حسن ميسر صالح الأمين
(أقوال من أجل الموصل في محنتها ومستقبلها - 28) .
شخصية موصلية علمية ، تعكس خُلقًا سَمحًا ونُزوعًا مُسالمًا ، لا يعرف غير أن يقول حقًا ، صَمتهُ أبلغُ من حديثه ، وحديثه في حياته العامة هادئ ورائق ولائق ومسموع ومنجذبٌ إليه ، فإذا ما تحولنا إلى رحاب العلم وفضاء المعرفة ، نجده دقيقًا ترافقه توثيقاته وغوصه في أعماق الحضارة العربية الإسلامية والتاريخ ، والأندلسي منها بشكل خاص ، شخصية علمية وعملية ذات نشاط موسع على صعيد العراق والوطن العربي والعالم ، وهو إلى جانب ذلك مُنغمر في عشقه لمدينته ، متفانيًا في خدمتها والإخلاص لها ، بما يضعنا أمام شخصية وقادة ومصباح منير وهّاج وسيرة وضاءة لشخصية موصلية حد النخاع ، تحكي تاريخًا حافلًا بالعطاء والمنجزات ، ممتدةً لحاضر ملؤهُ الألم والحسرات والأحزان والشجون ، متطلعةً إلى مستقبل مضيء محفوفًا بالأمل والتفاؤل بغيثٍ من الباري جل في عُلاه ، يغسلُ ما حّلَ بالموصل الحدباء من كوارث وويلات أحدثتها مطر السوء التي حلت بسمائها وسط تقلباتٍ وظلماتٍ بعضها فوق بعض سببتها عاديات الزمن الغابر ، والعابر من بعد ثلاث سنين عجاف مرت بكل ظلم وقسوة عليها وعلى أهلها ، ذلك التفاؤل الكبير بالمستقبل السعيد ، يكتنفه الأمل بأنه سوف يحتفظ عن مرارة تلكم الأحداث والظروف وقسوة السنين وضراوة الدمار وبشاعة ما حصل في مدينتنا الموصل الحدباء ، بالذكريات الأليمة عمّا حدث لها ولأهلها فيما لا يستحقان ، وأخرى عطرة ممزوجة بالمواقف النبيلة التي أظهرت حقيقة معادن الرجال والنساء من أهلها ، حيث تباين المواقف ما بين الثبات على المبادئ الرصينة المُعرف بها أهلها فأضفوا على سمعتهم وعوائلهم من الذكر الطيب الشيء الكثير والذي لا يمكن تجاهله أو نسيانه ، وما ببن الترنح من المذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء من الذين تاجروا بقضيتها وشهروا البيع والتقسيم والتمجيد لمن خانها وغدر بها والتطبيل وراء هذا وذاك والإرتماء بأحضان المال ومن يدفع أكثر وسعّوا إليه سعيهم ، وهم شرذمة معروفون ومشخصون ، أو عمّن مالَ ميلًا عظيمًا بعيدًا عنها وعن حقيقتها الناصعة فسُجلت عليه وكسب ما يستحق من سمعة لا يُحسد عليها وألحقَ بتاريخ العائلة وسمعتها من الإساءة الكثير .
اليوم نستكمل في سلسلة الأقوال من أجل الموصل في محنتها ومستقبلها في سرد المواقف والأقوال التي صدرت عن شخصيات وطنية تمسكت بمبادئها وحافظت على ثوابتها الرصينة وسط الموج العالِ والسيل الجارف ، فلم تحد عن مبادئها ولن تثنيها الظروف والتقلبات ، بل كانت على الطريق المستقيم وكالقابض على جمر النار .
إنه الأستاذ الدكتور (عبد الواحد ذنون طه عبد الله آلطه) ، مواليد الموصل عام (1943) ، درس مدارسها وتخرج من الأعدادية المركزية عام (1961) ، وحصل على درجة البكالوريوس في التاريخ بدرجة (جيد جداً) من كلية التربية في جامعة بغداد عام (1965) ، ليبدأ حياته الوظيفية في نفس العام مدرساً في التعليم الثانوي في ثانوية تلكيف .
واصل دراسته وحصل على شهادة (الماجستير) في التاريخ الإسلامي من كلية الآداب بجامعة بغداد عام (1973) ، وباشر عمله مدرساً في معهد إعداد المعلمين بالموصل للفترة من (1975 - 1973) .
إلتحق ببعثة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في عام (1975) ، ونال شهادة (الدكتوراه) في تاريخ (المغرب والاندلس) عن رسالته الموسومة (الفتح والإستقرار العربي الإسلامي في شمال أفريقيا والأندلس) من جامعة أكستر (Exeter) بالمملكة المتحدة عام (1978) .
تم تعيينه بعد حصوله على شهادة الدكتوراه في جامعة الموصل وباشر عمله فيها عام (1979) ، وتدرج في الألقاب العلمية حسب الإستحقاق وحصل على لقب (الأستاذية) في عام (1988) ، وتولى المناصب الإدارية التالية : (وكيل ومقرر قسم التاريخ - كلية التربية بجامعة الموصل للفترة من عام 2001 - 1994) ، (عميد كلية التربية بجامعة الموصل للفترة من عام 2012 - 2005) ، حصل على لقب (الأستاذ الأول) في جامعة الموصل في العام (2010) ، أحيل الى التقاعد عام (2012) لبلوغه السن القانوني ، ولا يزال يمارس تخصصه بصفة (أستاذ متمرس) في كلية التربية للعلوم الإنسانية في جامعة الموصل .
أشرف خلال عمله التدريسي على (9) رسائل لطلبة الدراسات العليا للحصول على شهادة الدكتوراه و (18) رسالة للحصول على شهادة الماجستير في كليات (الآداب والتربية) في جامعة الموصل وفي الجامعة المستنصرية في بغداد ، كما شارك في مناقشة العشرات من رسائل الدكتوراه والماجستير في كل من جامعات (الموصل ، بغداد ، المستنصرية ، صلاح الدين ، عدن ، صنعاء ) ، فضـلاَ عن التدريس لطلبة الدراسات العليا في الجامعات المذكورة أعلاه .
بالإضافة إلى أعماله في التدريس ، فقد تولى رئاسة وعضويه المئات من اللجان العلمية في جامعات (الموصل ، بغداد ، صلاح الدين ، البصرة) والتي تم تشكيلها للإرتقاء بالمستوى التعليمي وإستحداث كليات وأقسام علمية وتحديد المناهج الدراسية لطلبة البكلوريوس والدراسات العليا وغيرها من النشاطات العلمية التي تستلزمها ظروف العملية التدريسية وبرامج الإرتقاء بها .
علاوةً على مشاركته في عضوية الجمعيات العلمية التالية : (عضو الهيئة الإدارية لجمعية المؤرخين والآثاريين العراقيين- فرع نينوى عام 1979) ، (عضو مجلس إدارة مركز البحوث الآثارية والحضارية في الموصل عام 1979) ، (عضو مجلس إدارة دار أبن الأثير للطباعة والنشر بجامعة الموصل عام 2005) ، (عضو إتحاد المؤرخين العرب) ،(عضو إتحاد الأدباء والكتّاب العراقيين)،(عضو هيئة كتابة التاريخ في الجمهورية العراقية عام 1985) .
قام بتأليف وإصدار العديد من الكتب منها :
(الفتح والإستقرار العربي الإسلامي في شمال أفريقيا والأندلس والصادر عن ، دار الرشيد للطباعة والنشر في بغداد عام 1982- وهو رسالة الدكتوراه ، وقد نشر أيضاً باللغة الإنكليزية في بريطانيا ، وصدر عن مؤسسة(Routledge بعنوان :
(The Muslim Conquest and Settlement of North Africa and Spain,
Routledge, London-New-York ,1989) -
وتم نشره باللغة الايطالية في مدينة جنوه الإيطالية عام 1998 بعنوان :
(Ľ espansione dell´Islam Insediamenti nel nord Africa e in Spagna, ECIG – Edizioni Internazionali , Genova, 1998) ,
(العراق في عهد الحجاج بن يوسف الثقفي - والصادر عن مؤسسة دار الكتب في الموصل عام 1985 - كما صدر طبعة ثانية عن دار المدار الإسلامي في بيروت عام 2004) ، (دراسات أندلسية - المجموعة الأولى - والصادر عن مؤسسة دار الكتب في الموصل عام 1986 - كما صدر طبعة ثانية عن دار المدار الإسلامي في بيروت عام 2004) ، (تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس - بالاشتراك مع آخرين - والصادر عن مؤسسة دار الكتب في الموصل عام 1986 - كما صدر طبعة ثانية عن دار المدار الإسلامي في بيروت عام 2004) ، (دراسات في التاريخ الأندلسي - المجموعة الثانية - والصادر عن مؤسسة دار الكتب في الموصل عام 1987 - كما صدر طبعة ثانية عن دار المدار الإسلامي في بيروت عام 2004) ، (تاريخ المغرب العربي - بالاشتراك مع آخرين - والصادر عن مؤسسة دار الكتب في الموصل عام 1988 - كما صدر طبعة ثانية عن دار المدار الإسلامي في بيروت عام 2004) ، (حركة المقاومة العربية الإسلامية في الأندلس بعد سقوط غرناطة - والصادر عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد عام 1988 - كما صدر طبعة ثانية عن دار المدار الإسلامي في بيروت عام 2004) ، (نشأة تدوين التاريخ العربي في الأندلس - والصادر عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد عام 1988 - كما صدر طبعة ثانية عن دار المدار الإسلامي في بيروت عام 2004) ، (موسى بن نصير - والصادر عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد عام 1989 - كما صدر طبعة ثانية عن دار المدار الإسلامي في بيروت عام 2004) ، (أُصول البحث التاريخي - والصادر عن دار الحكمة للطباعة والنشر في الموصل عام 1990 - كما صدر طبعة ثانية عن دار المدار الإسلامي في بيروت عام 2004) ، (تاريخ الدولة العربية الإسلامية في العصر الأموي - بالاشتراك مع آخرين - والصادر عن دار الكتب للطباعة والنشر في الموصل عام 1991) ، (أثر الحضارة العربية الإسلامية في الفكر الغربي - مشترك - والصادر عن دار بيت الحكمة - سلسلة المائدة الحرة - في بغداد عام 1997) ، (المدخل إلى التاريخ الإسلامي - مشترك - والصادر عن منشورات جامعة آل البيت في الأردن عام 2001) ، (دراسات في تاريخ وحضارة المشرق - والصادر عن دار المدار الإسلامي في بيروت عام 2004) ، (دراسات في تاريخ وحضارة المغرب - والصادر عن دار المدار الإسلامي في بيروت عام 2004) ،
(دراسات في تاريخ وحضارة الأندلس - والصادر عن دار المدار الإسلامي في بيروت عام 2004) ، (ابن عذاري المراكشي - والصادر عن دار المدار الإسلامي في بيروت عام 2004) ، (الرحلات المتبادلة بين الغرب الإسلامي والمشرق - والصادر عن دار المدار الإسلامي في بيروت عام 2004) ، (الإسلام في المغرب والأندلس - والصادر عن دار المدار الإسلامي في بيروت عام 2008) ، (تراث وشخصيات من الأندلس - والصادر عن دار المدار الإسلامي في بيروت عام 2008) ، (تراجم مشرقية ومغربية - والصادر عن دار المدار الإسلامي في بيروت عام 2008) ، (مواقف ودراسات في التاريخ والتراث - والصادر عن دار الحامد في عمّان عام 2014) ، (مصادر في تاريخ المغرب والأندلس - دراسة وتحليل - والصادر عن دار المدار الإسلامي في بيروت عام 2011) ، (الأصالة والتأثير - أبحاث في الفكر والتراث والصادر عن دار المدار الإسلامي في بيروت عام 2011) ، (أبحاث في تاريخ المغرب والأندلس وصور من التواصل الحضاري مع المشرق - والصادر عن دار الحامد للطباعة والنشر في الأردن عام 2014) ، (صور من الإسهام الحضاري لعلماء المسلمين في التاريخ والتراث - ، والصادر عن دار الحامد للطباعة والنشر في الأردن عام 2015) .
نشر ما يربو عن (120) بحثًا علميًا في العديد من المجلات العلمية الرصينة العراقية والعربية والعالمية منذ العام (1974) وحتى الآن ، تناولت سير ذاتية عن شخصيات تاريخية وعن أجهزة الأمن والشرطة السرية في العصور الخالية وعن الفتوحات الإسلامية والإصلاح النقدي وتعريب الدواوين ، وأخرى عن أثر الحضارة العربية الإسلامية على البلدان الأوربية وغيرها ، وعن نشأة التدوين التاريخي في الأندلس ، وعن القبائل البربرية في شمال أفريقيا قبل الإسلام وأماكن استيطانها وعن الجزية والخراج ومحاولة رفع مستوى الجباية وعن إشبيلية وأثرها في التراث العربي ، وغيرها الكثير بما تتمحور (البحوث) حول دراسته وتخصصه في التاريخ والحضارة العربيــة الإسلامية وأخرى عن تاريخ المغرب والأندلس .
كما كتبَ مقدمات (مداخل) بعدد (224) مدخلًا ، ترجمَ فيها لشخصيات علمية وتاريخية وحضارية ، تم نشرها في موسوعة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم المعروفة ب (موسوعة أعلام العلماء العرب والمسلمين) التابعة للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم والتي تتخذ من تونس مقرً لها ، كما أسهم في الكتابة لمشاريع تاريخية قومية وحضارية وإسلامية ، مثل موسوعة الحضـــارة الإسلامية التي يصدرها المجمع الملكي الأردني ، وموسوعة الموصل الحضارية التي أصدرتها جامـعة الموصل ، ومشروع كتاب الأمة العربية الذي تصدره المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلـــــوم في تونس ، والموسوعة الإسلامية في مصر ، وموسوعة العلماء العرب والمسلمين التي تصدرها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في تونس ، وموسوعتي (الجيش والسلاح) و (العراق في مواجهـــة التحديات) اللتـين أصدرتهما هيئة كتابة التاريخ في العراق ، وموسوعة العراق الحضارية وهي بصدد اصدارها قريبا عن جامعة الموصــل .
بالإضافة إلى نشره لعشرات المقالات التاريخية والعلمية والأدبية ، تم نشرها في العديد من الصحف ومواقع النشر الالكترونية ، كما وتزخر صفحته الفيسبوكية بالعديد منها .
ساهم بقوة وبحضور متميز في العديد من الندوات والمؤتمرات العلمية والتي يقارب عددها (30) ، عقدت في جامعة الموصل وجامعات عراقية أخرى ومؤسسات تربوية ومعاهد أكاديمية داخل العراق ، بالإضافة إلى مشاركاته في (38) من هذه المؤتمرات والندوات العلمية وكذلك إلقاء المحاضرات عن تاريخ الحضارة العربية الإسلامية في المغرب والاندلس تم عقدها خارج العراق في كل من البلدان التالية (الإمارات العربية المتحدة (ابو ظبي ، دبي ، العين) - الأردن ( عمان ، الزرقاء ) - مصر (القاهرة ، الإسكندرية) - المغرب (مراكش ، طنجة ، وجدة) - تونس - سوريا ( دمشق ، حلب ، حمص ، اللاذقية) - تركيا ( أنقرة ، إستانبول ، أزمير) - ليبيا - قطر - البرتغال - المدينة المنورة - الجزائر - موسكو) .
حصل على كتاب (شكر وتقدير) من رئيس الجمهورية الأسبق عام (1994) عن جهوده المبذولة في إعداد دراسة قدمت لديوان الرئاسة وقتئذ ، كما حصل على كتب (شكر وتقدير) من (7) وزراء للتعليم العالي والبحث العلمي للفترة من عام (1992 وحتى الآن) ، وكذلك حصوله على (19) كتاب (شكر وتقدير) صادرة من رؤساء جامعة الموصل للفترة من عام (1981 وحتى الآن) ، بالإضافة إلى (14) كتاب (شكر وتقدير) صادر من عمداء الكليات في جامعات (الموصل ، بغداد ، صلاح الدين ، جامعة الحدباء الأهلية ، جامعة حلب ، والمدراء العامين للدوائر الحكومية والوزارات العراقية ورؤساء الهيئات الإستشارية في وزارتي التربية والتعليم ورؤساء الجمعيات والمؤسسات التربوية والثقافية ورؤساء تحرير الصحف والمجلات للفترة من عام (1990 وحتى الآن) ، علاوةً على حصوله على كتاب (شكر وتقدير) من مدير عام مركز زايد للتراث والتاريخ في دولة الإمارات العربية المتحدة ، وكذلك من
المدير العام المساعد لمركز جمعة الماجد للثقافة والتراث في إمارة دبي ، وحصوله على كتاب (شكر وتقدير) من الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء في المغرب) ، رافقها حصوله على (35) شهادة تقدير وتمّيز وعرفان صادرة من جهات عدة ومستويات متنوعه وذلك عن مشاركته في أعمال المؤتمرات والندوات التي عقدت داخل العراق وخارجه وكذلك القاء المحاضرات عن التاريخ والحضارة العربية الإسلامية .
نال شهادة تقدير وتمّيز ودرع (محافظة نينوى) لمناسبة تنظيم معرض الكتاب الدولي الأول في محافظة نينوى - الموصل عام (2012) ، وكذلك حصوله على شهادة تقديرية من الأمين العام لرابطة العلماء في المغرب عام (2012) ، كما حصل على وسام المؤرخ العربي من اتحاد المؤرخين العرب في بغداد عام( 2014) .
ومما تجدر الإشارة إليه هو تكليفه للتدريس بصفة (أستاذ زائر) في عدد من الجامعات العراقية والعربية ولفترات زمنية مختلفة في كل من : (جامعة بغداد ، وجامعة صلاح الدين ، والجامعة المستنصرية ، والجامعة الأردنية ، وجامعة اليرموك ، وجامعة آل البيت ، وجامعة الزرقاء الأهلية في الأردن ، وجامعة عدن ، وجامعة تعز ، وجامعة صنعاء في اليمن) .
رغم ظروف الموصل القاسية وكثرة ما أصابها من أحداثٍ جسام ، آثر البقاء فيها رغم كل المخاطر والظروف وخصوصًا ما شهدته في حزيران (2014) وما تلاه ، تعلقًا بها وبحبها فلم يغادر أرضها ولم يكن ضمن القوائم الأولى لقوافل النازحين أو المهجرين منها ، فأنزوى في داره ليراقب الأحداث التي أطبقت على الأنفاس كمدًا وجثمت على القلوب حسرةً والمًا وحزنًا ويتطلع لرحيل تلكم الظروف البائسة بأقرب وقت وبأقل الخسائر والمتمثل بزوال الدواعش الأنجاس الذين جاسوا الديار فأكثروا فيها الفساد والقتل والتدمير ، مترقبًا إنتهاء العمليات العسكرية لتحريرها ، ووسط هذا الخلجان والحيرة في الأنفس ووساوس الشيطان الملازمة لحالة الترقب الشديد والقلق الكبير الذي ساور جميع من هم خارج الموصل على الأهل والأحباب هناك ، وحيث موج المنايا حولها متلاطم ، وصلني خبر بتاريخ (2016 /12/ 5) وبكلمات معدودات مفاده (أن دار الدكتور (عبد الواحد ذنون) قد تم قصفه وتدميره وقد نجا من نجا والله خيرٌ حافظًا وهو أرحم الراحمين) ، وعلمت بعد فترة وجيزة بنجاته ولله الحمد وعائلته من القصف الصاروخي الذي طال الدار وأحدث تدميرًا كبيرًا ، مما أضطره وعائلته الى مغادرة الموصل بتاريخ (2016/ 12/ 10) إلى محافظة أربيل للمكوث فيها حتى يقضيَ الله أمرًا كان مفعولا .
كتب لي على الخاص ليخبرني بكلماتٍ مختصرات عن مجريات الأمور وما حل به وبالأهل والدار قُبيل وأثناء رحيله القسري عنها قائلًا في بعض فقراتها :
(لم يكن في حسباننا ترك المدينة وفضلنا العيش فيها تحت أسوء الظروف ، ولكن فوجئنا بتحول منطقتنا الى خط صد وحوصرنا في بيتنا لأسابيع ، تكللت بإصابة الدار بعدد من الهاونات ثم بصاروخين مباشرين هدما الطابق الثاني على رؤوسنا وخرجنا بإعجوبة ، فلم يعد لنا دار نسكنه ، فغادرنا يوم (2016 / 10 /20) الى أربيل عن طريق بغداد في رحلة مضنية أستغرقت (18) يومًا ، حيث أمضينا ليلة واحدة في منطقة ( كوكجلي) ، ثم (3) أيام في قرية (الحود) جنوب الموصل ، ثم الوصول الى بغداد والمكوث فيها (أسبوعين) لغرض إصدار هويات الأحوال المدينة لمن لا يملكها من الأطفال الصغار لغرض الحجز بالطائرة ، ثم الوصول الى أربيل بتاريخ (2016/ 12/ 24) .
والحمد لله الذي نجانا مما أصاب الدار الذي كنا بداخله أنا وأسرتي المكونة من أولادي وأحفادي والبالغ عددهم (14) شخصًا كنا في الدار أثناء قصفه ، والحمد لله خرجنا جميعا من بين الأنقاض والحرائق والدخان والزجاج المكسور سالمين .
فراق الموصل صعب جدًا والأصعب هو ما حل بها ، سنبني ما تدّمر على قدر طاقتنا وهمتنا وأنا واثق بأن كل من غادرها قسرّا ، سيعود وسيعمر ما دمرته الحرب فالموصل لابد أن تنهض من جديد ولا يمكن للشر أن يدوم) .
وأثناء تواجده في أربيل ، نعى على صفحته الفيسبوكية بتاريخ (2017 / 6 /3) إستشهاد اخيه وعائلته بالكامل - رحمهم الله - خلال عمليات تحرير الجانب الأيمن في منطقة باب لكش قائلاً : (وصلنا خبر إستشهاد أخي سعد وزوجته وأبنه وأبن أختي الصغير مع عدد من الأقرباء الذين كانوا معهم في دارهم في منطقة باب لكش وجرح أختي وزوجها ، أثر تعرض الدار إلى صاروخ وذلك بعد معاناة طويلة من الحصار والجوع ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكتبهم من الشهداء ويتولاهم برحمته الواسعة ويسكنهم فسيح جناته) .
عاد إلى الموصل بتاريخ (2017/ 9 / 1) ليقف على أطلال داره المهدم ، وقد أصدق القول وبالفعل أتبعه ، وباشر على الفور في أعمال إزالة انقاض الدار وتسويته مع الأرض ، لإستحالة القيام بترميمه ولا يزال العمل مستمرًا ، وكان قد نشر على صفحته الفيسبوكية بتاريخ (2017/ 9/ 26) خبر البدء بهدم الدار لإعادة بنائه وأرفقَ صورة الدار وأعمال الهدم فيها قائلًا في منشوره : (أعتذر لأصدقائي جميعًا عن غيابي وعدم ردي على رسائلهم لإنشغالي بهدم داري بالموصل بعد تضررها البليغ في المعارك ، عمر الله دوركم وحماها وحماكم جميعا من كل سوء ، والحمد لك والشكر لك يارب على كل حال ، الحمد لك والشكر لك يارب أنك أنجيتنا من تحت أنقاضها ولا حول ولا قوة الا بك) .
سادتي الكرام : وكما أسلفت في مقدمة المقال أعلاه ، فبعد هذا التاريخ الحافل بالعطاء والمنجزات ، وهذا الحاضر المليء بالأحزان والآلام ، وهذا الواقع الحالي الذي يعيشه اليوم الدكتور الفاضل (عبد الواحد ذنون) والنابع من التفاؤل السعيد بالمستقبل القريب متحديًا كل ما مّر به من ظروف متجاوزًا محنتها بإندفاع كبير وعزيمة لا تلين وهمة الصابر المحتسب وبكل أملٍ بغدٍ مُشرق ، أصبح لزامًا علينا أن يكون إسمه ضمن سلسلة الأقوال من أجل الموصل في محنتها ومستقبلها ، فكان حقًا لنا وعلينا أن يُسطر إسمه فيها لتكون شهادة حق وصدق تجاهه في قادم الأيام ولتّطلع الأجيال القادمة على واحد من نماذج الإخلاص والثبات والصدق في القول والعمل الذي يتمتع به رجالات الموصل ونسائها فيما مرت على المدينة وأهلها من كوارث وويلات يصعب وصفها لشدة قساوتها وما حملته معها من بطش وظلم كبيرين .
وبعد ، لقد أخترت مقولته كما في الصورة أدناه وهي فقرة مجتزأة من تعليقه أعلاه والتي عبر فيها عن الكثير مما تعنية بإختصار شديد ، أضعها أمامكم سادتي الكرام متمنيًا أن تنال رضاكم وأن تأخذ صداها كمقولة وحكمة صادرة من رجل نبيل وعالم حصيف يُكِنُ كل الحب لمدينته وأهلها ، ويحدوني الأمل السعيد بمشاركتكم وتفاعلكم والتركيز على المقولة المختارة لتغدو شهادة للتاريخ بحق قائلها الفاضل وأتخاذها عنوان عريض للنقاش وصب الإهتمام بمضمونها وإبداء الرأي والإضافات حولها ، شاكرًا تفضلكم ومتمنيًا للجميع دوام التوفيق والسداد وتقبلوا وافر الإحترام والتقدير .
حسن ميسر صالح الأمين
4/12/2017
والمقولة هي :
فراق الموصل صعب جدًا والأصعب هو ما حل بها ، سنبني ما تدّمر على قدر طاقتنا وهمتنا ، أنا واثق بأن كل من غادرها قسرًا ، سَيعود وسيُعمر ما دمرته الحرب ، فالموصل لابد أن تنهض من جديد ولايمكن للشر أن يَدوم .
الأستاذ الدكتور
عبد الواحد ذنون طه
* لقراءة المقال ومتابعة التعليقات في الفيس بوك على الرابط :
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=10214193366129317&id=1269245661
2761 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع