عبدالكريم ابراهيم
( ُحب برائحة الكافور) وعودة إلى عوالم الرومانسية
المشاعر الإنسانية لا تتغير مهما تقدمت وسائل الاتصال الحديثة ،حيث أصيب العالم اليوم بحالة ذهول أمام هذا التقدم الهائل والمخيف في نفس الوقت بعلوم اختصرت الزمن وقربت البعيد، مما شيع بعض المتقولين على ضمور المشاعر وإطفاء لهيبها ،لان مشاكل الحياة أخذت الإنسان إلى عالم تسوده الأرقام والرموز . وسط كل هذه المشاكل التي تجعل الإنسان يتجرد من أهم صفة فطرها الله – سبحانه وتعالى- عليها هو الحب .هذا الأحساس الذي لم تستطع اعتى الأنظمة التكنلولوجية التحكم به وكبح جماحه وتفتيت خصائصه.
رواية ( حب برائحة الكافور ) لعادل العكيلي الصادرة عن مؤسسة الورشة الثقافية ببغداد سنة 2019 تقترب من ثنائيات العشق التي ألفها التاريخ العربي، وأصبحت مضرباً للأمثال. لعل وراء هذه العودة المحمودة إلى وجود حالة إنسانية ملحة تقتضي أن تكون هناك دور للحب كنوع من السلاح القوي في زمن الفتك والدمار الذي خيم على العالم محاولا تجريده من أهم صفة خالدة وهي الحب.
حاول العكيلي أن يخلد فترة مهمة من تاريخ العراق المعاصر،سادت فيها نوع من الاحتدام الثقافي والعسكري والطائفي، وتغيرت المفاهيم الأنظمة الحاكمة. ونلمس تلك التواريخ التي أطرت صفحات الرواية كي تكون شاهداً على ترتيب الأحداث "إنه تململ ،الضياع كما بدأ عليه من بعيد، وهو يتعكز ذلك الحائط المتآكل في احد أزقة الميدان لمرآب الباصات" . هكذا بدأت الرواية هي تصف احد أزقة بغداد القديمة التي محور الأحداث والصراع .انه المكان الواحد لتدور حوله بقية الاماكن (كلية القانون ، مديرية الامن ، سجن ابوغريب ، مدينة الصدر..الخ) ولعل نهاية الرواية هي الأخرى تقترب من حيث المسافة المكانية من الميدان حيث ضفة نهر دجلة الثانية وخضر إلياس في جانب الكرخ . دائرة الأحداث ليست واسعة بل هي محصورة في تلك الأمكنة السابقة، ولتعيد الحياة لمناطق بغداد القديمة بعد أن تحولت إلى مناطق صناعية وتجارية لا تعرف سوى المال والاقتصاد.
يسود رواية العكيلي صراع داخلي، صراع ازلي بين الخير الذي يمثله (مهند) طالب القانون ،والشر التحول في الولاءات المتمثلة في شخصية (تحسين ). الانتقال الحقيقي في تحول البطل في لحظة فقدان الأحبة من حالة الحب والتسامح التي عرف بها إلى منتقم " تعساً لقانون لا ينصف ،وانا رجل القانون ،ليس لي خيار غير الانتقام من الذين كانوا سبباً في تعاستي وتدمير حياتي (تحسن والقوات الامريكية ) سانتقم منكم اين تفرون مني " ص 114. هكذا تملكت (مهند) رغبة الانتقام وتحول من رجل مسالم عاشق الى ثائر منتقم، ولكن سرعان ما يعود الى طبيعته " اني قد عفوت عنكم واتمنى من الله ان يعفو عنا وعنكم جميعاً" ص153.
ونجد في (حب برائحة الكافور ) صدق المشاعر التي جسدتها تلك الابيات الشعرية الغزلية التي وشحت بعض الصفحات "
تذللت في الاوطان حين سبيتني وبت بأوجاع الهوى أتعذب"
ص 101 وأيضا في الصفحة 97"
ابلغ عزيزاً في ثنايا القلب منزلهُ أني وان كنت لا القاهُ القاهُ"
مع وجود حالة الهيام والعشق نجد في المقابل بؤس وشقاء سبب الفقر ومطاردة " يرتدي قميصاً اسود بصقته كل الوان الفصول المتعاقبة " ص9 وأيضا " الدوي يمزق الهواء الحرائق تعم، والنيران المشتعلة تلقي ظلالا متراقصة على الشوارع التي انقطعت عنها الكهرباء،ورائحة الموت تتسرب الى الانوف من جثث مضى عليها الزمن فتعفنت" ص72 ولعل أكثر ما آثاره عادل العكيلي في ورايته تلك الحرب التي أكلت كل شيء جميل " ما الذي احال المدينة الجميلة الى وجهها البائس الحزين " ص76 واخذ وصف الزنازين حصة لاباس بها من الرواية " كانت مصابيح الفلورسنت تصب انوارها على النزلاء فتضفي شعوراً عميقاً بالعزلة والخوف " . وقد تكون نهاية الرواية التي لا تختلف بعيداً عن الروايات القديمة ذات النهايات الرومانسية " ثم راح يتفحص وجه حبيبته ، وقد علا وجه علامات الفرح " ص189 ولعل النهاية قد تكون عودة الى زمن الحب رومانسياته " كانت ذكرياتهما تنزف بجنون وقد جمحت افراس الذاكرة الى يوم لقائهما الاول تحت شجرة اليوكابتوس ،حتى القت رأسها في حضنه وقد اغصت عينيها في شبه اغفاءة ،وقد احس مهند في تلك اللحظة بلذة الانتصار للمرة الاولى في حياته " ص190 .
مهد العكيلي منذ بداية روايته في استثمار الشبه بين البطلة سرى وتوأمها صبا ،ولكن لم يذهب بعيدا في هذا الاستثمار من خلال قلب موازين الرواية وجعل سرى هي من تفارق الحياة ليست أختها ( لعبة تبادل الادوار ) عندها نجد رد فعل مهند وهو يرى حبيبته تُبعث من جديدة بصورة جسدية وذات مشاعر مختلفة، ويمكن ان تكون النهاية غير تقليدية .
1157 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع