أ.د. ضياء نافع
حول مقالة –( تولستوي بدل السخوي)
كاتب هذه المقالة (القصيرة بحجمها والكبيرة بقيمتها واهميتها) , او محبّرها ( كما يحلو له ان يقول ) هو الاستاذ سمير عطا الله ( صحيفة الشرق الاوسط بتاريخ 20/9 / 2018 ), وعنوان المقالة جذّاب ووجيز وعميق وشاعري , ويعبّر عن مضمون المقالة رأسا , ويؤكّد طبعا كل ما يمتلك الصحافي اللبناني عطا الله من خبرة وتجربة ابداعية طويلة في مجال العمل الصحفي و ايجاز سحر الكلمات وضغطها وموهبة صياغتها. ان الايجاز هو شقيق العبقرية حسب تعبير تشيخوف العميق والطريف ( أليس خير الكلام ما قل ودلّ), وقد استطاع عطا الله فعلا ان يجسّد هذا القول في عنوان مقالته تلك , فالعنوان هذا قد وضّح فعلا كل ابعاد الفكرة التي اراد الكاتب ان يقولها لنا.
لقد توقفت رأسا عند هذه المقالة عندما كنت أقوم بالاطلاع اليومي على الصحف العربية صباحا , وعندما قرأتها , قررت رأسا ان ارسلها اولا الى زميلتي الباحثة المصرية المبدعة أ. د. مكارم الغمري , مؤلّفة كتاب ( مؤثرات عربية واسلامية في الادب الروسي ) الصادر بالكويت في نهاية القرن الماضي , وذلك لان المقالة هذه هي اعتراف رسمي باهمية كتابها , اعتراف (ولو جاء متاخرا ) ولكنه مهم جدا, لانه يأتي من خارج اوساط المتخصصين في اللغة الروسية وآدابها . هذا اولا , اما ثانيا , فقد أثارت هذه المقالة في اعماق روحي الشؤون والشجون , وتذكرت كل معاناتنا ( نحن المتخصصين العرب في اللغة الروسية و آدابها ) عندما رجعنا الى بلداننا العربية بعد انهاء دراستنا في الجامعات والمعاهد الروسية , وكيف قابلونا في بلداننا , وتذكرت حتى جملة لازالت ترن في روحي وعقلي لحد الآن , جملة قالها لي أحد (مدراء!) وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق , بعد ان اطلع على وثائقي واختصاصي, والجملة تلك هي – ( ما لكيت ( لقيت ) غير اختصاص كل هذي السنين ) . وتذكرت ايضا , كيف استدعانا مرة (الملحق الثقافي العراقي !!!) في موسكو عام 1962 الى اجتماع في الملحقية الثقافية , وطلب منّا رسميّا ان ننتقل من كليّة الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها ) بجامعة موسكو الى كليات اخرى ( وكنّا آنذاك في الصف الثاني) , وذلك لان العراق , كما قال هذا الملحق الثقافي ( لا يحتاج الى اختصاصنا هذا ابدا !!! ) , وقد حاولنا مناقشته ( وكان لدينا طبعا حماس الشباب وحيويته واندفاعه), وبعد اللتي واللتيا والنقاش الحاد جدا, قال الملحق الثقافي , ان العراق (ربما يحتاج الى واحد او اثنين منكم في المستقبل البعيد ليس الا) . وتذكرت ايضا , كيف استطعت – وبصعوبة بالغة - ان اؤسس مركز الدراسات العراقية – الروسيّة في جامعة فارونش الحكومية عام 2007 , وكيف حاولت ان أربط هذا المركز المهم بجامعة بغداد , ولكني اصطدمت بنفس تلك العقلية البيروقراطية , التي لم تستوعب حتى حيوية هذه الفكرة وقيمتها واهميتها التاريخية, وقد اضطررت طبعا الى الغاء هذا المركز بعدئذ نتيجة هذه المواقف . لقد أشار الاستاذ سمير عطا الله في مقالته تلك قائلا الى اننا لم ( ننتبه الى وجود أشياء مهمة كثيرة غير الدبابات والقاذفات مما يجمع بيننا وبين الحضارة الروسية منذ ثلاثة قرون على الاقل ) , وهو على حق طبعا , ويدعو الكاتب في نهاية مقالته الى – ( تبادل ثقافي على مستوى الحضارتين ) , وما أحوجنا الى ذلك فعلا , وما احوجنا ان نبتدأ اليوم وليس غدا باتخاذ خطوات في هذا السبيل , واود – ختاما – ان اشير الى مقالتي بعنوان – ( نحو تأسيس صندوق للترجمة من الروسية الى العربية في موسكو ) كمثل على ذلك , واؤكد على امكانية تنفيذ هذا المقترح , والذي يعتمد بالاساس على استقطاع سنت واحد فقط لا غير من سعر كل برميل نفط تستخرجه الشركات النفطية الروسية في العراق , ويمكن لهذا ( السنت الواحد !) ان يموّل اصدار مكتبة روسيّة كاملة باللغة العربية.
1185 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع