غزة بين حرب لا تنتهي وصوت المدنيين: متى يتوقف النزيف؟

 أسامة الأطلسي

غزة بين حرب لا تنتهي وصوت المدنيين: متى يتوقف النزيف؟

لم يعد خبر القصف أو الحديث عن "مناورة برية" في قلب مدينة غزة مجرد تفاصيل عابرة في نشرات الأخبار؛ بل أصبح جزءًا يوميًا من حياة شعب محاصر، يُجبر في كل مرة على النزوح جنوبًا، كأن لجوءه المؤقت قدرٌ أبدي لا مفر منه. ومع كل خطوة نزوح، تتراكم الأسئلة الموجعة: إلى متى يستمر هذا النزيف؟ ومن الذي سيستمع لصوت المدنيين الذين لم يعودوا يطالبون إلا بحقهم البسيط في الحياة؟

في هذه اللحظة التاريخية، يتضح أن المدنيين هم من يدفعون الثمن الأكبر. أطفال ينامون على الأرصفة، نساء يبحثن عن لقمة خبز أو جرعة ماء، وشيوخ فقدوا بيوتهم وذكرياتهم في لحظة قصف واحدة. وبينما تُختزل غزة في نشرات الأخبار إلى أرقام: قتلى، جرحى، نازحين… يغيب الوجه الإنساني، يغيب صوت الناس الذي يصرخ: "نريد الحياة."

لكن، لنكن صريحين، المسؤولية هنا ليست مسؤولية طرف واحد فقط. صحيح أن آلة الحرب الإسرائيلية لا ترحم، لكن أين القيادات السياسية من هذا المشهد؟ أين حماس التي ترفع شعارات "المقاومة" بينما يترك سكان غزة وحدهم يواجهون الموت والجوع والتشريد؟ وأين القيادة في الخارج التي تتنقل بين العواصم والفنادق بينما غزة تحترق؟ كيف يمكن لمن يعيش في رفاهية أن يتحدث عن "الصمود" وهو لم يذق ساعة واحدة من حصار أو قصف؟

الحقيقة أن المدنيين في غزة بدأوا يعبرون بصوت أعلى من أي وقت مضى عن رفضهم لهذه المعادلة الظالمة: لا يريدون أن يكونوا ورقة في صراع إقليمي، ولا أداة لتثبيت شعارات لا تُطعم جائعًا ولا تحمي طفلاً من قصف. إنهم يريدون فقط وقف الحرب، فتح ممرات إنسانية، إعادة الكرامة التي سُلبت منهم تحت ركام البيوت.

من منظور أوسع، يمكن القول إن استمرار هذا الصراع دون أفق سياسي أو إنساني لا يعني إلا شيئًا واحدًا: المزيد من الانفجار الداخلي. فحين يفقد الناس الثقة بقدرة قيادتهم على حمايتهم أو تمثيلهم، وحين يشعرون أن حياتهم تُستهلك في سبيل مصالح خارجية، فإن الشرعية السياسية لأي حركة أو سلطة تصبح على المحك.

اليوم، يتحدث أهل غزة بوضوح غير مسبوق: "كفى حربًا… كفى موتًا… نريد مستقبلًا مختلفًا." هذه ليست مجرد شعارات عاطفية، بل صرخة من قلب المعاناة، صرخة قد تتحول إلى قوة تغيير إذا استمرت الهوة بين الشعارات السياسية وواقع المدنيين.

وفي النهاية، يبقى السؤال الذي يجب أن يطرحه العالم: هل سنسمع صوت المدنيين قبل أن يُدفن تحت ركام آخر بيت في غزة؟ أم أن صرخاتهم ستظل مجرد صدى في فضاء يتجاهلهم، كما تجاهل من قبل آلاف المرات؟

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

787 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع