من مظاهر الحياة العائلية أن الأولاد غالبا ما يخيفون بعضهم البعض باختلاق شتى الروايات غير الحقيقية. يصدق ذلك بصورة خاصة عندما تكون أعمارهم متقاربة.
وهو ما حصل لولديّ نائل وآدم. فنائل يكبر آدم بسنة ونصف السنة فقط. اكتشفت مؤخرا بأنه أثناء طفولته كان يخيف أخاه الصغير ويكدر مزاجه بقوله إنه ليس بأخيه الحقيقي. فالأخ الحقيقي نائل مات منذ مدة وأنه مجرد شبح (GHOST) لذلك الولد. سمعت بحكايتهما فمسكت أنفاسي وقلت لا عجب في كل هذه اللخبطة في الاقتصاد البريطاني، فنائل هو أستاذ الاقتصاد في كلية لندن للاقتصاد. شبح يدير اقتصادات البلاد! فلا عجب!
تحركت ذاكرتي بهذه الحكاية. فتذكرت أن أخي مؤيد الذي يكبرني بنحو ثلاث سنوات كان يهز أعصابي في طفولتي بقوله بأنني لست قشطينيا ولا أنتمي حقا لأسرتي، فقد عثر عليّ والدي ملقى بي طفلا رضيعا على جانب من المزبلة وراء مقبرة الشيخ معروف. فعطف عليّ وضمني للأسرة.
تحدثت عن ذلك مع زوجتي أم نائل. قلت لها ما هو الشائع في إنجلترا عندما يسأل طفل عن أصله، من أين جئت؟ فيخيفونه. قالت المعتاد أن نقول له إننا عثرنا عليه تحت شجرة توت.
قلت لنفسي، يا سبحان الله! حتى في الأساطير يتفوقون علينا. الإنجليز يعثرون على أولادهم في بستان التوت ونحن نعثر عليهم في المزبلة!
جرني الموضوع لاستفتاء بعض الإنجليز. قالت لي السيدة آنيتا جارتنا بأنها هي أيضا واجهت هذه المحنة في طفولتها. فأختها الأكبر منها بسنتين، سوزانا، كانت تقول لها إنها ليست حية حقيقة فقد دهستها سيارة وهي طفلة ولم يبق منها غير عظامها فذهب والدها للسوق واشترى عضلات وجلد بني آدم وركبها على عظامها وجعل منها طفلة حية.
وسمعت من سيدة أخرى أنها عانت كثيرا من العذاب عندما قالت لها أختها أنها بنت حرام. وحملت بها أمها بعد مضاجعة بائع الحليب. وظلت لعدة أسابيع تهرب منه كلما طرق الباب في نهاية الأسبوع ليتسلم ثمن الحليب من أمها.
وهذه مقاربة طريفة. فالمعتاد في بغداد أن نلصق تهمة الزنى ببائعات اللبن والقشطة. في إنجلترا يلصقون هذه التهمة ببائع اللبن في مضاجعته لست البيت. لا أدري أي تفسير نفسي أو اجتماعي نستطيع أن نفسر به هذا التباين في النظرة. ولكنني أتساءل هل حصل لأحد من أولادنا أن اتهمه أخوه الأكبر بأنه ابن بائعة اللبن وتركته أمه على عتبة الباب وهربت؟ وعلى كل فهذا موضوع طريف. يا ليت بعض قرائي يتحفونني بذكرياتهم وتجاربهم في هذا الميدان من الإرهاب الطفولي النفسي بين الاخوة والاخوات في طفولتهم.
1231 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع