الدكتور/ مؤيد عبدالستار
منذ اكثر من اسبوع اندلعت تظاهرات الانبار بذريعة اعتقال حماية السيد رافع العيساوي ، ورغم ان التظاهر حق مشروع لجميع ابناء شعبنا سواء في الانبار او البصرة او الموصل او اربيل .. الخ الا ان التظاهر يجب ان يكون محكوما بسقف المصالح العليا للشعب والوطن ، وان لا يتم التفريط بالعلاقات والوشائج بين مختلف طوائف وقوميات ومكونات الشعب ، وعلى الاخص شعبنا العراقي الذي يشكل بمجموعه فسيفساء تمتزج فيه الوان الطيف الشمسي شمالا وجنوبا .
لا ضير من الخروج بتظاهرة او اكثر ان كان هناك برئ او بريئة في سجن من اجل اطلاق سراحهما ، اما ان يكون التظاهر من اجل اطلاق سراح جميع السجناء ، على اساس انهم ابرياء ، فهذا ما لايستطيع أحد ان يحمله على محمل الجد ، ولا مانع ايضا من صدور عفو خاص عن السجناء الذين تحوم الشكوك حول ادانتهم ، ولم يحسم القضاء امر براءتهم او ادانتهم ، ولكن ان يخرج المتظاهرون من اجل اطلاق سراح جميع السجناء فهذا ما لايمكن العمل به ، مثلما تم في احدى السنوات تخريج- نجاح - جميع طلاب المدارس العراقية الذين لم يحصلوا على درجة النجاح بعملية سميت الزحف ، مما اضعف الثقة بشهادات المدارس العراقية . فكيف بمن زور الشهادات اليوم ولم يحاسب على فعلته النكراء .
في عراقنا اليوم يختلط الحق بالباطل ، وليس غريبا ان يسعى البعض الى خلط الاوراق كي لا يتبين المذنب من البرئ مثل القرد مقطوع الذنب الذي قطع ذيول بقية القردة كي لا احد يميزه عنهم .
لقد عانت الحكومة العراقية خلال العقد الماضي من سنوات عمرها ، والتي تعد اطولها عمرا حكومة السيد نوري المالكي، الكثير من العثرات ووقعت في العديد من الهفوات وارتكبت الكثير من الاثام ، واشهرها تغافلها – سواء المقصود او غير المقصود – عن الفساد المالي والاداري ، وسماحها لانصارها واعضاء احزابها المؤتفلة بتسلق المناصب الادارية والمالية والسياسية دون كفاءة الكثير منهم ، وهو ما سمح باستشراء الفساد المقنن الذي اصبح سمة الحكومة العراقية والذي يقابلك ما ان تطأ قدماك اية مؤسسة حكومية او هيئة ادارية او مالية .
اضافة الى الفساد ، كان شيوع التزوير والسرقة ونهب المال العام والذي تغاضت عنه الحكومة وجعلته يمر دون حساب حتى تفجر مؤخرا في فضيحة غرق العاصمة بغداد والمدن الاخرى .
لانريد ان نعدد مثالب وسقطات الحكومة والتي رغم كل الهنات والاخطاء حرصنا على عدم السماح بحمل معول الهدم بوجهها ، على امل ان تسمح لها الظروف باجراءات افضل حين تتماسك تجاه العوامل الموروثة والمشاكل التي تركها النظام الصدامي البائد تنخر في جسد البلاد ، الا ان اصرار الحكومة على اتباع سياسة النعامة والهروب الى امام والاعتماد على سياسة الاتباع المطيعين الذين اوكلت لهم مفاصل الحياة السياسية سواء في مجلس النواب او في ادارة المؤسسات او في الثقافة والاعلام وغيرها من مؤسسات حيوية جعلت المواطن يشك في قدرة هذه الحكومة وادارتها على معالجة الواقع السياسي الشائك والخدمي المتخلف والاداري الفاسد .
تعاملت الحكومة باستهتار مع مطالب المواطنين وكان التسويف هو السمة التي تميز اعمالها ولمسنا ذلك من خلال العديد من النشاطات التي قامت بها ، فعقد المؤتمرات جار على قدم وساق ، لكن حصيلة تلك المؤتمرات كانت وعودا خاوية ، واهمالا للنتائج ورميها في سلة المهملات ، والضحك على ذقون المؤتمرين ونهب الملايين بحجة عقد المؤتمر الفلاني والمؤتمر العلاني حتى اصبحت تلك المؤتمرات وسيلة مخجلة للسرقة والنهب، كذلك قل عن المشاريع التي تصرف لها المبالغ المليونية على الورق ولكن على الارض لا نجد سوى الشوارع والارصفة المتربة والحفر التي يتعثر بها المواطن اينما سار ومشى .
ان تظاهرات الانبار تحمل وجهين ، الاول الذي يتعلق بمطالب المواطنين لمعالجة الفقر الذي هم فيه وطلبهم للتوظيف الذي اصبح لا يحصل عليه المواطن الا بدفع الاف الدولارات رشوة للجهات المسؤولة ، واطلاق سراح الابرياء – لا شك ان عددهم محدود – واطلاق سراح النساء اللواتي لم تثبت عليهن جريمة تدينهن . فتلك من الحقوق المشروعة والمطالب العادلة ، وهو وجه حق يجب ان تأخذه الحكومة على محمل الجد .
اما قطع الطريق الرابط بين العراق والاردن وسورية ، فذلك ليس من التظاهر بشئ وانما على ابناء الانبار ومجلس محافظتها وقادتها ووجوه المجتمع والمدينة العمل على فتحه باسرع ما يمكن ، لان قطع هذا الطريق اشارة واضحة على قطع علاقات تاريخية تربط الانبار بالوسط والجنوب ولا اعتقد ان ابناء الانبار يسمحون بمثل هذه الجريمة التي ستنعكس على المدينة وتبقى ندبة في تاريخ العلاقة التاريخية بين المدن العراقية .
كما ان التجاوز والاعتداء على الشيعة من خلال تظاهرات الانبار يجب ان لا يمر دون شجب من قبل ابناء الانبار الغيارى ووجوه المجتمع الانباري ، وعليهم ارسال الوفود الى المدن الشيعية الكبرى لشجب ما بدر من بعض المشاركين في التظاهرات ، ومن اولى مهام رجال الثقافة والعلم والادب السنة شجب مثل هذه الاهانات التي لا يستحي من اطلاقها البعض ممن لا يخشى التفريط بالعلاقات التاريخية بين ابناء الطوائف والمذاهب والقوميات المختلفة في العراق .
ان تظاهرات الانبار تؤرخ لمرحلة جديدة تتوقف عواقبها على اهداف مكونات الشعب العراقي المختلفة ، فان ارتأت المضي قدما بمثل هذه التظاهرات ووضع سقف مطالب تعجيزية ، لاشك ستكون دلالة على نية واضحة في قطع صلة الرحم والتواصل بين المكونات المختلفة ، وان ارادت الجهة المنظمة لمثل هذه التظاهرات التعكز عليها لاسقاط حكومة المالكي على اساس انها الخطوة الاولى لاسقاط العملية السياسية برمتها فذلك حلم عسير المنال ، لان العملية السياسية الجارية في العراق ليست نتيجة جهود طائفة معينة او قومية معينة سواء أكانوا سنة ام شيعة ام عربا ام كوردا .. الخ وانما هي عملية تحول تاريخية ساهمت فيها عوامل عديدة اولها ضرورة العصر والتي حقـقـتها الدولة العظمى الولايات المتحدة الامريكية ، ومن ثم مصالح الشعب العراقي التي حتمت الضرورة التاريخية عليه السير مع العالم المتحضر في الاستفادة من منجزات العصر الحديث مثل حقوق الانسان والديمقراطية والاقتصاد الحر وغير ذلك ، لذلك فان استهداف العملية السياسية – ان كان هدف التظاهرات – سيبوء بالفشل حتما .
869 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع