نزار جاف
الإشکال والحقيقة في إيران
لايزال هناك المزيد من الوقت للحکم عما سيجري عليه الامر في العراق بخصوص قضية تهديد السفارات وخصوصا السفارة الامريکية من جانب ميليشيات مسلحة لم يعد سرا بأنها تتحرك وفق مخطط مرسوم لها وليس من تلقاء ذاتها کما قد يتصور البعض. ومن السذاجة التصور بأن هذه الميليشيات ستحرق الاخضر واليابس وتدفع بالامور الى خط اللاعودة، فذلك ليس أبدا في صالحها ولا في صالح نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية الذي يراقب الاوضاع عن کثب.
المواجهة أو بالاحرى الخلاف القائم بين الميليشيات والاحزاب التابعة لطهران وبين الدور والتواجد الامريکي في العراق، هي مواجهة أميبية من حيث الاشکال التي تتخذها، والذي يبدو واضحا بأن هذه الميليشيات والاحزاب تريد عن طريق ضربات أو حتى سيناريوهات محددة إلقاء الرعب في قلوب الامريکيين ودفعهم الى مغادرة العراق أو على الاقل تخفيف دورهم وحضورهم فيه الى الحد الذي يسمح لإيران"وأولادها" بالعب کما يريدون في الساحة العراقية، ولايبدو في الافق هناك إمکانية لحدوث هکذا تطور خصوصا وإن واشنطن باتت تدرك خطئها الفادح في عام 2011، بسحب قواتها من هناك وترك الساحة للعب والعبث الايراني الذي وإن حرص على اللعب والعبث بعيدا بعض الشئ عن الامريکيين، لکن مع ذلك کانت واشنطن ولازالت تراقب عن کثب سعي رجال الدين في إيران من أجل جعل العراق ساحة مغلقة خاصة بهم
الحقيقة التي صار خامنئي وروحاني قبل غيرهم من رجالات الحکم في إيران يدرکونها جيدا، هي إن اللعب والعبث الذي کانوا يقومون به في المنطقة عموما والعراق خصوصا أبان عهد أوباما، لايصلح في عهد ترامب، خصوصا بعد تصفية قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، ولذلك فإننا لو لاحظنا طريقة واسلوب لعبهم وعبثهم في لبنان والعراق نجد إن طهران تحرص کثيرا على إتخاذ الحيطة والحذر في هذين البلدين، وحتى إن التغاضي أو التجاهل الاجباري الذي لامناص منه لحسن نصرالله عن ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل وعدم إثارته و"ولي نعمته" ماقد أثاروه بشأن إنتخاب رئيس الجمهورية في لبنان أيام أوباما، يعطي قناعة بأن ملالي إيران وأتباعهم في المنطقة عندما يطلقون شعارات حماسية وتهديدات عنترية فإن ذلك شئ، وعندما يرتطمون بصخرة الواقع الصلبة جدا کما يجري حاليا، فإنه شئ آخر.
قبل بضعة أيام، خرج روحاني وهو يدلي بتصريحات ليست بجديدة وغريبة على المتلقي الايراني في الداخل لأنه تعود على هذا النمط، لکنها تعطي إنطباعا غير عاديا للمتابع والمراقب السياسي خارج إيران بالمستوى غير العادي الذي وصلت إليه الاوضاع والامور في إيران من سوء بحيث يبادر روحاني لإطلاق هکذا تصريح، إذ وبحسب ماقد نقلته وكالة الأنباء الرسمية (إسنا)، قال حسن روحاني في اجتماع مقر مكافحة كورونا:" قيل هذا الصباح إن الوضع الاقتصادي لألمانيا سلبي 2.5 واقتصادها ينكمش وينمو بشكل سلبي. ألمانيا بلد متقدم لا يواجه عقوبات. لا بد أن اقتصادنا كان في وضع أفضل من هذا الرقم، وكان نمونا إيجابيا، أو إذا كان سلبيا، فإن وضعنا أفضل من وضع ألمانيا" من الواضح جدا بأن هذه المقارنة مضحکة وليست مثيرة للسخرية فقط، إذ إنها أشبه والى حد بعيد بکلام الذي يصل الى درجة اليأس والقنوط فيطلق في وجه العدو الاقوى منه والذي لاحول ولاقوة له بمواجهته کلاما أکبر منه، ولاريب من إن الاسلوب الايراني في التعامل مع الامريکيين في العراق والمنطقة يجري بسياق شبيه لهذا التصريح الملفت للنظر لروحاني.
أوضاع إيران الداخلية من جهة، وأوضاع البلدان الخاضعة لنفوذها وفي مقدمتها العراق ولبنان، ليست سيئة بل وحتى وخيمة وتقترب من درجة الميٶوس منه وبشکل خاص جدا الوضع الايراني ذاته والذي قد تجمعت وتکالبت عليه التهديدات من کل جانب الى الحد الذي صار قادة ومسٶولون يحذرون من إندلاع إحتجاجات قد تجرف معها کل شئ خصوصا وإن الولايات المتحدة وبلدان أوربية بدأت بإطلاق إشارات ذات مغزى لطهران من أهمها ماقد صرحت به المتحدثة بإسم الخارجية الامريکية في تموز المنصرم من إنه: "يمثل التاسع عشر من يوليو بداية لما يسمى بلجان الموت في إيران" مٶکدة بأنه وطبقا لحكم من خميني، فإن هذه اللجان أعدمت الآلاف من السجناء السياسيين المعارضين بشكل غير قانوني أو ورد أنهم اختفوا قسريا. مدرفة من إنه يعرف الرئيس الحالي للقضاء في إيران ووزير العدل الحالي كلاهما أعضاء سابقين في "لجان الموت" هذه. وهذا التصريح إذا ماإضفناه الى قرار المدعي العام السوسيسري بإعادة فتح التحقيق في جريـمة إغتيال المعارض الايراني کاظم رجوي في جنيف عام 1990، وعطفنا الامرين على محاکمة الدبلوماسي الايراني أسدالله أسدي ومجموعته في بلجيکا في 27، من تشرين الثاني المقبل في بلجيکا بتهمة التخطيط لتفجير مکان تجمع حاشد للمعارضة الايرانية في باريس عام 2018، فإن الرسالة الامريکية ـ الاوربية لطهران تتوضح کثيرا، واللعب والعبث الايراني في ظل هکذا أوضاع لن يکون سهلا أبدا خصوصا وعندما يجد إن هناك من يتربص به، والذي يصعب ويعقد اللعب والعبث الايراني في العراق أکثر فأکثر، إن الشارع الشعبي بما فيه المکون الشيعي في بلدان المنطقة ولاسيما في العراق ولبنان، ليس لم يعد متحمسا لهذا اللعب والعبث بل وحتى کارها ورافضا له، ولهذا فإن طهران ومن دون شك مجبرة إجبارا على البحث عن سيناريوهات ولعب ومسرحيات جديدة يجب أن تتلائم مع هذه الاجواء لکن مع ملاحظة مهمة جدا وهي إن ذلك سيکلفها هذه المرة ولن يمر مرور الکرام، وحتى إن سعي بعض الاطراف المحسوبة عليها لرکوب موجهة الرفض والکراهية لها، لايبدو هو الاخر مفيدا وعمليا هذه المرة، فذلك الذي يظهر وجها في بغداد والنجف ويظهر خلافه في طهران، لم يعد يصلح کجوکر إيراني ـ عراقي، فالامور تجري بأسرع من ذلك ولذلك فهذا الخريف لن يکون أبدا کأي خريف آخر مر بطهران التي ترنو بأنظارها لواشنطن وهي تأمل عدم فوز ترامب لولاية ثانية فهي ترى فيه مشکلتها الکبرى وهذا هو الإشکال الکبير الذي توقع نفسها فيه وهي تعلم بأن الحقيقة غير ذلك، الحقيقة التي تفرض نفسها من تراکمات سلبية مستمرة لتجربة حکم تکاد أن تخنق أنفاس النظام برمته.
4400 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع