العراق في زمن الدوليرا!!

                                           

                         سيف الدين الألوسي

أقتبست هذا العنوان من رواية الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز , والحائز على جائزة نوبل للآداب سنة 1982 ,

الرواية أسمها الحب في زمن الكوليرا وهي تدور في فترات من الحروب الأهلية يعيشها عاشقان من الصغر ويلتقيان في سفينة بعد عمر طويل , حيث يتم تهجيج كل ركاب السفينة وذلك ببث أشاعة أنتشار وباء الكوليرا فيها , حيث تفرغوا وحدهما في السفينة وتحضرا لمرحلة ما بعد الحب ! وبعد أن أخليت السفينة من ركابها جميعا بسبب الخوف !

الكوليرا مرض وبائي معروف منذ القدم , ينتشر بسرعة في مواسم تكاثر الذباب وينتقل بسرعة بين البشر,حيث أعراضه المعروفة للسادة القراء الكرام .

يمكن تجنب ومكافحة والحد من خطورة مرض الكوليرا بوصايا عدة, وأرشادات تقوم بها مديرية الوقاية الصحية في وزارة الصحة دائما .

علة ووباء العراق اليوم هو أنتشار الذباب البشري الناقل لمرض الدوليرا فيه ,

فهو المرض الخطير الذي أصاب كل مفاصل الدولة , وهوا لسبب ا لرئيسي لأنتشار الجرائم والأرهاب والتخلف فيه , حاملو جرثومة الدوليرا من الذباب البشري هم كل من الأحزاب المتنفذة والطارئة والمليشيات والبعض من العراقيين والذين لا يهمهم وطن أو شعب أو تأريخ أو تراث أو أنسانية , كل ما يهمهم هو الحصول على المال والدولار ولو على حساب دماء أهلهم وبناء وطنهم وتقدمه , السبب في ذلك هو عدم وجود أنتماء حقيقي لهم , وهو وجودهم في المكان الخطأ والزمان الخطا وبمباركة من جلبهم , ومما سبب اليوم هذا الوطن الخطيئة !

كل هم هؤلاء هو تحويل العراق الخالد الغني بتأريخه, وثرواته, وموقعه الجغرافي, والثقافي , الى بلد اللا معقول وبلد خال من العقول !

نلاحظ تكالب معظم الكتل السياسية على وزارات المردود المالي والمقاولات كونها وزارات درجة أولى , وأهمال بقية الوزارات كونها وزارات درجة ثالثة , كذلك التهافت على المؤسسات الخدمية ومجالس المحافظات وبسبب المردود المالي والسلطوي الذي توفره !

أن غياب العقل المنتج الوطني هو مكسب كبير لهذا الذباب البشري ( الغير منتج والمؤذي ) , والذي بدأ بخطة منظمة منذ فترة طويلة لتهجير ما تبقى من عقول وطنية وفي مختلف مجالات العلوم والمعرفة وبوسائل التصفية والخطف والأبتزاز , حيث يعاني وطننا اليوم من فراغ علمي وتربوي وعسكري وثقافي كبير , هذا الفراغ أصبح كبيرا جدا وغير مسيطر عليه , وحيث بدأ بصورة أقل منذ فرض الحصار بعد سنة 1990 .

أن وباء الدوليرا يظهر اليوم بصور ووسائل عديدة , منها دينية ومنها طائفية ومذهبية , ومنها عشائرية وقبلية , ولهذا السبب فأن السيطرة عليه يحتاج الى معجزة ورجال كبار من الوطنيين , حتى هذه المعجزة صعبة المنال اليوم وبسبب وجود النفط وثرواته في البلاد , ووجود دول ثرية وقوية تحيط به من كل جانب , كل ما يسعدها هو بقاء هذا البلد متخلفا مشغولا بمشاكله الداخلية و أنشغاله بأمور غير ذات فائدة ترتجي لتقدمه وأستقراره !

الحل بمكافحة الدوليرا هو بيد أهل البلد , فهم أمام مسارين , أما الخنوع للجهل والتخلف والبقاء في حالة انتظار الموت الرحيم , أو بالبدء من الصفر في تطهير البلاد من الذباب البشري المنتشر بكثرة وذلك بخلق مبدأ المواطنة والنظام و القانون فوق الجميع , وذلك يحتاج الى معونة جهات ودول لها تجارب مماثلة مرت بعنق الزجاجة مثل العراق سابقا , ولنأخذ المانيا على سبيل المثال , حيث خرجت هذه الدولة من الحرب الثانية مدمرة كليا ومقسمة الى دولتين , واحدة سيطر عليها المعسكر الشيوعي والأخرى المعسكر الغربي , أخذت الثانية بالتقدم السريع وبقت الأولى تراوح في محلها , أنتظرت المانيا الغربية أربعة عقود ونصف من الصبر والعمل والتقدم لتعود لها البقية من جزء بدنها الواحد, وبعد أن وفرت طيلة عقود كل مستلزمات عودته ولتكون اليوم واحدة من أكثر دول العالم تطورا وأقتصادا وتأثيرا ,

حيث أصبحت زعيمة أوروبا المؤثرة بدون منازع رغم حظر التسلح الكبير عليها , هذا درس كبير في طريقة مكافحة الذباب البشري والذي كافحته المانيا بنجاح وتعافت منه , ستكون هنالك أسئلة جدية وحقيقية للمناقشة , وأول سؤال هو , هل تقارن يا فلان الشعب الألماني بالشعب العراقي ؟

الجواب نعم ممكن مقارنة أي شعب بآخر , أذا عرف هذا الشعب جيدا معنى الوطن , ومعنى الأعتزاز والأفتخار بالمواطنة , وبدأ بتعليمها لأجياله من الصغر بدل تعليمهم القتال والعنف والانتقام , حيث من مبادئ الأديان كافة هي روح التسامح والوحدة والمساواة بين البشر في الحقوق والواجبات , ولنا في تجربة المغفور له الملك فيصل الأول البسيطة أكبر درس , حيث بدأ بناء دولة المؤسسات ولكن هذه التجربة الفتية قتلت قبل تخرجها من الكلية وشق طريقها بنجاح .

أما الحل الآخر فهو أنتظار الفرج الذي سوف لن يأتي , وبتهجير وأذلال كل من تبقى من شعب العراق المثقف المسالم دون أستثناء , وليحلو الجو في السفينة الفارغة لعشاق الدولار والدم , وليبقون وحدهم يبتهجون بمنظر التمتع بعبيدهم ومنافقيهم في ( الوطن الذي لم يعرفوا معناه أبدا) .

بين حانه ومانه الدهر سبانه !

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

745 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع