الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل
جامع الخضر يعود لأحضان الموصل من جديد
بعون من الله تعالى وبعد جهود طيبة ومباركة لجمعية فعل الخيرات وعائلة المرحوم إبراهيم المعموري وعدد من المحسنين من أبناء محافظة نينوى، تم إعادة إعمار وتأهيل مَعلم ديني وتاريخي آخر في الموصل، هو جامع المجاهدي، والمعروف محليا (بجامع الخضر) أو الجامع الأحمر.
ففي يوم الخميس الموافق ٣١ / تموز / ٢٠٢٥ تم افتتاح جامع المجاهدي، من قبل السيد محافظ نينوى وجمع غفير من المصلين. علما أن هذا الجامع كان قد تم تفجيره خلال فترة سقوط الموصل 2014-2017.
https://www.facebook.com/100020415785774/videos/pcb.1658816668142177/772990525411959
جامع الخضر:
يُعد جامع الخضر أحد أبرز معالم الموصل الأثرية الإسلامية هو والجامع النوري الكبير وجامع النبي يونس وجامع النبي شيت وجامع النبي جرجيس عليهم السلام.
لسيدنا الخضر عليه السلام خصوصية خاصة في المجتمع الموصلي، وكانوا يقولون عنه: (الخضر خوّاض البر والبحر)؛ وكانت الناس تزور جامع الخضر للتبرك به. كما هناك حلاوة شعبية موصلية خاصة مصنوعة من الحلاوة والسمسم والجوز والهيل، هي (حلاوة الخضر). ولا زالت هذه الحلاوة مطلوبة بقوة في فصل الشتاء من داخل العراق وخارجه.
يُعد جامع الخضر أحد أبرز معالم الموصل الأثرية الإسلامية، وقد بًني في سنة 1178م 574هـ على يد أحد وزراء الدولة الأتابكية (الزنكية) مجاهد الدين قايماز (ت. 595 هـ).
هذا الجامع التاريخي يقع قلب مدينة الموصل على (شارع الكورنيش)، وكان يجاوره (لنادي العسكري) (نادي الضباط). ويقع الجامع على الشاطئ الأيمن من نهر دجلة، جنوبي الموصل، ويبعد عن مركز المدينة القديمة (باب الطوب) زهاء 500 متر.
سُمي جامع الخضر (الجامع المجاهدي) نسبة إلى بانيه مجاهد الدين قيماز وكان يعرف بهذا الاسم إلى القرن الرابع عشر الميلادي. كما كان يعرف أيضاً باسم (جامع الربض) لأنهُ يقع في الربض الأسفل من المدينة. وسُمي هذا الجامع كذلك (الجامع الأحمر)، لان مصلاه كان مصبوغاً باللون الأحمر. والاسمان الاولان هما الغالبان عليهِ في العصر الحديث.
وأهل الربض هم أهل الموصل الساكنين خارج أسوار المدينة، حيث كانوا بأمس الحاجة إلى بناء جامع لهم بعد أن أكتظ الناس في جامعي الموصل (الأموي والنوري) للصلاة فيهما بصلاة الجمعة، فبُني الجامع خارج السور وهو ثالث جامع بني لصلاة الجمعة في المدينة قديماً.
تقابل كلمة (الربض) كلمة (الجوبة) باللهجة العامية، وهي تسمية تُطلق على الأماكن المنخفضة من الأرض، حيث تنبت الحشائش فيها وتنسكب مياه المطر، فتصبح مرعى طبيعياً وسكناً أولياً للفلاحين وأهل المواشي. وقد وُجدت في الموصل ثلاث جوبات: جوبة البكّارة: وهي اليوم ما يعرف بشارع الكورنيش، تمتد من جامع الخضر إلى سوق الهرج في باب الطوب. الجوبة الثانية: في محلة النبي شيت، قرب دورة فاضل الشكرة. والجوبة الثالثة: في محلة العكيدات، قرب محطة القطار.
في سنة 580هـ /1184م، زار الموصل الرحالة الأندلسي ابن جبير، وصلى في جامع مجاهد الدين فاعجب به غاية الإعجاب لما شاهده من جميل موقعه، وحسن هندسته، وتنوع زخارفه، فقال في وصفه عند كلامه على الربض الأسفل: "وأحدث فيه بعض أمراء البلدة – وكان يعرف بمجاهد الدين– جامعاً على شط دجلة، ما أرى وضع جامع أحفل منه بناء، يقصر الوصف عنه، وعن تزيينه وترتيبه، وكل ذلك نقش في الآجر، واما مقصورته فتذكر بمقاصير الجنة ويطيف به شبابيك حديد، تتصل بها مصاطب تشرف على دجلة، لا مقعد أشرف منها ولا أحسن، ووصفه يطول، وإنما وقع الالماع بالبعض جريا إلى الاختصار".
وتحدث عن هذا الجامع ابن الأثير وذكر في حوادث سنة 575هـ إنه كان جامعاً كبيراً، وانه كان من أحسن الجوامع: ((... وفيها قارب الجامع الذي بناهُ مجاهد الدين قيماز - بظاهر الموصل من جهة الجسر - الفراغ، وأقيمت فيهِ الصلوات الخمس والجمعة وهو من أحسن الجوامع)).
وزاره الرحالة الدنماركي نيبور عام 1766م، وقال عنهُ: ((ويوجد خارج المدينة جامع كبير قديم يسمى الجامع الأحمر، ووجدت في داخلهِ تاريخاً وهو سنة 576هـ، ولم أستطع قراءة اسم بانيهِ لأن الكتابة كانت غير واضحة، ولقد قيل لي أن بانيهِ هو مجاهد الدين، ومن المحتمل أن مجاهد الدين هذا هو مجاهد الدين قيماز الذي ورد ذكره في تاريخ العالم العام)).
ويضيف نيبور قائلا: "وهذه النقوش والكتابات التي تغطي الجامع قلما يجد مثلها في جوامع الموصل... ومما يؤسف لهُ أن الترميمات المتتالية أهملت العناية بها وطمست معالم ما كان فيهِ من كتابات متنوعة وزخارف فلم يسلم منها سوى الزخارف الجبسية التي تعلو المحراب الرئيسي في المصلى وهو الذي يقابل الداخل إليهِ".
وفي العهود المتأخرة بعد سقوط الموصل بيد المغول والتتار صار المسجد في محلٍ بعيدٍ ناءٍ عن العمارة، وترك الناس الصلاة فيهِ وأهمل أمره، فتداعى بنيانه وطمست الكثير من معالمهِ، وسقط قسم من البناء في نهر دجلة، وكانت ترى أنقاضه تظهر في مجرى النهر عندما تأخذ مياه النهر بالنقصان في فصل الصيف.
وفي العام 1727م 1139هـ، أهتم بأمر الجامع والي الموصل علي باشا، فرمم قسماً من المصلى، ثم قامت مديرية الأوقاف بترميمهِ وصيانته في نهاية القرن العشرين.
في القرون المتأخرة صار الجامع يعرف بُاسم (جامع الخضر) لاعتقاد العامّة من أهل الموصل ان للخضر عليه السلام مقاماً به. وفي العهد العثماني كان هناك حمام زرياب وتقع قرب جامع الخضر عليه السلام.
بعد دخول القوات البريطانية الموصل في 10 تشرين الثاني 1918، وتعيين الكولونيل جيرارد حاكماً سياسياً وعسكرياً فيها عُيّن الكابتن بيس Base ليباشر عمله وكيلاً لناظر المعارف الموصل. وفتح الكابتن بيس في بناية الإعدادية الشرقية الحالية مدرسة ابتدائية باسم (المدرسة الخضرية)، لأنها تقع بالقرب من جامع الخضر (عليه السلام ) قرب الكورنيش في أيمن الموصل حاليا.
لقد كانت اعدادية الموصل أول مدرسة اعدادية تنشأ في الموصل وذلك عام 1895. وفي الخامس عشر من أيلول 1908 نُقلت إعدادية الموصل الى البناية الحالية للإعدادية الشرقية.
وفي سنة 1954 أصبح اسم اعدادية الموصل (الإعدادية المركزية) ونُقلت بنايتها الى موقعها الحالي في باب سنجار. ثم صدر قرار في مديرية المعارف يقضي بانتقال (الثانوية الشرقية) التي كانت تداوم في بناية تقع قبالة جامع النبي شيت إلى البناية الحالية (بناية الإعدادية الشرقية) وباشر الأستاذ المرحوم الأستاذ محمود الجومرد في 4 تشرين الثاني 1954 كأول مدير للثانوية الشرقية.
المدرسة الخضرية:
لقد كان جامع الخضر يقع خارج سور الموصل القديم، وقبل فتح (شارع الكورنيش) كانت المنطقة المحيطة بجامع الخضر يُطلق عليها (محلة الخضر).
يقابل جامع الخضر من الناحية الغربية أعرق مدارس الموصل الإعدادية الشرقية، ويقع جنوب جامع الخضر وعلى بُعد أمتار قليلة ثاني جسور الموصل (جسر الحرية).
لقد كانت المنطقة المقابلة للإعدادية الشرقية والممتدة من جامع الخضر إلى الجسر العتيق مناطق مزدحمة تضم عددا من الخانات والبيوت العتيقة وقد تم هدمها وأتخذ قسما منها مخازن تجارية عند فتح شارع الكورنيش في نهاية سبعينيات القرن الماضي، وقد جُدد بناء عدد منها بطراز يختلف عن السابق، وتم تحوير البعض الآخر إلى محلات تجارية.
لقد كانت محلة الخضر تضم (المدرسة الخُضرية) إحدى أقدم وأعرق المدارس الابتدائية والتي عمل فيها الرواد الأوائل من المربين، وتخرج من أروقتها العديد من قادة المستقبل.
أول مدير للمدرسة الخضرية هو الأستاذ أحمد عزت ال قاسم اغا السعرتي (1869– 1942)م وخلفه من بعده الأستاذ عبد العزيز الخياط ثم الأستاذ أيوب عبد الرحيم الصمدي.
ومن معلمي المدرسة الخضرية الأساتذة نعمة الله النعمة ورشيد أفندي الخطيب ونوري خيري ويحيى زهدي علي خان ويحيى قاف الشيخ عبد الواحد وعبد الرحمن صالح (1895-1992) الذي تعين فيها معلما سنة 1919 وكان مديرها يومذاك الأستاذ داؤد سليم، وكانت المدرسة ابتدائية ذات ستة صفوف.
أما المرحوم الأستاذ رشيد الخطيب (1886-1979) فيذكر انه التحق بالخدمة التعليمية سنة 1920 معلماً في المدرسة الخضرية وبقي بها حتى أحيل على التقاعد سنة 1945. وقد بلغ عدد تلاميذها في السنة الدراسية 1921-1922 (175) تلميذا وعدد معلميها 12 معلما.
لقد زار المدرسة الخضرية متصرف الموصل وهبي بك أمين ( والد الاكاديمية والشاعرة الكبيرة عاتكة وهبي الخزرجي ) في تشرين الثاني 1921 واشتركت المدرسة في الامتحان الوزاري في السنة الدراسية 1923-1924، وأحرز التلميذ فيها ( رشيد محمد زكريا ) المرتبة الاولى على العراق.
من تلاميذ المدرسة الخضرية الدكتور عبد الجبار الجومرد (1909 - 1971 )م أول وزير خارجية للعراق في العهد الجمهوري وله مواقف مشهودة فيها.
ومن تلاميذ المدرسة الخضرية كذلك الرحّالة والصحفي والمذيع المعروف ( يونس بحري) والد الدكتور سعدي يونس والدكتورة منى يونس بحري والدكتور لؤي يونس بحري أستاذ العلوم السياسية المعروف في جامعة بغداد سابقا وهو في أميركا حاليا.
ومن تلاميذ المدرسة الخضرية أيضا (عمر فوزي) والد المؤرخ الكبير الأستاذ الدكتور فاروق عمر فوزي و(أحمد أيوب) الصحفي والسياسي وشقيق القاص الرائد الكبير الأستاذ ذو النون أيوب.
ومن تلاميذ المدرسة الخضرية كذلك الدكتور محمد صديق الجليلي (1903-1980) الذي تخرج منها عام 1923 وعبد الخالق خليل الدباغ (1908-1967)) صاحب (معجم أمثال الموصل العامية) الذي تخرج منها عام 1925، وكثير من الشخصيات الموصلية في شتى المجالات والاختصاصات.
لقد تعرض جامع الخضر وشارع الكورنيش إلى التدمير أثناء فترة سقوط الموصل، وبذلت بلدية الموصل جهود طيبة لإعادة تأهيل شارع الكورنيش وتبليط الرصيف ووضع مساطب حديثة للجلوس، فضلا عن إنارته وزراعة بعض أشجار الزينة، كما بدأت بعض العوائل ترتاد هذا الشارع لقضاء أمسيات جميلة بنفحاته ونفحات دجلة الخير والبركة.
1002 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع