الدكتورة/ نسرين مراد
تعتبر حالة التغيير السياسي التي حلّت بالعراق منذ عام 2003، الأكثر إثارةً للجدل والأسئلة المثيرة للدهشة والذهول.
هذا بغضّ النظر عن أنها أتت نتيجة احتلال عسكري أتى بدواع مختلَقة، زعمت إدارة جورج بوش الابن أنها قامت بذلك لتحرير الشعب العراقي من قبضة الدكتاتورية. كان ذلك تلبيةً لمطالب المعارضة العراقية السابقة، المعادية للنظام السياسي الحاكم في حينه.
زعمت الأحزاب العراقية المعارضة سابقاً، والحاكمة حالياً، أنها تسلّمت الحكم لإرساء أسس الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان. بعد ما يقارب العقد من السنين على تسلّم تلك الأحزاب للسلطة، لم تزل البلاد ترزح تحت وطأة مجموعة من العاهات والكوارث والأوبئة الجيو- سوسيو- سياسية المدمِّرة. هذه تحتاج لعشرات السنين للحد من وطأتها، عدا عن التخلص منها.
من هذه الأوبئة وباء الطائفية الذي يأتي على الإنسان العراقي، وأهل المنطقة من حوله، روحاً ومعنى ونفسيةً وسلوكاً وصحةً عامةً ومستقبل أجيال. وباء الطائفية أيقظته وغذته مجموعة من الانتهازيين، الذين لا يشبعون ولا يرتوون لغطاً ولا لحماً ولا دماً، وطبعاً لا سلطةً ولا مالاً حراماً. طالما بقي هؤلاء في واجهة الأحداث، فلن تلوح في الأفق بوادر انفراج في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وحتى في مجال الخدمات العامة.
كانت المعارضة العراقية السابقة، والحاكمة حالياً، تعيب النظام السابق بارتكابه لفظائع تقوم هي بارتكابها الآن، وبشكل مضاعَف ومثير للاشمئزاز والتقزز. السجون العراقية العلنية والسرية، يومياً تنضح انتهاكات خطيرةً لحقوق الإنسان والمرأة والطفل. تنتشر أعمال وحشية تنتهك الإنسان روحياً ومعنوياً ونفسياً وجسدياً. تتحدث تقارير جماعات حقوق الإنسان عن حالات باتت عاديةً، مثل حوادث اغتصاب للإنسان؛ ذكراً كان أم أنثى، بالغاً كان أم طفلاً. سجناء غير محكومين يقبعون في محاجر عزل انفرادي، لمدد طويلة تصل إلى الشهور والسنين.
أكثر حالات التغيير عن السابق في العراق إثارةً للسخط، هو ما آلت إليه الإدارة والخدمات العامة؛ عدا عن ظاهرة أعمال العنف العشوائي، التي تعصف بنسيج المجتمع العراقي. الفساد والمحسوبية وهدر المال العام، هي عناوين حقق النظام السياسي فيها أبعاداً وأرقاماً قياسيةً، وخلال فترة وجيزة. الانقسامات الفئوية تجعل من تحقيق الوحدة واللُّحمة الوطنية حلماً ساذجاً. أبرز مثال على ذلك، ما يجري في شمال العراق. يحاول بعض الأقطاب الرئيسية في العملية السياسية، الانفصال رسمياً عن الدولة العراقية؛ أصبحت لديهم قوة عسكرية رئيسية تضاهي قوة الجيش المركزي.
بات العراق الجديد الواحد الموحد(!) بحاجة ماسة إلى تغيير تشارك فيه كافة المجموعات العراقية؛ الطائفية والعرقية. ما يمنع حدوث تحرك شعبي عارم، هو سيطرة العقلية الطائفية على القيادات المذهبية وأنصارها. يخشون قدوم نظام سياسي لا يضع اعتباراً كافياً للأصوات المذهبية والعرقية والطائفية والفئوية والقبلية. في ذلك على القيادات الثورية أو حركات التغيير، أن تضع برنامج تغيير يهدف إلى إكرام العراقي وإعطائه حقوقه، بغضّ النظر عن لونه الديني أو الطائفي أو العرقي أو الطبقي أو السياسي.
واقعياً وعملياً، فالإتيان بقيادة عراقية معافاة من مرض الطائفية والتحيز الفئوي، يُعتبر ضرباً من الخيال؛ في ظل شحن وحشد وتغذية مذهبية على مدار الساعة. ثمة من يُعتبرون من أهل النخبة من الطبقات السياسية والاجتماعية والأكاديمية، وحتى من قيادات الطوائف والمذاهب. هؤلاء قادرون على أن يحكّموا عقولهم، ويضعوا طموحاتهم الشخصية الأنانية جانباً. عليهم أن يبدؤوا بالعمل المشترك المخلص، لتخليص العراق من ظواهر لم تأت إلا بالنحس وخيبة الأمل والخسران على كل شيء.
في ظل المعطيات الحالية، فالدرب يبدو صعباً وطويلاً، لكن رحلة الألف ميل يجب أن تبدأ بالخطوة الأولى؛ النية في التغيير!
938 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع