟!
يرى الروائي «يوسف زيدان» بأن العالم الغربي ينظر لأدبائه على أنهم كنز قومي ، لذا يحتفي بهم ويقدمونهم بفخر للعالم بأسره. في العالم العربي يحدث العكس حيث ينظر إليهم بريبة ويظن بأنهم يُشكلون خطراً قومياً عليه! وقد اختصر زيدان الحقيقة المرة في عبارة قصيرة لا تُخالف الواقع كثيراً، حيثُ غدا الكتّاب والمفكرون الأحرار محشورين في زاوية ضيقة الرؤية!
أنا ضد الأقلام التي تسعى إلى تمزيق أوصال المجتمع بإشعال الفتن الطائفية والعقائدية! لكن السؤال الذي يطرح نفسه... ماذا بعد؟! لقد أضحت هناك رقابة شديدة على منافذ الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، فهل سيخضع الكتّاب مستقبلاً للمساءلة ويتعرضون للمحاكمة إذا ما سوّلت لأحدهم كتابة تغريدة أو مقال جرئ أو تأليف قصيدة عصماء؟! هل سيدفع المثقفون الأحرار أثماناً باهظة من أجل تطبيق مبادئ الديمقراطية على أرضهم ومحاربة الفساد في أوطانهم؟!
السعي إلى قصف الأقلام وحجب الأصوات ليس حلاً عادلاً، ولن يُنهي الخلاف القائم بين الأفراد منذ أن دلفت البشرية لعصور المعرفة. الحل يكمن في تشريع النوافذ والاستماع لكل من يُخالفنا الرأي حتى نُحقق الغاية المنشودة في إقامة مجتمعات مستنيرة فكريّاً. لقد بتُّ أشعر بالخوف من أن نخلق بأيدينا «تسونامي» عربياً الذي لن يُبقي ولن يذر أحداً في طريقه؟! يجب أن نوقن بأن السفينة ستبحر رغماً عن أنف الجميع، ومحاولة تحطيم محركاتها سيؤدي إلى غرق الكل في اليم، دون أن يهب أحد لإنقاذها!
913 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع