عبدالله عباس
كلمات على ضفاف الحدث - في حر تموز : البكاء على ألاطلال واذكار حكايات مؤلمة
عندما اتذكر التسلسل الحقيقي لتاريخ احداث العراق اشعر بصدق كلام الرجل المسن والذي قال عندما رأى الشباب المتظاهرين السلمين يقتلون في ساحة التحرير بدم بارد وبنوع من الطلقات كانت غريبه حتي في اسلوب توجيهها ‘ قال الرجل بحزن : مهما يتفلسف ادعياء السياسة والوطنيه و متمسكي ( وبأصرار ) على تحريك العواطف دون التعمق بالنتائج ‘ فاني واثق أن ماجرى لهذا البلد من خراب ودمار الى ان وصلنا الى ذلك اليوم المشؤوم 9 نيسان 2003 و وصل الحال الى ان لايخجل احدهم ان يقترح جعل ذلك اليوم (عيد وطني )للعراقيين ‘ كل ذلك حصل نتيجة تراكمات ذلك اليوم الذي صادف 14 تموز1958 حيث انفجرت فيه كل جروح العراق من قبل مجموعة العسكر ادعو انهم منقذي الشعب عندما لم يمنعوا ان يبداء يوم الاول من عملهم بتشجيع ( السحل ...!!!) طريقا للانتقام في حين كان البلد ولمدة عشرات السنين تنعم بالهدوء الاجتماعي و الناس منشغلون بالعمل البناء عداء بعض المزايدات السياسية كانت تحركها ايادي مشبوه .
قام مجموعة من ضباط الجيش العراقي بعملية إسقاط النظام وإعلان الجمهورية ؛ وتوجه (اليسار..) إلى الشارع بشكل أوحى للناس بأن هؤلاء هم الذين أسقطوا النظام وهذه هي الخطوه الاولى لتخلصهم من ( الإقطاع )مصاصي دم الشعب و (الرجعيين ) أذناب الإستعمار و (اليميني ) الشرير جاسوس الغرب الرأسمالي البغيض...كل ذلك بدون إعطاء الفرصة لأنفسهم وللناس ليعرفوا طبيعة ( الضباط الأحرار-هذا كان إسم القائمين بالتغيير) وإنتماءاتهم (الطبقية ) و(الاجتماعية ) و ( طموحاتهم كعسكريين) وأخطر من هذا دون معرفتهم بمدى تقبل أي واحد من القائمين بالتغيير لـ(فكر اليسار).... حرك (اليسار) الشارع العراقي مؤيداً (الزعيم ) فقط لأنه كان يتحدث عن الكادحين ولم تمر شهور ؛ نعم شهور وليس أعواما بدأ الصراع بين العسكر ..! وبدون تعمق الفقراء من الشعب ؛ راسماً له صورة القائد الشيوعي بإمتياز؛ وانتشرت في العراق ظاهرة رمي الحبل للإعدام أو السحل...! كل ذلك دون أن يكون لليسار أية قوة تنفيذية في السلطة ، ولم تمر فترة حتى قام الزعيم بمطاردتهم كما كانوا مطاردين أيام الملكية ؛ فما قام به اليسار في العراق نذيرالشؤم لهم في المنطقة عموماً و العالم العربي والإسلامي خصوصاَ , وحفظ الناس صورة اليسار وبيده حبل للإعدام أو السحل .
تذكرت هذه الصوره المؤسفة عندما اطلعت على ( إحتجاج ) أحد الأخوة من ( اليساريين )وهو يهاجم وبعصبية ( الرأسماليون وكلاب حراستهم من المثقفين..... وهم يعبرون عن فرحتهم بهزيمة اليسار ؛ بمأزقه وبأزمته ؛ وهم ( أي الرأسماليون وكلاب حراستهم.....كذا...) فرحين لأنهم يعتبرون إنتصارهم على اليسار ؛ إنتصارا للتأريخ وإنتصارا للحقيقة ؛ وهو بهذه الحالة العصبية يصرخ ويقول :( إن العالم بلا يسار عالم بلا صراخ ضد الظلم والعدوانيه وإستغلال الانسان ؛ وعالم بلا يسار عالم فقراء بلا محامين ؛بلا أشباح تخيف الرأسمالية وعالم بلا يسار عالم بلا قيمة أخلاقية إيجابية .....ألخ) ويؤكد في النهاية (....وكما أعلن بيان الشيوعية عن خوف الرأسمالية من شبح الشيوعية ؛ علينا أن نخلق أشباحنا..!!)
عند طرح صورة تصرف اليسار لانقصد إدانة (اليسار كفكر) لأن ماحصل لهذا التيار في هذه المنطقة ليس بسبب ( رداءة فكر اليسار) بل بسبب تصرف قادة اليسار , ليس فقط في منطقتنا بل في مركز الإدعاء بقيادة فكر اليسار العالمي أي (الإتحاد السوفيتي) حيث طبقت الإشتراكية بمفهوم :العدالة في توزيع الفقر بالتساوي ؛ ويسار الدول النامية كان ببغاء لترديد ما يصدر من خلف الستار الحديدي دون اعتبار لخصوصية كل شعب وبيئته وجذوره التأريخيه ؛ وأنا (شفت بعيني كما يقول المثل العراقي وما احد كلي) كيف كانوا في العراق يمجدون (أنور خوجة) قائد اليسارالألباني وهوالذي حول بنايات المساجد في بلده إلى مراقص ؛ إذاً كان يقود اليسار في منطقتنا أشخاص لم يكونوا يساريين ؛ بل مقلدين (حال من كان ولايزال غربي الهوى) وطرفين (المقلدين) لم يأتوا ؛ ولا يأتوا بما يتمناه أكثرية الناس في بلداننا ؛ لذا ترانا ولحد الآن نعاني من (التبعية المقيتة) مع الأسف ...وكما تحدثنا في موضوع أخر حول إزدواجية المثقفين وكذلك السياسيين وأشرنا إلى واقعة حدثت أيضاً في العراق :
في بدايات عقد السبعينيات من القرن الماضي ؛رفع أحد مثقفي (اليسار) صوته محتجاً على الركود وعدم إنتفاضة ضد الواقع المر في بلده والمنطقة قائلاً (أيا جيلي ..أيا جيلي مسيحَ مات في المنفى...؛ غريباً دون ترتيل ؛ مسيح آخر آتي...فمن يحميه..ياجيلي..؟) ومرت الشهور وليس سنوات العقد إختار صاحب الصرخة (غربة) ليعيش كما يريد تاركاً خلفه بؤس الناس دون أن يترك إرسال اللعنة لتخلفهم وأكاد أجزم أنه وفي دواخله وبعد أن إختار المنفى صاح ملىء فمه : (حيل بيهم...خلصنا من المتخلفين...!!) ويساري آخر وفي بلدي أيضاَ وفي نفس الفترة الزمنية أيضاً أقام الدنيا وهو ينادي لاشعال ثورة جيفارية في قلب الأهوار موطن المستضعفين طريقاً لجلب السعاده والحرية لهم ولكل الشعب..ولم يمر سوى شهور قليلة فاجأ الناس في بلدي بهذا الثوري (تحفه !) وظهر على شاشة التلفزيون معلناً إستسلامه للذين أشعلوا نار الثورة ضدهم قائلاً: رأيت نفسي ظهري على الحائط وأمامي الرفاق في الحكم... ماذا أفعل غير إنسجام معهم...؟وكانت جائزته العيش الرغيد في باريس تاركاً كل الدماء وعوائل الشهداء الحالمين بـ"وطن حر وشعب سعيد" في الأهوار للقدر؛ وبعد أن أكمل خمس سنوات في موقعه ولم تقبل السلطة تجديد بقائه , وفي باريس تحديداً ركض إلى جبهة المعارضة ؛ وعندما عاد إلى وطنه الممزق شغل قلمه لتشجيع النفس الطائفي (بصيغة اليسارللألفية الثالثة)...هكذا ذاق الشعب من (اليسار بس بالاسم) الأمرين..ولكن عندما قاد اليسار الفيتنامي حرب التحرير لتوحيد الوطن وطرد المستعمر ؛ بعد الانتصا ر لم ينتظر يوماً واحداً لتباحث وتقاسم السلطة بين الشمال والجنوب ؛ مع خروج آخر جندي أمريكي مهزوم رفع علم الوحدة فيتنام لأنهم كانوا يساريين بالفعل
وصدق من قال : إذا كان إنهيار الإتحاد السوفيتي وسائر دول المنظومة إلاشتراكية من الإيجابيات كون هذا الإنهيار قد كشف عن هشاشة الانتماء وضحالةالكثيرين لأطياف مثقفي اليسار الماركسي وكأن هذا الإنهيار ضرورياً للكشف عن الوعي الزائف والانتهازي لهذا النمط من المثقفين ؛وأصبح اليسار عندنا نوعيين :اليساري الهوى والامريكي النهج ؛ والثاني الباكي على أطلال .
• مختصر مفيد :
لااعلم من باع الوطن ..! ولكنني رايت من دفع الثمن / الشاعر الخالد محمود درويش
3822 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع