حسن ميسر صالح الأمين
(أقوال من أجل الموصل في محنتها ومستقبلها - 24) .
شخصية عراقية أصيلة ، تنحدر من أب بغدادي وأم موصلية ، تحمل من خلالهما خصالًا بغدادية وموصلية كريمة ، فهي مزيج عراقي وخليط متجانس ، فواح بالمحبة والإخلاص ، يقطر من محياها الوفاء للعراق وشعبه ، وللموصل وأهلها بشكل خاص بعد الذي أصابهم ، وقد أجادت التعبير عن حبها الكبير ووفائها العالي لمدينة الموصل الحدباء وهي تنفض غبار الأسى والحزن وتنهض من كبوةٍ مرت بها وعاشتها في ثلاث سنين من ظلمة صعبة وظرف عصيب ، حين أرسلت مهنئة بالتحرير والخلاص ومعبرة عن كم هائل من الأمل والتفاؤل السعيد والثقة المطلقة التي تمتلكها وتشعر بها تجاه أهل الموصل وقدرتهم على تجاوز محنتهم ، حيث قالت :
(الموصل ... مدينة عريقة وجدت نفسها في منتصف الطريق بين مطرقة حاكم تخلى عن أداء الأمانة ، ورعاع استباحوا كل مقدس فيها ، وذوي قربى كان ظلمهم لها أشد وأعتى ، فأضحت مدينة حائرة تقلب الطرف في سماء ربٍ رحيم ترجو أن يرفع عنها الغمة ، ويعينها في تصديها لكل ظلمٍ أصابها ، ثم اذا هي بكل جراحها ، وعلى الرغم مما لحق بها من أذى أتى على كل جميل في تراثها وبناياتها وشوارعها ، وبعد الذي أصابها بفلذات أكبادها وشهدائها ، تستيقظ فتبث شعاعًا قد يبدو في بداياته وئيدا ، لكنه لعمري حي في إرادة أبنائه ، شيبًا وشبانًا ، نساءً ورجالًا ، انها الموصل أم الربيعين ، والتي ستبقى أبدًا اسمًا على مُسمّى ، حفظ الله الموصل وأهلها) .
إنها السيدة (غادة عبد العزيز حسون) ، من مواليد بغداد عام (1971) ، وهي أبنة أسرة مُغرمة بالعلم والثقافة ، فوالدها هو الأستاذ (عبد العزيز حسون) ، أحد الرموز العراقية في ميدان الإقتصاد والفكر ، الذين يواصلون نشاطهم بدأب في هذين المجالين ، وعمها هو الإعلامي والإذاعي المعروف ونقيب الصحفيين العراقيين الأستاذ الأديب (فيصل حسون) ، وهي خريجة (جامعة بغداد) ، كلية الإدارة والاقتصاد قسم إدارة الأعمال عام (1992) ، كانت تجربتها العملية الأولى بعد التخرج مباشرة هو العمل في شركة أهلية في بغداد حتى عام (1994) ثم سافرت إلى دولة اليمن نهاية العام ذاته ، وعملت هناك في شركات خاصة ضمن اختصاصها في المحاسبة وإدارة الأعمال حتى عام (1996) ، عادت بعدها إلى العراق وعملت في وظائف مختلفة في مجال اختصاصها ، منها في شركات خاصة وفي البنوك والمصارف الأهلية في بغداد حتى عام (2002) .
غادرت العراق نهاية عام (2007) متوجهة إلى سوريا حتى عام (2008) ، واستقر بها الحال في مملكة السويد منذ عام (2009) لتمارس عملها واختصاصها في مصرف سويدي منذ عام (2010) وحتى الآن .
تنتمي السيدة (غادة حسون) الى جيل المغتربين من الشباب والشابات المتنورين من الذين يعيش الوطن في عقلهم وقلبهم ويحاولون الإستفادة من تجربة وجودهم في المهجر ، حيث تقول وهي تصف حياتها في المهجر وبعيدًا عن الوطن الأم :
(أجد من الإنصاف أن أذكر أن حالة الإغتراب التي يحس بها الإنسان حين يشد الرحال إلى أصقاع الأرض البعيدة ، هذه الحالة تفتح لديه كذلك آفاقا واسعة وتغيير أنماط تفكير قائمة على القبول بالإختلاف ، نعم ، قد يبدو هذا الكلام مكررًا وعاديًا ، لكنه حقيقي ، ومن الصعوبة بمكان تطبيقه ، فان تعلم أنك تختلف مع الاخرين في طريقة تفكيرهم ونظرتهم للأمور وتتقبل أن الاختلاف في الراي لا يفسد للود قضية كما يقولون ، ليس أمرًا سهلًا ، وهو تمرين مستمر ، نمارسه كل يوم ، يُصيبنا من خلاله إحباطات مختلفة ، وتجتاحنا ردود أفعال وأفكار تُغّير فينا الكثير ، لتتبلور فيما بعد القدرة على فتح آفاق عقولنا ، والتفكير فيما صبناه من مدخلات في ما ورثناه من مُسّلمات وقوالب تفكير جاهزة أو اكتسبناها بفعل ذاتي عن طريق الإطلاع الشخصي)، وضمن هذا المنظور فهي تضع لنفسها ولأقرانها متجها سليمًا في تفاعلها مع الحياه فتقول (ما دمنا نتعلم شيئا جديدا كل يوم فنحن إذن نحيا كل يوم) ، وتُعدها فلسفةً لها ومنهجًا للحياة .
عُرفَ عنها اهتمامها وشغفها بقراءة ومتابعة كل ما يتعلق بالشأن العراقي والعربي وهذا ما أنعكس على مشاركاتها القيمة في إبداء الرأي والتعليقات والتفاعلات مع ما يُنشر في الصحف والمواقع الألكترونية أو على صفحات الفيس بوك وكان لها حضور قوي ومتميز في التفاعل والتداخل مع غالبية المقالات التي ننشرها فيما يخص الموصل وآخرها في سلسلة الأقوال التي ننشرها الآن تباعًا .
نشرت مقالات عديدة في صحيفة الزمان العراقية تناولت فيها تجربتها في بلاد المهجر وفي مواقع الكترونية عديدة وعلى صفحتها النيرة على الفيس بوك ، عكست في جل كتاباتها عن محاولاتها المستمرة في التعبير عن رغبتها الملحة في التخلص من القيود التي تحد من حرية التفكير ، وهي ترى في الكتاب صديقًا مهمًا وملهمًا ، وفي القلم تحديًا كبيرًا يستفزها كثيرا ويدفعها الى التعبير عما تحس به وتراه ، وهي تؤمن كذلك بأن لكل منا رسالة في الحياة ، يقضي أحدنا نصف عمره في البحث عنها والنصف الآخر في محاولة اللحاق بما لم يحققه ، وتقول إن هذا هو ما يجعل للحياة قيمة .
كتبت عن الغربة والتغيير والاختلاف وعن الطبيعة وعن أوضاع المنطقة ، وفي كل من مواضيعها تستنبط الدروس المأخوذة عن أي منها وتعطي الوصف الوجيز لها وتدعو لتجاوز النقيض وقبول الآخر .
نشرت بتاريخ (19/6/2017) في الموقع الأدبي للدكتور احمد الحَسُّو مقالًا عن الغربة بعنوان (اغتراب .. أم أفق جديد) ومما جاء فيه ، قولها :
((نتعهد دوما بشرح معاناة الغربة وكل مساوئها ونستفيض في هذا الشرح حتى يضطر المستمع لتكرار قول ، كان الله في عونك ، ما يغيب عن ذهن الآخر وما يغفل المغترب ذكره هو الصورة الأخرى ، التحديات التي تضعك أمام نفسك ، تكشف لك مواطن ضعفك ، جهلك ، قلة اطلاعك ، مسلماتك واحكامك المسبقة ، لتكتشف عالمًا أكبر بكثير من محيطك الذي ألفته في بلدك وبين أهلك ، تبدأ في اكتشاف عوالم جديدة ، قد يفقدك هذا الاكتشاف لوهلة توازنك ، ويضيع بوصلة اتجاهاتك ، لكن سرعان ما تسترجع صلابتك وتبدأ في ترتيب أفكارك واستيعاب كل المستجدات ووضعها في ميزان عقلك لتفرز الخبيث من الطيب .
وأضافت تقول : (في الغربة تتعلم انك لست أفضل من الآخرين إلا بأخلاقك ، وانك أن كنت تود البقاء على اتصال دائم بمجتمع متغير باستمرار ، عليك أن تستوعب فكرة انك يجب أن تفتح ذهنك للتعلم المستمر والتطوير الذي تنتجه هذه العملية وهي التي تصنع منك إنسانا أفضل ، في الغربة تكتشف انك بكل حقائبك التي أتيت بها محملة بموروثك واعتقادك وثوابتك ، تكتشف انها كنز تنهل من ثرواته كل يوم ، يساعدك في البقاء على قيد الوعي ، ويمنحك شعورًا بالثقة تكون في أمس الحاجة إليه غالبًا ، الابتعاد عن المحيط الذي ألفته يجعلك ترى تفاصيل ماكنت تلتفت إليها بحكم أنها مسلمات أو بديهيات ، تبدأ بالنظر إليها بعين الناقد المتفحص ، تكتشف أحيانا ان بعض هذه التفاصيل هي في البعد أجمل ، وتذهَل أحيانًا أخرى لقبح ما ترى ، المهم أنك تتجرد في وقفتك مع نفسك وتحاول أن تكف عن خداعها) .
واسترسلت بالقول ، يمنحك الإغتراب شعورًا غريبًا بالإستغناء ، لأنك تحس أنك في حال ترحال دائم ، لا جذور تربطك هنا ، إحساس خادع ، لكنه رغم ذلك مريح أحيانًا ، لأنه يمنحك احساسًا بأن حملك أخف وأنك في كل وقت على أهبة الإستعداد للسفر ، قد يكون من الصعب شرح معنى هذا ، لكنه خليط من الإنتماء والّا انتماء ، يشتد أحيانًا ويختفي أحيانًا أخرى .
أما عن التغيير ، فهي تؤمن بقوة بأن التغيير هو الثابت الوحيد في الحياة ودائما ما تقول أن كل (ما/من) حولنا بضمنهم نحن في دوامة (تغيير مستمر) حين نعيش في عالم مثل عالمنا اليوم ، في تسارعه المذهل ، نكتشف في كل لحظة أن التغيير سمة طاغية في كل تفاصيل أيامنا ، وحين ينظر كلٌ منا إلى عشرين عام خلت ، سنرى جميعنا أن ما تركناه في الأيام من تغيير لم نكن نتخيل حدوثه ، وقالت في أحدى مقالاتها ، نحن اليوم لسنا نسخة عن آبائنا ، كما أن أبناءنا لن يكونوا نسخة عنا ، نحن نتاج ظروفنا البيئة التي نحيا فيها ، إضافة إلى التأثير الكبير للعالم من حولنا ، وحين نتحدث عن التغيير نجد ذلك جليًا في كل ما نعيشه وفي طريقة تفكيرنا ونضجنا مع تراكم الخبرات وهذا الذي يحكم قراراتنا التي نأخذها كل لحظة سواء بوعي أو من عدمه ، أن ما يخيفنا أحيانا في هذا هو الإيقاع المتسارع وتراكم المعلومات التي نتلقاها يوميًا وإحساسنا بأننا لانهضم ما يحدث، هذا يظهر واضحًا في مقاومتنا لما يحدث أحيانا ، وأخرى في خضوعنا له لعلمنا أننا يجب أن نكون (مع/ ضد) لكن بالتأكيد ليس خارج الحدث ، والأهم في هذا كله ، هو أن نفتح قلوبنا وعقولنا لنفقه أننا حين نتغير فنحن نتطور دائما كبشر وأفراد في مجتمعاتنا .
ومما قالته عن الاختلاف في الرأي ، أنه شيء جميل ، فنحن مختلفون ، متفردون ، لكل منا حقيبة مليئة بأفكار وتجارب وأحكام اكتسبناها من الحياة ، والأجمل هو أن نفتح أبواب قلوبنا لنتعلم ونفهم ، نتعلم (ممن/ مما) حولنا ، ليس ضروريا أن نتفق ، لكن المهم أن ننصت لتستوعب عقولنا فيما نسمع ونرى ، إننا في كل يوم نتعلم (شيئا/أشياء) جديدة وهذا ما يبقينا أحياء ، لكل إنسان منا جوانب جيدة وأخرى أقل جودة ، لكن الخير مطبوع ، فقط يلزم أن نبذل جهدا لنجد مفاتيحه في أنفسنا وفي من حولنا ، نحن نتعلم من الأطفال كثيرا ، اختلاف الأجيال إثراء كبير لنا ، كما نتعلم من الكبار الحكمة ونأخذ خلاصة تجاربهم في الحياة ، يقدمونها لنا بكل سرور ، فقط ننصت ونفهم .
اتخذت من الطبيعة مثالًا حيًا في التعبير عن التغيير في الحياة حين شبهت فصل الخريف بها ( أي بالحياة) وقالت أنه فصل مثالي (الخريف) ، حيث نرى أثر هذه السمة حين نستيقظ كل صباح لنكتشف حلة جديدة أرتدتها شجرة كانت خضراء بالأمس وبدأت أوراقها بارتداء ألوان جميلة إيذانًا بقدوم فصل جديد .
وتضيف ، نحن نتعلم حتى من الزهور التي تنبت كل يوم ، تشق طريقها في الصخور وفي طين الحدائق ، وحين نتوقف عن التعلم ، فإننا نفقد الرغبة في الحياة ، كما دعت في كتاباتها الى الوقوف بوجه الملل الذي يحول بيننا وبين قدراتنا على الشعور بجمال العيش في الحياة ، فنحن نتعلم حتى ممن نختلف معهم كليًا ، نتعلم من الجميع حتى لا نكرر نفس أخطائهم .
وعرجت في تغريدة أخرى لها نشرتها على صفحتها الفيسبوكية ، على الأوضاع التي تمر بها المنطقة وبخاصة في العراق وسوريا وقالت ((إن ما يجري الآن سيسجله التاريخ بأحرف من دم ، جريمة أخرى يشترك فيها العالم مرة أخرى لإبادة مدينة وتاريخ وثقافة وأجيال كاملة .
وتقول متسائلةً ، حين ينتهي هذا كله ، ماذا سيجني من يظنون أنهم المنتصرون؟ وهل تساوي كراسي السلطة الكريهة كل هذه الدماء وكل هذا الدمار الذي حل ؟ ، ماذا ننتظر ممن سيبقى حيًا بعد كل هذا ، من رأى الناس من حوله يتساقطون كأوراق شجرة محترقة ، وكيف سيُكمل حياته ، وكيف يُنتظر منه أن يكون عاقلًا متوازنًا ، يبني ويعمل ويُعمر بلدًا عاث في شرايينه الفاسدون)) .
ووفاءً لشخص هذه السيدة الأصيلة ولمشاعرها الفياضة بالحب وبكل الشعور النبيل الخالص ولكلماتها الصادقة تجاه الموصل والنابعة من حس قويم ودراية بالأحداث وبعد نظر فاحص وثاقب ، وتقديرًا لمواقفها النبيلة ومشاطرتها أحزان البلد وأحزاننا وأتراحنا على ما حل بالموصل وأهلها في ثلاث سنين عجاف ، فكان حقًا لنا وعلينا أن يكون حضورها المشرف ضمن السلسلة أعلاه وأن يُسجل اسمها في صفحاتها لتأخذ استحقاقها بكل شرف وتميز فيما سيسطره التاريخ عنها وعن شخوصها .
وبعد : لقد اخترت مقولتها كما في الصورة أدناه وهي جزء من رسالتها أعلاه ، وهي صرخةً مدويةً بوجه من تولى أمر الموصل وقام على إدارة شؤونها والتي أرى أنها ترتقي لتكون مقولة يُسجلها التاريخ بحق قائلتها الفاضلة وهي لسان حال كل المحبين للعراق وشعبه الصابر المجاهد ولنينوى وأهلها بشكل خاص صدقًا وقولًا وعملًا ، فهي تعكس وصفًا بليغًا لكل ما جرى ويجري على أرض الموصل الحدباء ، أضعها أمامكم سادتي الأفاضل وأتمنى أن تروق لكم وتأخذ استحقاقها في مشاركاتكم وإبداء رأيكم السديد بخصوصها ولتكون مقولةً ثابتة وشهادةً رصينة صدرت من عراقية تتمتع بقلبٍ يُكنُ كل مشاعر الإنتماء والإخلاص والوفاء والشعور الصادق والنبيل على الدوام ، وأود أن اؤكد للجميع ما سبق ان أشرت إليه سابقًا في أكثر من مرة إلى أنني وفي بحر ما أنشر من مقولات لست بها بصدد إظهار السِيّر البهية والتعريف بالشخصيات فالكل كرام ومعروفون ولهم بصماتهم المتميزة وحضورهم المشرف ، ولكن وددت وأرجو التأكيد على مقولاتهم وتثبيتها كشهادة للتاريخ بحقهم وإظهارها وتوسعة نشرها والتي أطمح من الجميع من خلال ما أنشر منها تباعًا على التركيز على المقولة وأتخاذها عنوانًا عريضًا للنقاش وصب الإهتمام حول مضمونها وإبداء الرأي والإضافات حولها وهذه هي الغاية المرجوة من سلسلة الأقوال من أجل الموصل في محنتها ومستقبلها ، شاكرًا تفضلكم ومتمنيًا للجميع دوام التوفيق والسداد وتقبلوا وافر الإحترام والتقدير .
حسن ميسر صالح الأمين
6/11/2017
والمقولة هي :
الموصل ... مدينة عريقة وجدت نفسها في منتصف الطريق بين مطرقة حاكم تخلى عن أداء الأمانة ، ورعاع استباحوا كل مقدس فيها ، وذوي قربى كان ظلمهم لها أشد وأعتى ، فأضحت مدينة حائرة تقلب الطرف في سماء ربٍ رحيم ترجو أن يرفع عنها الغمة ، ويعينها في تصديها لكل ظلمٍ أصابها .
* لقراءة المقال ومتابعة التعليقات في الفيس بوك على الرابط ادناه :
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=10213964975419692&id=1269245661
3978 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع