قرطاسية مدرسية وقرطاسية دبلوماسية

                                       

                                                   كاظم فنجان الحمامي

هذه مقارنة حسابية وإدارية بسيطة لا تخلو من الطرافة سنجريها هنا للوقوف على حجم المفارقات العجيبة في تخصيصات القرطاسية المثبتة في جداول وميزانية المصروفات المالية للمدارس والكليات والمعاهد والمراكز العلمية, وما يقابلها من مصروفات مخصصة لقرطاسية أعضاء البرلمان العراقي.

فالقرطاسية المخصصة للمدارس الابتدائية والثانوية لا تتجاوز (150) ألف دينار بالسنة, بما يعادل (120) دولار أمريكي تقريباً, وتشمل دفاتر الامتحانات لكل الصفوف ولكافة المراحل الدراسية, بضمنها أوراق الأسئلة الفصلية والشهرية والأسبوعية, ومستلزمات الحصص الدراسية من طباشير وأدوات هندسية ومختبرية ووسائل إيضاح وخرائط وملصقات علمية ونشرات مدرسية, ناهيك عن السجلات والملفات والأضابير, وما يتبعها من أحبار وأقلام ودبابيس ومكابس وحاويات منضدية وغيرها من المواد الكتابية. .

فلو قسمنا هذا المبلغ السنوي (120 دولار) على تسعة أشهر (المرحلة الدراسية), لوجدنا ان مخصصات القرطاسية الشهرية المخصصة للمدارس لا تتجاوز (14 دولار) تقريباً في الشهر الواحد. .

تخيل مدرسة تضم أكثر من عشرين معلم أو معلمة, وفيها أكثر من (200) تلميذ أو تلميذة, لا تستحق في السياقات الإدارية أكثر من هذا المبلغ الشهري المقرر. .

قبل بضعة أيام تحدثت مع أساتذة أكاديمية الخليج العربي للدراسات البحرية, والتي تضم الكلية البحرية بكل أقسامها ومراحلها, وتضم معهد الرادار واللاسلكي, ومركز التدريب المهني, والمدرسة البحرية, وفيها أجنحة تعليمية تخصصية مهيأة لتأهيل طلاب الدراسات العليا للمراحل البحرية المتقدمة, وتعد من أكبر الأكاديميات البحرية في الوطن العربي, فعلمت منهم إن الميزانية السنوية المخصصة للأكاديمية لا تزيد على ثلاثين مليون دينار في السنة الدراسية التقويمية, بما لا يزيد على مليونين ونصف المليون في الشهر, ما يعادل (2000) دولار شهرياً لتغطية احتياجات الأكاديمية وتفرعاتها وأقسامها ومراحلها من خرائط ملاحية, وأجهزة سلامة, وبوصلات مغناطيسية وجايروية, ومقررات دراسية وتكاليف طباعتها, وحواسيب محمولة وثابتة, وأقراص مرنة وبرمجيات, ومستلزمات تشغيل وإدامة الوسائل التوضيحية والرادارات التشبيهية, والمواد المختبرية, وتكاليف شراء المطبوعات الملاحية والهندسية, والدفاتر والسجلات الامتحانية, وما إلى ذلك من أقلام وأحبار وأختام وأدوات وملاحق وملفات مكتبية, ومعدات للكبس والتجليد والتغليف, وأجهزة استنساخ, وهدايا طلابية للمتفوقين دراسياً, كلها بأقل من (2000) دولار في الشهر لتغطية نفقات القرطاسية في هذا الصرح البحري العملاق. .

اما على الصعيد الشعبي فان موسم بدء العام الدراسي بات يهدد ميزانية الأسر الفقيرة, ويرهق أولياء الأمور ويدخلهم في حالة التأهب لمواجهة مدافع الاستنزاف الموجهة ضد جيوبهم في ظل الارتفاعات المطردة في أسعار القرطاسية وملحقاتها الدراسية, وفي ظل غياب الرقابة التسعيرية في أسوقنا المحلية, بيد أن الفاتورة السنوية إن ارتفعت أو هبطت لا تتجاوز في حدودها القصوى (100) دولار في السنة للطالب الواحد بمعيار الأسر الفقيرة, ولا تتجاوز (200) دولار في السنة بمعيار الأسر الثرية. آخذين بنظر الاعتبار تدني مدخلات الأسر الفقيرة, والتي لا تزيد على (300) دولار شهرياً في أفضل ظروفها, وآخذين بنظر الاعتبار حذف المستحقات الدراسية, التي يدفعها الأثرياء من أولياء الأمور للمدارس الأهلية وللدروس الخصوصية باعتبارها من مفردات الترف العلمي, الذي ليس له ما يبرره سوى ضعف الطالب وتردي مستواه. .

يقال: إن البرلمان العراقي وافق على صرف 750 ألف دينار شهرياً (625) دولاراً لكل نائب من النواب (325 نائباً) كمخصصات قرطاسية, بمعنى إن المصروف الشهري المخصص لشراء قرطاسية النائب الواحد يزيد على المرتب الشهري لموظف يحمل شهادة البكالوريوس, ويصل إلى ستة أضعاف قيمة القرطاسية السنوية المخصصة لطلاب المدارس, وخمس ما تصرفه أكاديمية الخليج العربي للدراسات البحرية بكل فروعها وأقسامها ومراحلها ومختبراتها, بمعنى ان مخصصات القرطاسية لخمسة نواب تعادل مخصصات القرطاسية للأكاديمية كلها.

من المفارقات العجيبة ان المخصصات البرلمانية موضوعة المناقشة تصل إلى أضعاف أضعاف مصروفات القرطاسية المخصصة لإدارات المدارس بمقدار (31) مرة تقريباً, وتكفي لتغطية نفقات (7312) أرملة لا يتجاوز راتبها الشهري (100) ألف دينار, ويمكن صرفها لنحو (1462) موظفا من حملة البكالوريوس, لتغطية نفقات (1462) أسرة. .

لم يكن ألبرت آينشتاين يحلم في يوم من الأيام بمثل هذه المخصصات لشراء ما يحتاجه من أدوات مختبرية ومؤلفات علمية وأجهزة للقياس, وأقلام وحافظات مكتبية, ولم يكن (ماكس بلانك) يجد ما يعينه على شراء مستلزماته العلمية ببعض الدولارات, ولم تكن مدام كوري (ماريا سكلودفسكا) تجد ما يسد رمقها ويروي عطشها بسبب تردي مستواها المعيشي, الأمر الذي اضطرها للعمل بوظيفة خادمة حتى تستطيع مواصلة مسيرتها العلمية المضنية. .

لقد شيد هؤلاء العلماء الأعلام ركائز القفزات العلمية الهائلة, التي غيرت وجه التاريخ, ونقلت الشعوب والأمم من حال إلى حال, فإذا كانت مخصصات القرطاسية المصروفة للنواب هي طوق النجاة الذي سينتشلنا من دوامة المشاكل المستعصية, وهي القنطرة التي نعبر فوقها نحو جنائن المستقبل الواعد, والأجنحة التي سنحلق بها فوق سحب النجاح والتفوق, فإننا نرى إنها قليلة جدا, ولا تفي باستحقاقات ملائكة الرحمة, الذين بعثتهم إلينا صناديق الانتخابات حتى يقفوا معنا في محنتنا, ويداووا جراحنا, إما إذا ظهر العكس, وتبين لنا أن لا أمل بتحسن أحوالنا, فلن نجزع ولن نتذمر, بعد أن تعايشنا مع المصائب وتعودنا عليها, و(المبلل ما يخاف من المطر), وهنيئا لأصحاب النعيم نعيمهم و(للمواطن) المسكين ما يتجرعا. . .

والله يستر من الجايات

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

870 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع