ثريا الشهري
تقول الكاتبة الأميركية لويس وايس: «تعلّم الرجل أن يعتذر عن ضعفه، أمّا المرأة فعليها الاعتذار عن كونها قوية».
قول واقعي لو رفعنا عنه سيل المجاملات التي يمطر بها الرجلُ موضوعَ المرأة عادة، من كونه يمجِّد المرأة في قوتها وشموخها، لأن الرجل حقيقة لا يرتاح للمرأة القوية. نعم، لقد كررْتُ لفظة «قوية» ولم أستعض عنها بمفردة أخرى، إمعاناً في المقصود، مع العلم أن القوة لا تناقض الأنوثة، فقوة المرأة ليست تشبّهاً بالرجال قولاً وسلوكاً، ولكن تعني أن تكون قوية كامرأة. فما القوة؟ هي أن تموت واقفاً على قدميك على أن تعيش مُحْنِياً ركبتيك، أن تموت بعزتك وكرامتك لا بخنوعك وامتهانك، أليس هذا لبَّ المعنى المتعارف عليه عن القوة؟
لكن سر قوة المرأة أبعد غموضاً من الظاهر والمألوف، فالمرأة تدرّبت بفطرتها كيف تطوِّع قوتها وتلتف حول ضعفها. تعلّمت أن تؤمن بالآمال الصغيرة وتمنحها قوتها لتَعْبُر منها إلى آمال أكبر، فالحياة ليست بالأوراق الرابحة التي بين يديك، ولكن بالأوراق الخاسرة التي «تعرف» كيف تلعب بها، وأوراق المرأة العربية في معظمها يلزمها وقت أطول للربح! حيث يكفي أن تسُجَّل في شهادة الميلاد أنثى كي يبدأ مشوارها مع التحدي، وقد كان!
المرأة العربية لا تخرج من سلطة الأب والأخ حتى تنتقل إلى حضور الزوج، ثم الابن، فبقية رجال الأسرة والمجتمع، وهي ذكورية حمائية كان من شأنها إشعار امرأتنا بالأمان والكفاية لو لم تكن السلطة بطبعها مغرية، فكيف بسلطة غير مسيّجة بسور من قانون أو عُرف؟ المرأة العربية في ثقافتنا ملك لرجالها المذكورين، ولهم الحق في التصرّف بشؤونها وحقوقها كيفما يرون ووقتما يقررون، وليس لأحد التدخل سوى بالنصيحة، وحتى هذه قد تكون غيرَ مقبولة وغيرَ مرضي عنها..! فإذا بالمرأة تفلْسِف حياتها، فتتعلّم كيف تتعايش مع العقليات المختلفة لكل هؤلاء الرجال، فتخاطب كلاًّ منهم وفق لغته، وهذا أجمل ما في قوتها، فهي الابنة والأخت والزوجة والأم والعاملة والصديقة. صحيح أن الرجل يلعب أيضاً أدواراً مختلفة، لكن قدرة مرونته معها أفقر من قدرتها معه، على رغم أن مساحة ملعبه أوسع من مساحة ملعبها، وبامتيازات مكتسبة من مجتمع يؤيده ويتفهمه وإن حُرِم المنطق. تلك هي طبيعة مجتمعاتنا العربية وتاريخنا الشرقي المتوارث، ولذلك حين تقف المرأة بخدوشها وتُواصل صمودها، فهو تصميم يُحسب لقوتها الداخلية أولاً... قوة تتفوق فيها على الرجل وإن أوهمته أنها الأضعف.
بتصفح المرأة العربية كتابات النساء الأجنبيات، وبمتابعة حوارات أفلامهن، قد تتعجب من اعتراضهن على محاصرتهن، وانتقادهن الرجل على سجنهن في جلباب ضيّق، ذلك أن المرأة العربية إنما تعتقد أن جلبابها هي... هو الأضيق، ومع ذلك نقول إن «امرأتنا» لا يستوقفها الضيق قدر ما يحزنها عدم تقدير الرجل لهذا التحمّل الذي تمسي عليه وتصحو، ولسان حاله: «احمدِ الله على ما أنت فيه!»، وحمد الخالق على نِعَمِه أمر لا جدال فيه، ولكن السؤال: «هل كل رجل نعمة؟»، فكما أن بعض النساء تُعد من النقم، كذا هي حال بعض الرجال، إلاّ أن يكون المغزى: «احمدِ الله على نعمة صبرك عليّ»، وهنا تكون «الألمعية»، فيا لفداحة خسائرك يا امرأة قبل إضافاته اللمّاعة!
لو سئل الرجل أن يصف كوكباً غير الأرض، لاحتار في أمر معلوماته، فأرضه خَبِرَها ويحدِّث عنها، أمّا المجهول فغريب عنه، ولا حيلة له في قراءته. وعليه، هل يجزم الرجل أن قدميه وطئت كوكب المرأة؟ ومن أين أتاه اليقين بمعرفتها؟ أتكون من معاشرة أهل بيته من النساء؟
ولأن الرجل عَجِلٌ في حكمه على المرأة، فليعلم أن لا امرأة تشبه الأخرى! وسيظل كوكب المرأة بكراً مهما حاول الرجل غزوه.. وهذه هي المرأة! خُلقت عصيّة على فهم الرجل! ومع ذلك تجده المتصدِّر في كل محفل ومناسبة وحقٍّ من حقوقها، يفكِّر عنها، ويحتسب باسمها، ويخطو بدلاً منها، غير متنبِّه لما حلّ به هو قبل غيره جراء أفكاره «النيّرة»، فيا ليته يتنحّى جانباً، ولو قليل،اً في الأمور التي تخصنا نحن النساء، فالحياة انقضت وهو يقرر عنا، وآن الأوان لنتسلّم مسؤولية ملفنا «العلاقي» منه.
551 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع