أسماء مدينة الموصل التاريخية واسم آشور (أثور) العبري والآشوريين الجدد

                                                           

                                 موفق نيسكو

من الحقائق الثابتة إن الآشوريين الحاليين هم سريان نساطرة، وهم من أصول يهودية عاشوا منعزلين في جبال المثلث العراقي التركي الايراني وخاصةً في جبال هكاري (تركيا) وأروميا (ايران) ويُسمَّون نساطرة الجبال،

واعتنقوا المسيحية في البداية من منطلق قومي على أساس أن المسيح من مدينة الناصرة، وبقيت فيهم النظرة العبرية الإسرائيلية القومية، وُيركِّزون في أقوالهم على أنهم ينحدرون من الأسباط العشرة من بني إسرائيل، ويعتزون بالاسم النصراني ويُسمون بطريركهم، بطريرك الناصرة، لأن اسم نصراني من مدينة الناصرة، ولشدة حبهم وتعلقهم بالناصرة فبعض رجال دينهم لجهلهم يعتقدون أن اسم نسطور هو نسبة لمدينة الناصرة (1)، ووجد النساطرة ضالتهم عندما سَمَّاهم الانكليز آشوريين سنة 1876م بهدف إقامة كيان سياسي عبري على غرار إسرائيل في شمال العراق، ولكن بثوب مسيحي، ومعروف أن لا وجود وثيقة واحدة باللغة السريانية ومن تراثهم أنفسهم يقول إن هناك قوم باسم آشوريين، ومنذ أن سَمَّاهم الانكليز آشوريين، ما فتئ الآشوريين الجدد بالبحث عن كلمة آشور أينما وجدت ليدللوا للآخرين زوراً أنهم موجودين فعلاً، وليربطوا أنفسهم بالآشوريين القدماء، ومن هذه الكلمات أحد الأسماء الجغرافية لمدينة الموصل، وهو آشور بصيغته العبرية أو أثور بصيغته السريانية والعربية.

إن مدينة الموصل بُنيت بعد الإسلام على أنقاض ومقربة من مدينة نينوى القديمة، ونينوى قديمة جداً قبل نزوح الآشوريين القدماء من بابل واحتلال شمال العراق الحالي الذي كان اسمه بلاد سوبارتو، ولقدم نينوى لا يُعرف من شيدها لأول مرة، فالتحريات دلَّت على أنها كانت قرية في عصور ما قبل التاريخ تتبع دولة لكش 255-2370 ق.م.، وقام شمشي أدد الأول (1814–1782 ق.م.) بتجديد أحد معابدها الذي كان قد أقامه الملك الأكدي مانشستو (2306–2292 ق.م.)، وازدهرت المدينة في العهد الآشوري الحديث من عهد ناصر بال الثاني (883–859 ق.م) وأصبحت عاصمة الدولة الآشورية في عهد سنحاريب 704-681 ق.م. إلى سقوطها سنة 612 ق.م.، ونتيجة اضمحلال لغة الدولة الآشورية القديمة وهي لغة أكدية أقصتها الآرامية بسبب انتشار الآراميون وثقافتهم ولغتهم في الدولة الآشورية القديمة، فكان سكان نينوى في عصورها الأخيرة وبعدها آراميون (2)، ويقول العلاّمة ح. تدمر: إن قلب آشور كان قد تحول إلى شبه آرامي (Semi Aramean) (3)، ويقول العالم أندره لومير المختص بالنقوش القديمة في مقال سنة 2004م بعنوان: الآراميون شعب ولغة وكتابة خارج حدود الإمبراطوريات: بالحقيقة حوَّل الآشوريون دولتهم إلى إمبراطورية آشورية–آرامية عندما دمجوا فيها أعداداً كبيرة من الآراميين (4)، ويقول الباحث السوفيتي ماتييف المختص في تاريخ الآشوريين في أطروحة الدكتوراه: قبل حوالي مائة عام من سقوط الدولة الآشورية تم توزيع أعداد ضخمة من الآراميين وأصبح في كل بيت آشوري حوالي عشرة خدم آراميين، وبمرور الزمن أصبح الشعب الآشوري كله تقريباً يتحدث الآرامية نابذاً لغته الأصلية، والتاريخ يعرف أمثلة كثيرة على تخلي شعب بأسره عن لغته الأصلية (5).

إن مدينة الموصل هي آخر مدينة عراقية دخلتها المسيحية، وكانت قرية فيها محلتان واحدة للفرس وأخرى للجرامقة الآراميون، ثم بُنيت الموصل في عهد عمر بن الخطاب بالقرب من نينوى القديمة (6) ، وأول ذكر لأسقف باسم نينوى هو احوادمة في مجمع يوسف سنة 554م وكانت الأسقفية تابعة لمطرانية حدياب، أي أربيل، علماً أن أربيل كانت مرتبتها الأسقفية في الكنيسة السريانية الشرقية هي السادسة حسب القانون 21 من قوانين مجمع اسحق 410م، وعندما أصبحت الموصل كبيرة بعد الإسلام، شاع استعمال اسم الموصل وأصبح فيها مطران سنة 828م، لكنها بقيت تابعة لحدياب ولم تستقل كأبرشية عن حدياب إلى سنة 1188م، ومنذ القرن السادس عشر بدأت أبرشية الموصل تظهر كنسياً أكثر من أربيل خاصة عندما انفصل السريان الشرقيين الذين سَمَّتهم روما (الكلدان) عن النساطرة واتخذوها مقراً ثابت لكرسيهم سنة 1830م، أمَّا الفرع الذي بقى نسطوري والذي سَمَّاهُ الانكليز فيما بعد آشوري سنة 1876م، فوجوده كان ضعيفاً جداً في الموصل مقارنة مع وجودهم في الشمال بين الأكراد، ويقول المطران أدي شير: لما اكتسبت الموصل أهمية كبيرة قُسمت أبرشية حدياب إلى قسمين، أبرشية أربيل وأبرشية الموصل، واتحدتا أيضاً فقيل أبرشية حدياب وأثور (7)، وهكذا يرد اسمها أبرشية أثور وحدياب، أي الموصل وأربيل، علماً أن الآباء السريان يفرقون بين نينوى والموصل، فيطلقون نينوى على اسم المنطقة الكنسية المحيطة بمدينة الموصل، ويطلقون اسم الموصل أو أثور أحياناً أقل حصراً على مركز مدينة الموصل.

وخلال التاريخ الطويل لمدينة نينوى أخذت أسماء عديدة منها، نينوى: وهو اسم سومري ورد في الكتابة المسمارية بصيغة ننوا ninua أو نينا nina، وهي نفس العلامة المسمارية التي تكتب بها اسم قرية (نينا) حالياً تل سرغل التابعة لمحافظة ذي قار (الناصرية) والتي كانت تابعة لسلالة لكش، وكُتب الاسم بمقاطع مسمارية بصيغة (آلو-ني-نا-آ)، أي نينوى التي حافظت على اسمها في المصادر العربية إلى يومنا هذا (8 )، حصنا عبرايا: سرياني (آرامي) بالعربي الحصن العبوري ومعناه حصن عبور من ضفة النهر إلى الأخرى، الموصل: عربي، معناه الوصل بين منطقتين، ويرى الأب يوسف حبي أنه ترجمة للاسم الآرامي السرياني الحصن العبوري (9)، وقيل يوناني Mespila أو مسيلا كما سمَّاها زينفون في القرن الخامس قبل الميلاد، وهناك من يرى أن ميسبيلا كلمة سريانية تعني مصب الإله، آشور أو أثور: لأنها كانت عاصمة الدولة الآشورية القديمة، نواردشير: فارسي ومعناها بلدة أردشير الجديدة، أقُور: يقول ياقوت الحموي وصفي الدين البغدادي: إن أثور أو أقور بالقاف هو اسم مدينة الموصل، وتوجد قرب قرية السلامية شمال الموصل بليدة خراب يقال لها أقور (يقصد نمرود) (10)، وأسماء أخرى للموصل مثل، رواند، خولان، هرمزد كوذا، أم الربيعين، الحدباء، وما يهمنا هو اسم آشور (أثور).

إن تسمية مدينة نينوى القديمة ب (آشور) هي تسمية عبرية وردت في العهد القديم واستعملها وروَّجها اليهود المسبيين من الأسباط العشرة من إسرائيل والذين ينتمي لهم السريان النساطرة أي الآشوريين الحاليين، وأصبحت آخر عواصم الآشوريين القدماء منذ أن اتخذها الملك سنحاريب عاصمة له، وصيغة آشور هي عبرية، أمَّا بالسريانية فهي أثور، وعن السريان وليس عن العبرانيين أخذ العرب الكلمة واستعملوها أثور وليس آشور، (راجع مقالنا صيغة أشور عبرية لا سريانية ولا عربية)، ولكن الآشوريين الجدد الحاليين يستعملون صيغة آشور للتأكيد على أصولهم العبرية الإسرائيلية، وتسمية الموصل بأثور هي المتعارف عليها بين اليهود إلى يومنا هذا (11)، وحتى اسم الموصل القديم حصنا عبرايا، عند اليهود معناهاه حصن العبرانيين، لأن اليهود كانوا قد أنشاءوه قرب الموصل (12)، ولتأكيد ارتباط الآشوريين الحاليين بإسرائيل فأنهم يقولون إن اسم إسرائيل مُركَّب من (آسر- ايل) ومعناه آشور الإله (13)، والرحالة اليهود مثل بنيامين التطلي (1165–1173م)، الحاريزي الاسباني (1190–1235م)، بيتاحيا الرتسبوني (1175–1190م)، وغيرهم من الغربيين يطلقون على مدينة الموصل اسم آشور مثلما يُطلقون عادة على القدس أورشليم، أوالمدائن بيث أرماي (بيت الآراميين) وساليق وقطسيفون، أو حدياب وحزة على أربيل او على بغداد اسم بابل، والجدير بالذكر أنه لشهرة بابل القديمة في العهد القديم من الكتاب المقدس ولقرب بغداد عن بابل القديمة شاع إطلاق اسم بابل على بغداد أيضاً في التفاسير التلمودية لشيوخ العشائر البابلية ومصنفات اليهود المتأخرين في العصر العباسي (14)، زكما أنه ا لا علاقة للكلدان الحاليين الجدد الذي ثبت اسمهم في 5 تموز 1830م بعد أن أطلقته روما على السريان النساطرة في قبرص في 7 أيلول 1445م، ومات حينها، فلا علاقة للآشوريين الجدد الحاليين أي السريان الذين بقوا نساطرة وسَمَّاهم الانكليز آشوريين سنة 1876م، وسَمَّوا كنيستهم آشورية في 17 تشرين أول 1976م، والذين يحاولون خدمةَ لأغراضهم سياسية استعمارية استغلال أحد الأسماء الجغرافية القديمة لمدينة الموصل الذي استعملهُ قسم من المؤرخين السريان واليهود والغربيين الذين احتفظوا بالأسماء القديمة.

إن إسناد لقب الأشخاص إلى مدن ومناطق جغرافية عادة شرقية دارجة في الأدب السرياني بين السريان الشرقيين والغربيين، (وحتى بين غير المسيحيين)، فمثلاً السريان الغربيين يُعرَفون بمدنهم كالشاعر يعقوب السروجي (من بلدة سروج)، والفيلسوف سركيس الراسعيني (بلدة رأس العين ريشعينا)، والفيلسوف اثاسيوس البلدي (من بلد)، ويعقوب الرهاوي (من الرها)، واسحق الأنطاكي من أنطاكية الخ، واستعمال الاسم الجغرافي يعتمد على منطقة الكاتب أو ما تَعوَّد الكاتب على استعماله مثل: حصنا عبرايا، الموصل، أثور، نينوى، اسوةً باسم مدينة بخديدا وهو فارسي، قرقوش تركي، الحمدانية عربي، أو مدينة الكوفة، الحيرة، عاقولا، أو مدينة أربيل، حدياب، أديابين، حزَّة، أو مدينة دهوك نوهدرا، أو مدينة بغداد، بابل (كما مر بنا)، مدينة السلام، الرشيد أو مدينة اسطنبول، بيزنطة، القسطنطينية، الأستانة، إسلامبول، أو مدينة أورشليم، القدس، أو مدينة المدائن، سلمان بك، بيت الآراميين، قطسيفون، ساليق، وأحياناً يستعمل الكاتب أكثر من اسم جغرافي للدلالة على اسم المدينة.

ويجب القول إن الكتاب السريان وتحديداً السريان النساطرة، هم أول من استعمل اسم الموصل على المدينة بعد الإسلام سنة 675م تقريباً (15)، والكتاب السريان ميَّزوا بين مدن بلاد آشور القديمة وخصوا الموصل فقط باسم أثور، فمثلاً: جمع طهمزكرد نصارى من أثور (الموصل) وحدياب (أربيل)، وكرخ سلوق (كركوك) وباجرمي (بين كركوك والموصل وأربيل) (16)، بل أكثر من ذلك فهم ميزوا بين نينوى والموصل، فمثلاً يقول مطران حْدَيْثة قرب الموصل يشوع ددناح +853 عن برقوسي: أصله من نينوى واتى وأقام ديراً في الحصن العبوري الذي هو الموصل (17)، ويقول توما المرجي عن مطران الموصل مارن عمه (754-778م) إن لصوص راقبوه وهو خارج من الموصل إلى ضواحي نينوى (18)، كما أن اسم نينوى هو أكبر من مدينة الموصل كنسياً، ولكنه أقل من حدياب أو أربيل، فنينوى هي مقاطعة كنسية ومدينة أثور أو الموصل ضمن مقاطعة نينوى التابعة لحدياب (19).

وفي أشهر وأقدم قاموسين سرياني-عربي في التاريخ مؤلفيهما هما من الكنيسة السريانية الشرقية النسطورية تحديداً (أي التي سَمَّى الانكليز أتباعها آشوريين) وهما قاموس الطبيب واللغوي السرياني أيشو بن علي (+900م تقريباً) حيث يقول: "ܐܬܘܪ، أثور" هي مدينة الموصل وما يجاورها (20)، والثاني هو السرياني اللغوي الكبير الحسن بن بهلول +963م فيقول: أثور اسم مدينة بناها سابور الملك وهي الموصل (21)، ويقول قاموس سميث سرياني-انكليزي إن اسم أثور هو مدينة الموصل بناها الملك سابور الفارسي، ويقارن بين كلمة أثور التي تعني الموصل وبابل التي تعني بغداد (22)، ويؤكد المؤرخ والبطريرك ميخائيل السرياني الكبير +1199م أن المقصود بأثور هي مدينة الموصل أو نينوى فقط فيقول: بعد أن دمر مروان بن عبد الملك بعلبك نزل إلى أثور التي تدعى نينوى، ويقول أيضاً: تفشَّى وباء في أثور-أي الموصل (23)، ويقول المعلم لومون الفرنساوي: إن أثور هي المدينة التي تُسمَّى الموصل (24)، وغيرهم كثير، فأثور وأثوري بالسريانية تعني الموصل والموصلِّي حصراً، وتقابل بغداد والبغدادي، البصراوي، الطور عبديني، النصيبيني، الباجرمي، المرجي، الاربيلي...الخ.

إن تسمية الموصل الجغرافية لدى السريان قبل الإسلام هو حصنا عبرايا، نينوى، أثور، واستعملت صيغة أثور من خاصة من سكان طور عبدين والجزيرة، واستعملوا كلمة أثوري على أي شخص من مدينة الموصل فقط، وبغض النظر عن قومية ودين ساكنها إن كان مسلماً، أيزيدياً، عربياً، كردياً، أو غيره، ولذلك ترى الأسماء المكتوبة على مئات الأضرحة لأبنائها ومنها عشرات الأضرحة لرجال دين من مناطقهم لا يُسمَّوَنهم الأثوري، بل الطور عبديني أو الجزراوي او النصيبيني..الخ، بينما رجال دين أصلهم من مدينة الموصل خدموا في منطقتهم وماتوا ودفنوا عندهم، يُطلقون عليهم لقب الأثوري أي الموصلِّي، وبهذا المعنى سُمِّيَ البطريرك اغناطيوس بطرس الرابع الموصلِّي (1872–1894م) المدفون عندهم الأثوري كما جاء في نقش سرياني على باب مذبح كنيسة مار إلياس في قرية باقسيان في طور عابدين يعود لسنة 1893م، (ܒܝܘ̈ܡܝ ܐܒܐ ܕܝܠܢ ܪܘܚܢܝܐ ܦܛܪܝܪܟܐ ܦܛܪܘܣ ܡܘܨܠܝܐ ܐܘܟܝܬ ܐܬܘܪܝܐ)، أي أن الكنيسة رُممت "أيام أبينا الروحي البطريرك بطرس الأثوري" أي الموصلِّي، وكذلك سُمي البطريرك السرياني أفرام الأول برصوم أو زكا عيواص وغيره من أهل هذه المناطق فقط "أثوري، أي موصلِّي"، لأنه من مواليد مدينة الموصل.

ومن غريب الأمور حتى اسم أثور الجغرافي المحصور استعماله تاريخياً بمدينة الموصل فقط، فإن استعماله نادر من كُتاب ومؤرخي السريان الشرقيين الذين سَمَّاهم الانكليز آشوريين، وأغلب كُتَّابهم ومؤرخيهم في التاريخ وأغلبهم من العراق يستعملون كلمة الموصل ونينوى، بينما الكتاب والمؤرخين السريان الغربيين الأرثوذكس من سكان مناطق طور عبدين والجزيرة وما جاورها يستعملون كلمة أثور على مدينة الموصل أكثر بكثير من السريان الشرقيين (25).

ومن المؤرخين القلائل جداً من السريان الشرقيين الذين استعملوا كلمة أثور على مدينة الموصل في عصر متأخر هو الشاعر السرياني الشرقي كوركيس وردا +1300م تقريباً، في قصيدته السريانية عن بطاركة الكنيسة السريانية الشرقية، وحين استعملها أطلقها على بطاركة الكنيسة السريانية الشرقية الذين من مدينة الموصل فقط، وقد أخذ كوركيس أسماء وأخبار البطاركة نصَّاً من المؤرخ السرياني ماري بن سليمان +1147م في كتابه الشهير (المجدل في أخبار فطاركة كنيسة المشرق) (26)، وكتاب المجدل كُتب بالعربية، واستعمل ماري جميع الأسماء بالعربية، فسَمَّى الموصل باسمها الموصل، بينما الشاعر كيوركيس الذي كتب بالسريانية نقل المعلومات عن المجدل استعمل أسماء البطاركة كل حسب مدينته أو منطقته، كقوله ابرأهم وشحلوفا الكشكري (من كشكر)، ويشوعياها الأرزوني (من أرزون)، وسبريشوع الجرمقي، وايشوعياب العربي (من بيت عرْبايي)، وسركيس النصيبيني (من نصيبين)، وأنوش من بيث كرمايي، واسرائيل الكرخي (من الكرخ) ويوحنا ابن مدينة السلام (بغداد).الخ، باستثناء البطريرك الذي ينحدر من مدينة الموصل فقط فسمَّاه بالسرياني "أثور"، ونقل لقب الموصلِّي وكتبه أثوري.

فحين يقول ماري بن سليمان في المجدل ص104 عن الجاثليق ماري بن طوبيا (987-999م): إنه من اسرة وجيهة من الموصل عُرفت بالثقافة وتربى في الدواوين، بينما ينقلها الشاعر كيوركيس: "ܡܪܝ ܡܐܪܝ ܐܬܘܪܝܐ ܡܢ ܛܘܗܡܐ ܚܠܐ ܟܘܢܝܐ، مار ماري الأثوري صاحب الحسب والنسب الفاخر"، فالأثوري بالسرياني يعني الموصلِّي.

وعندما يُسمِّي المجدل ص127 الجاثليق عبديشوع المعروف بابي الفضل بن العارض الموصلي (1075-1090م)، بينما كوركيس يُسمِّيه بالسرياني الأثوري (أي الموصلِّي).

وحين يقول المجدل ص152عن الجاثليق إيليا بن المقلى (1111-1131م): إنه كان من أهل الموصل وكان مطران الموصل وحزَّة، بينما يقول عنه كيوركيس: ܘܐܠܝܐ ܡܠܐ ܢܨ̈ܚܢܐ ܕܐܬܪܒܝ ܒܝܬ ܡܠܦܢ̈ܐ ܒܐܬܘܪ ܡܒܥܬ ܝܘܠܦܢ̈ܐ، إيليا تربى بين العلماء في مدينة العلوم أثور (أي الموصل).

وعندما يقول ماري في المجدل ص156عن الجاثليق عبديشوع بن المقلي (1138-1448م): إنه من الموصل، بينما يقول كوركيس أنه من مدينة أثور (أي الموصل)، ويُسمِّيها أثور الجميلة: ܘܥܒܕܝܫܘܥ ܡܐܢܐ ܓܒܝܐ ܕܡܢ ܐܬܘܪ ܟܪܟܐ ܦܐܝܐ.

ولاحظ الوضوح في استعمال اسم أثور بمعنى الموصل حيث أن الجاثليق مكيخا الأول (1092-1109م) لأن أصله من بغداد لكنه رُسمَّ مطراناً على الموصل قبل أن يصبح جاثليق، فعندما يقول ماري في المجدل ص137: استدعاه الجاثليق عبديشوع ورسمهُ مطراناً على الموصل وحزَّة (أي الموصل وأربيل)، بينما يقول عنه كيوركيس بالسريانية: ܡܟܝܟܐ ܕܗܘܐ ܒܐܬܘܪ ܥܠܠܢܐ، مكيخا الذي كان (مسؤلاً في أثور).

والدليل الآخر أننا في نفس الوقت نلاحظ أن الآباء من أصل غير موصلي الذين عُينوا أو شيَّدوا أديرة أو عملوا في الموصل، بقيت أسمائهم الجغرافية مرتبطة بهم، لكن عملهم مرتبط بأثور أو الموصل حيث يقول النص السرياني عن الجاثليق ايشوعياب الحديابي ܝܫܘܥܕܗܒ ܚܕܝܒܝܐ (649-659م): ܡܫܡܫ ܗܘܐ ܠܟܘܪܣܝܐ ܐܦܣܩܘܦܝܐ ܕܐܬܘܪ ܐܘܟܝܬ ܕܡܘܨܠ، خدم كرسي أبرشية أثور أي الموصل (27)، وكذلك نرى جورج بر طوبي المعروف بجورج الأربيلي الذي أصبح مطراناً على الموصل في عهد البطريرك عمانؤيل الأول (973-960م) وخليفته المطران ايشوع ياو الملقب بالمرجي أو الأربيلي أحياناً، ويقول الأب جان فييه الدومنيكي إن المقصود بمدينة أثور هو مدينة الموصل، وأكثر من ذلك فاثناء حديثه عن مدينة الموصل كنسياً يقول: بقيت أثور من بلاد آشور تنافس طور عبدين..الخ، ويعلق مترجم الكتاب قائلاً (يقصد المؤلف ب أثور في هذا النص، مدينة الموصل، ويضيف الأب فييه أن تاريخ برعيتا ُيُسمِّي مدينة الموصل أثورأو (28)، وأيضاً إيليا الذي بنى ديراً في منطقة الغزلاني سنة 610م تقريباً واسمه إيليا الحيري (وهو عربي)، وكبرييل الكشكري المتوفي بداية القرن الثامن الذي بعد عهد طيمثاوس الكبير 823م أصبح يُنسب إليه الدير الأعلى في الموصل قرب باشطابيا، وأبو نوح الأنباري الذي عمل سكرتيراً لحاكم الموصل في عهد الجاثليق طيمثاوس الكبير +823م، وغيرهم.

إذاً كلمة (ܐܬܘܪ، أثور وأثوري) باللغة السريانية تعني الموصل وموصلِّي حصراً وليس آشوري للدلالة على الآشوريين القدماء، فكل بطريرك ذكره المؤرخ ماري بن سليمان في المجدل أنه (من الموصل) حصراً، قال عنه الشاعر كيوركيس إنه (من أثور)، وكل بطريرك سَمَّاه بن سليمان (موصلِّي)، سَمَّاه كيوركيس (أثوري)، ولم يستعمل كوركيس لفظة "أثوري" لبقية البطاركة الذين ذكرهم وهم بالعشرات، فالموصل وأثور لدى الكاتبين ماري وكوركيس اسمان جغرافيان لمدينة واحدة، أثوري بالسرياني=موصلي بالعربي، مثلما أورشليم تعني القدس، والأورشليمي أي المقدسي أو حدياب والحديابي تعني أربيل والأربيلي، وبيث آرماي وقطسيفون وساليق تعني المدائن..الخ، وهذه بديهية لكل الدراسين والعارفين بالتراث السرياني، وإلاَّ فهؤلاء البطاركة الأربعة منذ بداية المسيحية إلى عصر الشاعر كوركيس هم آشوريون فقط، أمَّا بقية البطاركة فليسوا آشوريين لأن كوركيس لم يُسميهم "أثوري".

وكان قرار تثبيت يوحنا سولاقا أول بطريرك سرياني شرقي كاثوليكي على الكنيسة التي ثبت اسمها كلدانية في 5 تموز1830م يقول: تم تعينه على كنيسة الموصل في أثور الشرقية بسبب وفاة شمعون بطريرك الموصل..الخ (29) وبناءً على عريضة من أهل الموصل، وفي سنة 1565م كتب البابا بيوس الرابع إلى خلف يوحنا سولاقا عبد يشوع مارون الجزري (1555-1571م) ولقَّبه: بطريرك الآشوريين أو الموصل، أي بطريرك الموصل في أثور الشرقية (30)، وفي تقرير مطران صيدا ليوناردو هابيل إلى بابا روما سنة (1583–1585م) يقول: إن أولئك النساطرة الذين يسكنون مدينة آمد وسعرد والمدن القريبة تمردوا على بطريركهم الذي كان يسكن في دير الربان هرمـز قرب مدينة أثور وهي تسُمَّى اليوم بالموصل (31).

ويقول القس قرياقوس مختوق أن أثور هي بلاد (مدينة) الموصل (32)، ويؤكد الأب ألبير أبونا إن أثور هي مدينة الموصل عند توما المرجي وهو مؤرخ سرياني شرقي، وتأكيدا لكلامنا أن أثور هي مدينة الموصل حصراً وهي آخر مدينة دخلتها المسيحية يضيف ألبير أبونا قائلاً: ونعرف فعلاً أن مدينة الموصل أصبحت فعلاً كرسياً مطرانياً في عهد البطريرك ايشوعبرنون (823-828م)، وهكذا فأبرشية أثور الجديدة شملت أبرشية حدياب (أربيل) القديمة (33).

والرحَّالة الغربيين أيضاً يُسمَّون الموصل أثور، آشور، فيقول الرحالة جان دي تيفون الذي زار المنطقة سنة (1664–1665م): تقع مدينة الموصل التي كانت تُسمى فيما سبق أشور (34)، ويقول الأب الكرملي فنشنسو دي سيينا الذي زار العراق سنة 1656م: إن مدينة الموصل كانت في سالف الأزمان من أهم مدن آشور، وفي شمال المدينة شعب مسيحي من نساطرة ويعاقبة، وأغلبية المسيحيين في قرى الجبال بين حلب وأثور إلى بغداد هم نساطرة (35).

والخلاصة اسم أثور هو جغرافي لمدينة الموصل حصراً، ولا وجد لاسم آشوري للسريان الشرقيين الذين سَمَّاهم الانكليز لاغراض استعمارية، وجميع الكتب تتحدث مرارا وتكراراَ عن شعب سرياني، لغة سريانية، وأمة سريانية، ترات، موسيقى، شعر، سنسن وأشهر، وهذه التعابير تملأ آلاف المجلدات وبجميع اللغات، وفي كتب وكنائس السريان الشرقيين قبل غيرهم.
-------------------------------------------------------------------------------
                                                             المراجع
1:Researches of the Rev.E.Smith, and Rev.H.G.O.Dwight in Armenia, including a journey through Asia Minor and into Georgia and Persia,with,a visit to the Nestorian and Chaldean Christians of Oormiah and Salmas,م1833 ج2 ص203-204، 214-215، 224، 24، وراجع مقالنا هل النساطرة الآشوريين هم من الأسباط العشرة الضائعة من اليهود خاصة ج2.
2: المطران سليمان الصائغ، تاريخ الموصل ج1 ص38.
3: مجلد مسوبوتاميا وجيرانها ص450 Mesopotamien und seine Nachbarn
4:Les Araméens, un peuple, une langue, une écriture, au-delà des empires
5: جريدة النور البغدادية عدد 385 في 21/1/1970م.
6: التاريخ السعردي ج2 ص308.
7: أدي شير، تاريخ كلدو وأثور ج2 المقدمة ص15.
8: طه باقر، من تراثنا اللغوي القديم ص200-201، ومعجم الألفاظ الدخيلة 172.
9: الأب يوسف حبي، الموصل في المصادر السريانية القديمة ص140.
10: البغدادي، مراصد الاطلاع ج1 ص27، والحموي معجم البلدان، مادة أثور. ونمرود سُمَّيت أثور أحياناً كما في قصة مار بهنام وسارة التي أثبتنا خطئها ومصدرها.
11: إريك براوَر، يهود كردستان ص32.
12: الفونس منكانا، فاتحة انتشار المسيحية في أواسط أسيا والشرق الأقصى ص24. وأدي شير، شهداء المشرق ج2 ص179.
13: كبرائيل صومي، المقالات في الأمة السريانية ص37.
14: دائرة المعارف الإسلامية مج 4 ص3-4، وللمزيد وراجع مقالنا: أسماء مدينة بغداد التاريخية وسبب تسمية طائفة السريان النساطرة بالكلدان.
15: التاريخ الصغير، تعريب الأب بطرس حداد، ص72.
16: أدي شير، شهداء المشرق ج2 ص 245.
17: الديورة في مملكتي الفرس والعرب ص50.
18: الرؤساء توما المرجي ص 147.
19: الأب يوسف حبي، الموصل في المصادر السريانية القديمة ص140ص133-134
20: قاموس إيشو بن علي، طبعة يوري هوفمان، روما 1910م، ج1 ص63.
21: قاموس الحسن بن بهلول، طبعة باريس 1901م العمود 322.
22: R. Payne smite Thesaurus syriacus، ص420-421، 1879م. راجع مختصر القاموس الذي قامت باعادة طبعه ابنته سنة 1903م، ص62 (أثور كانت عاصمة الدولة الآشورية سابقاً واصبحت تعني فيما بعد مدينة الموصل).
23: تاريخ ميخائيل السرياني الكبير ج2 ص400 و411.
24: المعلم لومون الفرنساوي، مختصر تواريخ الكنيسة ص177.
25: للمزيد راجع الموصل في المصادر السريانية القديمة ولاحظ استعمال الاسم لدى الكُتاب السريان شرقيين وغربيين.
26: طبع الكتاب في روما عام 1899م باسم: أخبار فطاركة كرسي المشرق من كتاب المجدل لماري بن سليمان.
27: المطران الكلداني أوجين منا، المروج النزهية ص320، سرياني.
28: جان موريس فييه، آشور المسيحية ج1 ص58-61. ج2 ص602، 663، أثور من آشور ج2 ص801.
29: ارشيف البطريركية الكلدانية 2، تحقيق الأب بطرس حداد ص73.
30: البطريرك الكلداني دلي ص144. أيضاً راجع ألبير أبونا وعنده الجزري +1567م وهو الصحيح، الكنيسة السريانية الشرقية ج3 ص142مستندان على شموئيل جميل، علاقات الكلدان والكرسي الرسولي ص31-41، 63-69.
31: المطران الكلداني سرهد جمو، كنيسة المشرق بين شطريها، مجلة بين النهرين 95–96، 1996م، ونسخة منقحة للمؤلف في 10/5/2012م، مستنداً على شموئيل ص115–116.
32: حال الخلف بإزاء السلف، نبذة في أصل الكلدان النصارى واتساع ملتهم ولغتهم، مجلة المشرق1899م ص100.
33: توما المرجي، الرؤساء، ترجمة الأب ألبير أبونا ص71.
34: رحلات جان دي تيفينو في الأناضول والعراق والخليج العربي 1664–1665م، ترجمة وتعليق د. أنيس عبد الخالق محمود ص44–63.
35: رحلة فنشنسو الى العراق، مجلة اللغة السريانية، مج1،1975م، ترجمة بطرس حداد ص188-195.
 وشكراً
موفق نيسكو

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

2382 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع