الدكتور / وليد الراوي
استبشر الكثير من العراقيين المعارضين للعملية السياسية الحالية وبمختلف مشاربهم سواء من كان محسوب على النظام السابق او من قاتل في صفوف المقاومة المسلحة او من انخرط في مشروع الصحوات في قتاله ضد قوى الارهاب او حتى من دخل العملية السياسية وحاول ان يعمل شيئ للعراق عبر صناديق الانتخابات لكنه فشل , بانطلاق الانتفاضة الجماهيرية التي بدات من مدينة الفلوجة لتعم بقية مدن محافظة الانبار ثم مدينة سامراء والموصل وكركوك وبعقوبة وبغداد , ويامل العراقيون اتساعها لتشمل الكثير من مدن العراق
كانت شرارة الانطلاق تتمثل بالقاء القبض على حماية وزير الماليه , اذ تظاهرة عشيرته وقسم من مؤيدية وبعض من انصار القائمة العراقية التي يمثلها في مدينة الفلوجة, لكن سرعان ما تجاوزت التظاهرات العيساوي ومطالبه لتهدف الى اجراء تغيرات حقيقية في نهج الحكومة والعملية السياسية التي يعتبر العيساوي جزء منها, وقد كانت دوافع الانطلاق تتلخص بما يلي:
1. فشل العملية السياسية في العراق.
2. إتسام النظام بالدكتاتورية المغلفة شكليا بأدعائات دستورية وديمقراطية.
3. المنهج الطائفي والعنصري الاَقصائي للحكومة الحالية.
4. ارتكاب جرائم ضد حقوق الانسان طالت قطاعات واسعة من الشعب العراقي ومن اهمها قضية اغتصاب النساء في السجون.
غايات التظاهر:
انحصرت الغايات وفق مايلي:
1. غاية وطنية عراقية تستهدف انقاذ العراق مما هو ذاهب اليه.
2. غاية دينية ذات ملامح طائفية تبغي التصدي ومحاربة القوى الطائفية الاخرى .
3. غاية قومية تستهدف اعادة العراق الى حضن الامة العربية وانقاذه من براثن ايران الصفوية.
الحلول المطروحة امام الحكومة:
اطلق الكثير من المسؤولين من اعضاء دولة القانون وصف التظاهرات بانها طائفية ومرتبطة باجندات خارجية ومدعومة من الارهاب وحزب البعث وهذا الاتهامات لاتستقيم مع المنطق لان هذه التهم الاربعة غير متجانسة ولايوجد رابط بينهما الا ما ندر فمن هي القوى الخارجية التي تدعم حزب البعث في مسعاه ,وهل تبني الثوار شعارات ثورة الامام الحسين "عليه السلام" دلالة على طائفية التظاهرات وهل مشاركة العراقيين من العشائر العربية الاصيلة في البصرة والعمارة وغيرها من مدن العراق دليل على طائفية الانتفاضة, ان نعت الانتفاضة بالارهاب والطائفية هي تجارة المفلس.
في كل ثورات الربيع العربي كانت نفس التهم جاهزة ولتتكرر الان في نعت الانتفاضة العراقية قالها." زين العابدين بن علي ضد شعبه وكذلك كررها القذافي وحسني مبارك وعلي عبد الله صالح وبشار الاسد" واخيرا وليس اخرا الحكومة العراقية.
من الممكن ان يستدل على الدورة " التاريخية" للانتفاضات الشعبية والتي بات يطلق عليها الربيع العربي , حيث تبدا من تظاهرات سلمية في بؤر مختلفة تنادي بلاصلاح سرعان ما تجابه برفض الحكومة وعلى ضوء ذلك تتسع رقعة المشاركة الشعبية مع استمرار عناد الحكومة والبدء باطلاق وصف غير لائق لها " كالجرذان والنتنة" تتصاعد التظاهرات ومعها يتصاعد سقف المطالب تضطر الحكومة لمجابهتها بالقوة وهنا ينتقل الصراع الى استخدام الحكومة للاجهزة الامنية والعسكرية في المواجهة ويتحول الصراع الى صراع مسلح.
خيارات مجابهة التظاهرات:
ستعمد الحكومة الى دراسة عدة خيارات للمجابهة ويمكن تحديد الخيارين الرئيسيين , الاول خيار الاستجابة و الاخر خيار المواجهة.
خيار الاستجابة:
قد تعمل الحكومة على الاعلان ان مطالب المتظاهرين شرعية وعليه سيتم الحوار والنقاش مع هذه المطالب عبر تقديم مطالبهم الى وفد منتخب يلتقي باطراف حكومية مخولة وستعمد الحكومة الى دراسة هذه المطالب , حيث سيعلن ان بعض هذه المطالب تحتاج الى سن قانون ومنها تعديل قانون الارهاب والغاء قانون الاجتثاث والتوازن الوطني وذلك من خلال مجلس النواب والذي سيشهد تناحر ورفض من القوى السياسية. ولن تلغى هذه القوانين و في الحد الادنى سيصار الى تعديل بعض الفقرات الجزئية التي لاتؤثر على غايات سن هذه القوانين .
اما فيما يتعلق باطلاق سراح المعتقلات والمعتقلين فسيحال الى الجهات القضائية المسيسة وستضطر لاطلاق سراح البعض القليل والابقاء على الكثير ريثما تكمل الاجرائات القانونية, وفي نهاية المطاف سنرى ان كافة مطالب المتظاهرين قد سوفت ولم تنفذ.
خيار المواجهة:
سعتمد الحكومة هذا الخيار في حال رفض المتظاهرين اجرائات الحكومة مع استمرار التظاهر وتصاعد رقعته وسقف المطالب والذي وصل الان الى" اسقاط الحكومة" والذي سيتطور الى مطلب اسقاط العملية السياسية, عند هذه النقطة ستواجه الحكومة التظاهرات بالقوة في محاولة لتفريقهم وعدم السماح لهم بالتوسع والانتشار. في هذه النقطة الحساسة والتي اعتقد انها نقطة الا عودة سيظهر عامل حماية المتظاهرين عبر تبني قوى المقاومة المسلحة هذه المسؤولية وسيصار الى الاشتباك مع قوى الجيش والشرطة وهنا سيبدا البعض من منتسبي الاجهزة الامنية والعسكرية الانشقاق والانظمام الى "الثوار" حيث سيطلق عليهم هذه التسمية وسيمر الربيع العراقي بنفس مرحلة الربيع العربي في ليبيا وسوريا بشكل خاص اذا ما جوبه بالقوة من قبل الحكومة و بعناد ورفض الاستقالة.
المتظاهرون:
في هذه المرحلة من تازم الموقف ستحاول الحكومة استمرار زخم الاتهام الى المنتفضون بانهم ارهابيون ومدعومون من الخارج, في المقابل سيركز المتظاهرون على سلمية التظاهرات مع التركيزعلى خلق بؤر تظاهر متعددة ومستقلة بعضها عن البعض الاخر, كما سيتم التركيز على الجانب الاعلامي عبر تصوير الانتفاضة السلمية ومواجهتها المسلحة من قبل الحكومة وستاخذ الانتفاضة صداها الاعلامي الكبير وستكسب تايدا اقليميا ودوليا, وعندها سيبرز التدخل الاقليمي في دعم المتظاهرين.
ركوب الموجة:
ستحاول بعض القوى السياسية والشخصيات العشائرية واصحاب رؤس الاموال من ركب الموجة في محاولة لقيادة التظاهرات الشعبية بغية استغلالها وعلى صعيدين:
الاول: اغراض انتخابية
الثاني: محاولة خلق قوى سياسية بغية التفاوض مع الحكومة لتحقيق منافع خاصة.
ان الاستقبال السيئ من قبل متظاهري الانبار للدكتور صالح المطلق والذي هو ابن الانبار ويعتبر ممثل عن القائمة العراقية لدليل على عمق معرفة الجماهير بالقيادات السياسية وصدق تقيمهم وفي هذا المجال سيحاول الحزب الاسلامي من استغلال وركوب الموجه بالرغم من معرفة الشعب العراقي لدور هذا الحزب في اقرار الدستور والذي هو رأس كل فتنة ومصيبة. وعليه يجب على المتظاهرين رفض ايه قوة سياسية منظمة ساهمت في ادارة الحكومة بشكل سيئ فهي شريكة الحكومة وللحقيقة وليس للمجاملة " ان كافة القوى السياسية المشتركة بالحكومة تتحمل مسؤولية ما وصل اليه البلد وليس السيد المالكي فقط"
على الجماهير العفوية صنع قياداتها الجديدة ورفض كل قديم بالي لكي تتناسب عقليتها مع الطروحات الجديدة, كما ستحاول القوى الارهابية المتشددة من ركب الموجة ايضا وسوف تطرح برنامج لتامين الحماية للمتظاهرين والاصطدام المسلح مع اجهزة الجيش والشرطة , فعلى الجماهير المنتفضة عدم السماح لقوى التشدد والارهاب في استغلال الا نتفاضة السلمية لاغراضهم السياسية والعسكرية.
الموقف الامريكي من الربيع العراقي:
ستنتاب الحيرة السياسيين الاميركان وسيعمدون الى خيار الانتظار والترقب لاسيما ان الولايات المتحدة الامريكية وبالتوافق مع ايران نصبت الحكومة الحالية وتعتبرها اميركا انها الامينة على مصالحها في العراق وستعمد الادارة الامريكية ومن خلال علاقاتها مع القوى والشخصيات المؤثرة في الانتفاضة في الضغط عليهم بغية انهاء الانتفاضة عبر سلسلة من الوعود بلاصلاح وهذا ما لم يتحقق وسيكون موقف الولايات المتحدة غير محسود علية اذا ما تصاعدت وتيرة الاحتجاجات الى الصدام المسلح مع قوات الحكومة.
الموقف الايراني من الربيع العراقي:
ستتصرف ايران بحكمة وتروي اكثر مما تصرفت به حيال الربيع السوري من دعم خيار المواجهة المسلحة كحل وبذاك فقدت او تكاد تفقد نظاما كان حليفا استراتيجيا لها , وهنا لا تستطيع ان تفرط بالدولة العراقية سيما ان هنالك قوى اقليمية تدعم مسار التغير الذي حصل في سوريا او يكاد وان استمرت في اتباع نفس السياسة ستفقد العراق ومنطقة الخليج وسيطال التغيير ايران نفسها, فامام هذه المعضلة ستتصرف ايران وفق ثلاث محاور رئيسية:
الاول: حث حكومة المالكي على اجراء اصلاحات حقيقية والوصول الى صيغة تفاهم مع المتظاهرين.
الثاني : تكليف بعض القيادات العراقية وخصوصا من السنة ممن يرتبطون بعلاقات حميمة مع النظام الايراني , بغية التاثير على التظاهرات وانهائها بالرغم من ان المتظاهرون اصبحوا يميزون وبدقة من معهم ومن يستغلهم ومن هو عميل لايران.
الثالث: الضغط على التحالف الوطني لاستبدال المالكي وحكومته وقد ينسحب الامر على حزب الدعوة وستلجاء ايران الى هذا الخيار في نهاية المطاف للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في العراق.
واخيرا : اذا لم تفلح كل هذه الخيارات فان العراق سيغرق في اتون حرب اهلية ستؤدي الى تقسيم العراق.
الدكتور وليد الراوي
1115 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع