قناة الجزيرة الفضائية وفي صدر نشرتها الإخبارية بتاريخ 25 آذار 2003 تعلن عن إسقاط مروحية نوع أباتشي أمريكية واسر طياريها في محافظة كربلاء من قبل عدد قليل من الفلاحين في قضاء الهندية التابع للمحافظة وببندقية شخصية لأحد فلاحين المنطقة ويدعى محمد عبيد منكاش... انتهى.
لقاء تلفزيوني مع الفلاح الذي أسقط الطائرة
بعد هذا الخبر قامت وسائل الإعلام المتواجدة بالعراق كافة ومنها الفضائية العراقية بالتوجه إلى مكان سقوط المروحية لتغطية خبر السقوط ومعرفة الحقيقة التي سأحاول سردها لكم بتفاصيلها كوني شاهد عيان على الحادثة والمسئول الفني على عملية إخلاءها من مكان وجودها بقضاء الهندية إلى العاصمة بغداد في رحلة استمرت 24 ساعة كانت مليئة المفاجئات التي لم تكن بحسابات فريق العمل.........
البداية كنت كأي شاب في مقتبل العمر لي حب وولع بالطائرات وعلوم الطيران المختلفة, وكان معدلي العالي بالإعدادية أهلني للانضمام إلى إحدى البعثات الهندسية المتخصصة بمجال هندسة الطائرات خارج العراق وبالتحديد في جمهورية مصر العربية, حيث أكملت سنوات الدراسة الخمس بهذا التخصص ورجعت بعدها لأخدم في سلاح طيران الجيش (وهو المكان المخصص لإدارة خدمات الهليكوبترات بالعراق في حينها) , لمدة زادت عن أثنا عشر عام تدرجت فيه بمناصب عدة من مهندس صيانة وتصليح ولحد وصولي إلى موقع المسئولية لعدد غير قليل من الطائرات المروحية ذات المنشأ الغربي في قيادة طيران الجيش .
من هذه المقدمة التي أرجو أن لأكون قد أطلت بها عليكم .... ابدأ قصة الطائرة الاباتشي؟ تلك المروحية الأمريكية الأغلى والأقوى بين مروحيات العالم والمتميزة بالمواصفات التي تتمناه كل جيوش العالم أن تكون ضمن أسطولها الجوي أثناء دخولها أي معركة ليكون النصر حليفها, فكان الأمريكان يتباهون بهذه المروحية المليئة بالتقنيات والتكنولوجيا المتطورة والقابلية العالية على المناورة , وأيضا بما تحمله من نوعية وكمية من الأسلحة المدمرة يستطيعون بها حسم أي معركة لصالحهم .
خلال العدوان الأمريكي على العراق وفي يوم ربيعي من شهر آذار من عام 2003 كنت جالسا ببهو الضباط في المكان البديل لمقر عملنا الرئيسي نشاهد ماتتناقله الفضائيات من أخبار المعارك وإذ بقناة الجزيرة الفضائية تبث على شاشتها خبرا مفاده نزول اضطراري لإحدى المروحيات الأمريكية من نوع الاباتشي بأحد بساتين محافظة كربلاء (جنوب العراق) وبالتحديد في قضاء الهندية.
أحسست وأنا أشاهد تلك المروحية العملاقة من على شاشة التلفاز أن ساعة المواجهة الحقيقية التي لطالما تمنيتها مع عدو اقترب كثيرا ليؤذينا قد حانت, وخصوصا أني كنت اعلم جيدا أن هذا الموضوع هو صلب اختصاصي العملي وواقع ضمن منطقتي الجغرافية المسئول عنها , وكما توقعت بعد ساعة من إعلان الخبر بوسائل الإعلام ومن خلال وسيلة الاتصال التي تربطني بقادتي اتصل بي القائد الأعلى ليبلغني بسرعة تشكيل مفرزة فنية من مهندسين وفنيين والتوجه إلى منطقة نزول هذه المروحية ومعالجة الأمر بإخلائها إلى منطقة أمنة ومعروفة لدينا في بغداد العاصمة ,وعلى الفور قمت بتحضير هذه المجموعة الفنية البطلة والذين تسارعوا لنيل شرف هذه المهمة علما أن حسابات عدم العودة أحياء إلى أهالينا كانت في مخيلتي لصعوبة الموقف ولما تحمله هذه المروحية من أسرار التكنولوجيا العسكرية الأمريكية التي كانت سراً من أسرارهم التي كان واضح لاحقا بضرورة الحفاظ عليها من قبلهم بكل طريقة, حتى لو أدى الأمر إلى تدميرها ؟؟؟ وهذا ماسنكشفه بسياق القصة, وكان الواجب هو بمثابة سباق مع الأمريكي المحتل للوصول إلى الهدف؟ فأيهما يسبق ويصل أولا .
عصراً وفي نفس اليوم توجهت مع مجموعتي الهندسية برفقة بعض عناصر الحماية الأمنية إلى مكان نزول الاباتشي , وكان جل تفكيري خلال رحلة الطريق هو كيفية التعامل مع الطائرة وذلك باستحضار كل ماتعلمته ومر علي من خبرة سنين العمل على الهليكوبتر علما أن من أهم مهامي السابقة هو أخلاء طائراتنا العاطلة بفترة المعارك, أما هذه الحالة لطائرة معادية ومعلوماتي الأولية تشير إلى إن الطائرة صالحة ومحملة بالسلاح وتصرف العدو غير محسوب فأما أن يلغمها ليفجرها أو سيعودون لإنقاذها؟؟
كانت الساعة قد قاربت الثالثة والنصف عصرا عند وصولنا لمكان الاباتشي التي كانت جاثمة في ارض زراعية لأحد المزارعين من أهل المنطقة وتبعد عن الشارع العام ب ثلاث كيلومترات فقط , لكن المشكلة التي شاهدتها أن المدخل الوحيد للمزرعة هو شارع ضيق جدا بالكاد مرت بها سيارتنا الصغيرة ,مما جعلني أبدا ان أفكر بكيفية أيجاد طريق بديل استطيع من خلاله إدخال الآليات والناقلة التي ستخلي هذه المروحية, وكانت هذه العقبة الأولى التي يجب أيجاد حل سريع لها, إضافة الى مشكلة الأهالي المتجمهرين حول الطائرة وكيف تخلي المكان لنبدأ بالعمل . وبالفعل تظافرت الجهود من خلال كل الموجودين على أخلاء المكان وإحضار المعدات اللازمة لفتح طريق بديل وإدخال رافعات لرفع ذلك العنفوان الأميركي (الاباتشي) الذي لطالما حلمت إن أشاهده على الحقيقة بعدما كنت أقرا عنه بصفحات الانترنت ،هذه الطائرة الضخمة وكأنها بناء حقيقي بأبعاد 4م عرض 18م طول و 5 أمتار ارتفاع حجم مأهول ومخيف بلونه الأسود ووشمه الذي يعبر عن حقيقتهم (شعار القراصنة) الذي يحمله وكما في الصورة أدناه .
الصورة \ لحظة وصولنا إلى مكان الهدف
لمسافة عدة أمتار ترجلنا من السيارات وسرنا باتجاه الطائرة وأثناء سيرنا تكلمت مع احد المسئولين المحليين عن نزول الطائرة وليس سقوطها لان الفحص النظري الأول أكد لي صحة المعلومات التي وصلتنا بأن الطائرة سليمة ولم تصب بأي أذى سوا أن طلقة اخترقتها في مكان ما , وهو سر نزولها الاضطراري والذي اكتشفته أثناء الفحص وكما اسبينه لاحقا.
أما رواية سقوط أو نزول هذه المروحية وكما استوضحناه من الأهالي والمسئولين المتواجدين...... أن سربا من المروحيات بحدود (5) هليكوبترات مرت من فوق هذه الأرض الزراعية قادمة من الصحراء بغرض الاستطلاع ،وكانوا على يقين أنهم لن يلاقوا أي مضادات كون ان المنطقة زراعية وأهاليها ناس بسطاء ومرحبين بتواجدهم كما انه لاتوجد أي وحدة عسكرية بالمنطقة. والحقيقة المفاجئة لهم أن الفلاحين البسطاء هم مسلحون بأسلحة شخصية ولم يرضوا على نفسهم الاحتلال وهذه شيمة كل العراقيين الشرفاء, فقاوموهم بإطلاق عبارات من بنادقهم الشخصية باتجاه هذه المروحيات وتشاء الصدف أن إحدى هذه الاطلاقات تصيب مكان معين في حزمة الكهرباء الموجودة داخل جسم الطائرة ( وكما سنبينه بسياق التحليل العلمي للحادث) مما جعل قائد الطائرة يأخذ قرار بالنزول فورا, وشاء حظه العثر الهبوط في هذه الأرض الزراعية والتي هي ملك لأحد الفلاحين ويدعى محمد عبيد منكاش وان عملية الهبوط لم ترافقها أي علامات من دخان أو نار عليها , وبعدها قام الطيارين وهم اثنان من سلاح البحرية الأمريكية ويدعى احدهم (توم) 22 سنة والأخر (راؤول) 21 سنة بالذهاب إلى الدار الموجودة بنفس الأرض لغرض الاختباء عندهم لحين وصول قوة منهم لإنقاذهم وهذا تصورهم الذي نُقل لهم من قادتهم من أنهم مرحبين بهم عند العراقيين وسيقدمون لهم المساعدة المطلوبة لإنقاذهم ولكن خسئوا حيث تم تقييدهم من قبل هذا الفلاح الشهم وبعض أقاربه وتسليمهم للسلطات المحلية التي بدورها رحلتهم إلى بغداد قبل وصولنا .
الجزء الثاني .... السبب المباشر لنزول الاباتشي؟؟ ورحلة العودة المثيرة الى بغداد؟؟ ؟وماحل بالاباتشي في حينها؟؟؟
1204 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع