د. مؤيد عبد الستار
خلال شهر مايس من العام الحالي زرت بغداد وقضيت في ربوعها بضعة اسابيع ، ومن كاميرة الهاتف التقطت بعض الصور لمعالم عزيزة على قلوبنا ، اعرضها للقراء الكرام للاطلاع عليها .
بدأت جولتي من شارع المتنبي حيث يلتقي الادباء والكتاب وهواة الثقافة والفن والصحافة وطلاب الجامعات وغيرهم في هذا الشارع الحيوي كل يبحث عن مبتغاه ، منهم من يأمل في لقاء صديق ومنهم من يبحث عن كتاب او مصدر علمي .
في هذا الشارع التقيت العديد من الزملاء الذين يزورون بغداد من مختلف الدول ، الشاعر رياض النعماني جاء من الدانمرك ، الكاتب والسياسي منعم الاعسم جاء من لندن ، وفي زاوية من تجمع ثقافي يجلس المفكر احمد القبانجي مجللا بعباءته السوداء الشفافة ووجهه المتطلع الى نور الدنيا والاخرة ، وعلى مقربة ارى الفنان قتيبة يحمل كاميرته ، وفي وسط شارع المتنبي تلقيت دعوة كريمة من الزميل الدكتور عبد جاسم لتقديم ندوة في مركز الثقافة للجميع ، كما اصر الصديق رزاق النوري على ان يسقينا كؤوس شربت زبيب الحاج زبالة بدلا من كؤوس النواسي الذي افتقدنا حضوره بين القصائد والاشعار الكثيرة .
وبين القشلة وساعتها الجديدة والمنتدى الثقافي دعانا الزميل المهندس صباح الجزائري لشرب استكان شاي في مقهى الشاهبندر ثم تجولنا في قاعة معرض الفنون التشكيلية وصالة المقام العراقي فاطربنا قارئ المقام خالد السامرائي ببعض اغانيه ، وفي قاعة مصطفى جواد كانت هناك محاضرة وتوقيع كتاب ، وعلى مسرح المنتدى اقيم عرض للزورخانة شارك فيه مجموعة من هواة هذه الرياضة التي يحاول بعض شيوخها اعادة الحياة اليها بعد ان اغتالتها يد السلطات الحاقدة على تراث ابناء الرافدين ، وكانت التفاتة مشكورة من رئيس مجلس محافظة بغداد حين كرم المشاركين بجوائز تقديرية .
المتنبي وتمثاله يرتفع بشموخ على شاطئ نهر دجلة يبعث الشوق الى استذكار اشعاره وتقلبات الزمان عليه وعلى بغداد ، وفيما يلي بعض التداعيات التي ترد على الخاطر عن المتنبي والشريف الرضي وبقية المعالم المصورة.
1المتنبي كما ذكرته المصادر التاريخية هو :
( أبو الطيب المتنبي،أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي أبو الطيب الكندي الكوفي المولد، ولد سنة 303 هـ ،نسب إلى قبيلة كندة نتيجة لولادته بحي تلك القبيلة في الكوفة لا لانتماء لهم.)
هذا ما ورد في اغلب الكتب التاريخية للتعريف بشخصية أشهر شاعر عباسي رغم كون العرب اكثر الشعوب تعنى بالنسب وتحافظ على ذكره متسلسلا والفوا كتبا مشهورة في الانساب وعلم الرجال ، الا اننا نجد الخلاف في نسب المتنبي وانه مجهول الاب ، وذهب البعض الا انه ابن سقاء ، وذهب اخرون الى ان اسم ابيه عبدان ، وعيدان ، او انه لقب عيدان السقاء ... الخ حتى ان احد الكتاب اصدر كتابا بعنوان: المتنبي يسترد اباه ، يثبت فيه ( ان المتنبي هو ابن محمد المهدي الإمام الثاني عشر وقد حرص ذووه المشرفون على نشأته كما حرص المتنبي على كتمان نسبه تحت ضغط الظروف التاريخية التي أحاطت به وبالحركة الشيعية التي يرتبط بها ) و تذكر المصادر انه من مواليد الكوفة ، وانه نسب الى قبيلة كندة ولم يكن منهم ، لذلك ولكثرة الموالي في الكوفة يذهب بنا الظن الى انه من الموالي ، لان شاعرا بهذا القدر من الشهرة لا يمكن ان يكون مجهول النسب والاب الا اذا كان هناك ما يوجب اغفاله .
ولا ضير أن يكون من الموالي اذا علمنا ان المشاهير من شعراء العصر العباسي كانوا من الموالي او من غير العرب ، مثل بشار بن برد ، وابي العتاهية ، وابن الرومي ، وابي تمام ، وابي نؤاس وغيرهم من الكتاب مثل ابن المقفع وعبد الحميد الكاتب ... الخ .
وهو القائل :
عَـلَى قَـدرِ أهـلِ العَـزمِ تَأتِي العَزائِم
وتَــأتِي عَـلَى قَـدرِ الكِـرامِ المَكـارِم
وتَعظُـم فـي عَيـنِ الصّغِـيرِ صِغارُها
وتصغر في عين العظيم العظائم ُ
كما انشد المتنبي بألم :
يا ساقيي أخمـر فـي كؤوسكمـا
أم فـي كؤوسكمـا هـم وتسهيـدُ
أصخرة أنـا مالـي لا تحركنـي
هذي المدام ولا هـذي الأغاريـدُ
إذا أردت كميـت اللـون صافيـة
وجدتها وحبيـب النفـس مفقـودُ
ماذا لقيـت مـن الدنيـا وأعجبـه
أني بما أنـا بـاك منـه محسـودُ
المتنبي يمدح القائد الكردي دلير بن لشكروز
كان دلير أحد قادة مركز الخلافة العباسية في بغداد. إشتهر بتصديه للتمرد القرمطي الذي قامت به قبيلة كلاب عام 353 هـ ، الذين هاجموا مدينة الكوفة .
إشترك الشاعر أبو الطيب المتنبي في القتال ضدهم مع اهل الكوفة فالحقوا الهزيمة بهم و أخرجوهم من المدينة وغنموا اسلحتهم .
وصل الكوفةَ القائد العسكري الكردي (دلير)، قادماً من بغداد، فوجّه الدعوة لوجوه المدينة الذين انتصروا على بني كلاب فكافأهم و منحهم هدايا تقديرية.
كان من بين الحضور المتبني ، فنظم قصيدة بعنوان (دون الشهدِ إبرُ النحَل)، في مدح القائد العسكري الكردي (دلير لشكروز).منها الابيات التالية :
عفيفٌ تروقُ الشمسَ صورةُ وجههِ
فلو نَزَلتْ شوقاً لحادَّ إلى الظلِّ
شجاعٌ كأنَّ الحربَ عاشقةٌ له
أذا زارها فدّتهُ بالخيلِ والرَجلِ
وما دامَ دِلَّيرٌ يهزُّ حُسامَه
فلا نابَ في الدنيا لليثٍ ولا شِبلِ
فلا قطعَ الرحمنُ أصلاً أتى بهِ
فإني رأيتُ الطيّبَ الطيّبَ الأصلِ.
الى غير ذلك من عيون القصائد التي نامت عيونه عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم.
2.الشريف الرضي
شاعر وفقيه ولد بـبغـداد وتـوفي فيها.
هو أبو الحسن، محمد بن الحسين .... ينتهي نسبه الى الامام موسى الكاظم ،كان نقيب الاشراف الطالبيين ، لقب بالشريف الرضي (359 هـ - 406 هـ / 969 م - 1015 م). مزاره في الكاظمية
هو القائل :
يا ظَبيَةَ البانِ تَرعى في خَمائِلِهِ
لِيَهنَكِ اليَومَ أَنَّ القَلبَ مَرعاكِ
الماءُ عِندَكِ مَبذولٌ لِشارِبِهِ
وَلَيسَ يُرويكِ إِلّا مَدمَعي الباكي
وله ايضا في الشوق الى مرابع الاحبة
ولقد مررتُ على ديارهم
وطلولُها ليد البلى نهبُ
وتلفتت عيني فمذ خفيتْ
عنّي الطلولُ تلفّتَ القلبُ
وله قصيدة ذائعة الصيت في رثاء ابي اسحق الصابئ ، والجميل ان هذا الرجل ليس على اعتقاد الشريف الرضي ، وانما كان صابئيا ولكنه رثاه في قصيدة دالية رائعة منها :
أعلمت من حملوا على الأعواد
أرأيت كيف خبا ضياء النادي
ما كنت أعلم قبل حطك في الثرى
أن الثرى يعلو على الأطواد
بعدا ليومك في الزمان فإنه
اقذى العيون وفت في الأعضاد
3.سوق الغزل
يشتهر زقاق صغير عرف منذ القدم باسم سوق الغزل قرب جامع الخلفاء ، تنتشر فيه دكاكين بيع الطيور التي يزدحم السوق باقفاصها يوم الجمعة صباحا ، اضافة الى حيوانات نادرة اخرى ، ومازال بعض الحلاجين يحلجون القطن في هذا السوق .
بالرغم من قدم السوق وشهرته الا انه لم يحظى بالعناية التي يستحقها من الدوائر البلدية ، فشهرة هذا السوق توجب تنظيم محلاته ودكاكينه ودعوة المصممين والمعماريين لتقديم مقترحات اعادة بنائه وتشييده وفق منظور تاريخي فني يستلهم العمارة البغدادية كي يصبح معلما تجاريا وسياحيا .
4الزورخانة
عرض واحتفال قدمته مجموعة من الهواة برعاية احد شيوخ هذه الرياضة على امل احيائها في بغداد حيث كانت احدى الرياضات المشهورة في مناطق شارع الكفاح وكان من ابرز ابطالها المصارع عباس الديك ، وحسن زورخنجي ، ومجيد كسه ل وغيرهم كثير مازالت صورهم معروضة في مقهى الشاهبندر .
1165 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع