الدكتور/ سعد العبيدي
كتب الاستاذ الكبير حاتم حسن في الصفحة الاخيرة لجريدة المستقبل العراقي مقالا بعنوان لا شبع ... نشره يوم 28/12/2012 جاء في نصه:
ضلله حبه للعراق وعماه، وقاده بعيدا عن تخصصه العلمي في النفس الانسانية، والطبع الاجتماعي ..وبشغفه بالروح وبدا مثل صبي، وجاهر بامنياته واوهامه قائلا ان العراقيين في حقل السياسة وميدان العدوان وممارسات السلطة ونهب الثروة سينضبون، وتجف منابع العدوان، وتمتلئ العيون بالثروات ويتجشأون ويصابون بالغثيان من لعبة السلطة والجاه والضوء.....انه ينكر قناعاته وما يمليه عليه تخصصه الاكاديمي العالي ويعود اميا جاهلا ويفتقد ابسط المعارف ... ويظن ان ابطال الفساد والجريمة والجوع للسلطة قد اقتربوا من التخمة والملل وسينتقلون وفق قانون الديالكتيك الى النقيض ...وتلك من اعراض اليأس او فقدان الصواب والجنون... فالعربي تأريخيا وبطبعه وتكوينه مهووس بالسلطة ...وُيسَخر حتى المقدس للظفر بالسلطة ..فالاولوية للسلطة وانها التي تنتج البقية ...وما زال هناك من يقولها على سبيل التندر من ان الريفي وحالما يتيسر له ذلك حتى يعمد لاقتناء البندقية ثم الزواج باخرى ...والعربي بالمفهوم المعاصر ريفي وان حصل على اعلى الشهادات العلمية ...وريفيته ثاوية فيه وهو في بون وباريس وامستردام ..وسيسارع لرفس كل هناءات وامتيازات تلك المدن والعودة الى قريته مقابل منصب وسلطة ....
ومشهد الاقتتال على السلطة العربية بلا نظير في الامم الاخرى ...وتأمله بشجاعة ودقة قد يثير الفزع ...
ولكن جوع عين العربي استثناء ايضا ...واذا كنا نقول باللسان ان عين الانسان لا تمتلئ الا بالتراب فان اليهودي لا زال يغلق عين الميت بذر التراب فيها ....وانها لقناعة بلهاء وخرقاء تلك التي ترى ان الدهماء قد نزفوا كراهيتهم وتخففوا من قيح قلوبهم ..وطهروها من الظلام ومن النظرة السوداء للبشر وللحياة ..
انما انزلاق المختص الى الخرافة ..وتنكره لاختصاصه الاكاديمي العالي لا يعني غير اليأس الشامل وفقدان الصواب .وان الحالة العراقية ميؤوس منها لدى بعض المهمومين الموجوعين بما يحل بالعراق ...
حتى الطفل الغرير يدرك ان من ركبوا الموجة الطائفية القذرة ..وتظاهروا بالشهامة والحمية والغيرة على طوائفهم ..انما يسحقون على الاسلام كدين، ويخلعون عليه اقذر الاردية من اجل ارضاء جوعهم للسلطة والثروة ...فاهموا حتى العاقل الرصين المتعلم للاعتقاد ان السنوات العشر كافية لنزع الكراهية ..وللطفح بالسلطة ولامتلاء الجيوب والمصارف والعيون المثقوبة ..وسيستفيق اللصوص ويستعيدوا وعيهم وتبدأ الحياة السوية ....ويعتذروا عن تجريم بعضهم للبعض وانهاء حياة بعضهم للبعض وكأن شيئا لم يكن ..ولا من سبقهم بهذا الحجم والقسوة ..وعفا الله عما سلف ....
هذا فكر يبعث على الحزن ...ويحرضنا على تحريض ذوي الفكر الذي لم يتشوه بعد وحافظ على وضوحه وشجاعته لكي يكن نقطة الضوء تستقطب الامل والعزم وارادة العمل ...وانهم كثرة ..وتكبر في كل لحظة في عيون العراقيين..
يبحثون ويكافحون من اجل سلطة الخير لا سلطة الكرسي ..ومن يحترمون الحياة، كل الحياة وتقر عيونهم على رضى الله ...وانهم اذ يحبون الحياة ويتمتعون بها فللخير، والا ...فانها شعرة مجذوم في است خنزير ...وهذا ما لا يفهمه جياع المال والجاه والسلطة ولن يكفوا ايديهم من تلقاء انفسهم
....المفكر يستدرك وكأنه يعتذر او يوضح بان للسياسي الشرير معين من الشر يأتيه من بعض المنابع الاجتماعية ولذلك سيكون عمره اطول ....
ولأني سبق وأن قلت كل الذي ورد في مقال الكاتب الكبيرحاتم حسن، وسبق وان ناقشت بعض فقراته من وجهة النظر النفسية، سأقدم هذا الرد المتواضع عسى أن يجيب على تلك التساؤلات التي وضعها الكاتب بصيغ العتب كما هي عادته في الكتابة:
أستاذي الجليل حاتم حسن
التضليل يا سيدي في هذه البقعة من الارض هو الحياة، جميعنا ضال ومضلل، أنا، أنت، هو، هم والجمع الغفير.
يكذب من يدعي غير هذا، سيد قوم كان أو من العبيد.
الحاكم فينا ضل في دهاليز السلطة أو ضللته مغريات السلطة، فأعتقد أنه المنقذ الوحيد. والمحكوم هو الآخر ضلله وهم التقرب من السلطة فبقيّ جالسا في مكانه عقودا، ينتظر الفرج القريب.
الحب ياسيدي على هذه الارض وَهمُ وضلالة وان كان لوطن عزيز. لأن الوطن الذي أريد له أن يبقى محبوبا يعطي الابناء، يكبرهم، ويكبر بهم، يغفر خطاياهم، يساوي بينهم، يثيب العاشقين...... وطننا الذي غرقنا في حبه، يرمينا في حفرة الرأي الواحد ويهيل علينا التراب، يحرمنا من ابسط معالم الحياة، يحاسبنا عن أخطاء أجدادنا الميتين.
وطننا لا يخضع لمنطق الحراك ولا لمعطيات علوم النفس والسلوك، فلا تعتب على من ترك تخصصه وسار في درب الحب الموهوم، ولا على من أعطى رأيا أقتبسه من نظريات نجح تطبيقها في كل الاوطان، الا في وطننا السائر بالمقلوب، فالرجال في الاوطان الأخرى يا سيدي يصنعون السياسة فيبقون ويخلدون بانجازاتهم... والسياسة في وطننا تشكل الرجال الساعين الى التدمير بقصد الخلود.
نعم تعلمنا أن المنابع يمكن أن تجف، ومسارب العدوان يمكن أن تنضب، والشبع يمكن أن يحدث تخمة، والعيون يمكن أن تمتلئ وتقل من أمامها مثيرات المال، الا في العراق الوطن الام لكل معززات التضليل، فكل شي فيه يسير بالمقلوب لاكمال فعل التضليل. وبالتالي سيكون الانكار الكلي للقناعات والمحو الكلي للمعارف والنظريات، والعودة الى الامية المعرفية هو الحل الملائم للتعامل مع سيرٍ بالمقلوب، وان كان عرضا من أعراض اليأس والجنون. بل وأكثر من هذا فالانفصال عن الواقع أو الجنون هو الحل الاسلم للبقاء في هذا الواقع المقلوب.
كيف لك أن تريد من الواحد أن يبقى عاقلا في وطن:
يُقتل فيه العالِم لعلمه.
ويُغتال الضابط لتضحيته.
وُتغتصب المرأة لانوثتها.
وتُعَطل الدولة لنصف ايامها.
ويطبق الكفرة والفاسدين شرائع الدين.
ويحقد الموظف على مديره، والجندي على آمره ويخسر الاب ابنائه في وضح النهار.
دع مَن وصفته في مقالك هاربا، في أن يبقى كذلك مجنونا، فالجنون في زمننا عين العقل.
ودعه في أن يبقى ممتطيا راحلته العرجاء يفتش عن وطن يحبه، أقسم أنه غير موجود، لأن الوطن الذي أحبه قد غاب في خلايا العقل المجنون.
31/12/2012
601 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع