الاستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي
الاعلام الشريف والسلطات خطان متوازيان لايلتقيان
اعترف اولا ان نسبة مهمة من وسائل الاعلام العراقية الشريفة تؤدي ادوارا كبيرة لكشف الحقائق التي ربما غابت عن طيف من الشعب العراقي لاسيما وان قسم مهم منه لم يفق لحد الان من هول الصدمات التي ضربت العراق منذ احتلاله ومستمرة لحد الان وقسم آخر مغيب تحت تأثيرات الخطابات الدينية الطائفية الشعبوية المتخلفة.
تنص أحكام المادة (38) من الدستور العراقي في قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي المادة (1): أولا، حرية التعبير عن الرأي: حرية المواطن في التعبير عن أفكاره وأرائه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو بأية وسيلة أخرى مناسبة بما لا يخل بالنظام العام أو الآداب العامة. ثانيا، حق المعرفة: حق المواطن في الحصول على المعلومات التي يبتغيها من الجهات الرسمية وفق القانون وخاصة المعلومات المتعلقة بأعمالها ومضمون أي قرار أو سياسة تخص الجمهور. ثالثا، التظاهر السلمي: تجمع عدد غير محدود من المواطنين للتعبير عن أرائهم أو المطالبة بحقوقهم التي كفلها القانون التي تنظم وتسير في الطرق والساحات العامة.
حرية التعبير عن الرأي وحق المعرفة والتظاهر السلمي جميعها أصبحت تهدد من في سدة الحكم وتخيفهم لذا تم إسكاتها بالقوة والقمع والسلاح! لاسيما بعد خروج العراقيين من محافظات جنوب العراق الذين يعانون من ظروف تزداد سوءا من سنوات احتلال بلدهم المظلمة ولم ينتهي عند هذا الحد فألاحتجاجات مستمرة حتى اليوم إقتتال وحرب من نوع آخر الحكومة ومليشياتها بحصونها المشيدة وأسلحتها المجهزة لقتل الأبرياء والعُزل من أبناء العراق هؤلاء الذين دفعوا أبنائهم وأخوتهم للحرب ضد الأرهاب هم ذاتهم من يلاحقهم الرصاص الحي والغاز وخراطيم المياه الحارقة بأقذر أساليب القمع.
كل الخطابات والوعود والكلام المنمق من قبل الجهات الحكومية أمام الشاشات ليست سوى تَمثيل لأدوار البطولة وضحك على الذقون كذبات ما عاد المواطن العراقي يصدقها أو يثق بها. اجتماعات وتجمعات لإيجاد حلول وهمية تضمن لكافة الجهات المستفيدة والأذرع التي تتخذ من العراق جبهة حرب مفتوحة على مصرعيها. ولكي يتم منع وصول الصورة الحقيقية عما يجري ويدور في أرض الحدث تتم ملاحقة الصحفيين ومراسلي القنوات والتهجم عليهم وتهديدهم بصورة علنية وتكسر معداتهم وأجهزتهم. هذهِ هي حرية الرأي والتعبير وحق الوصول إلى المعلومة التي يضمنها الدستور العراقي. نقابة الصحفيين وجميع الجهات الحقوقية والمنظمات تعيش تحت صمت رهيب وتصريحات خجولة لا تناسب حجم الكارثة.
وهنا نطرح سؤال منطقيا هل يمكن لاعلام نزيه ان يمارس دوره بشكل موضوعي في هذه الاجواء المشحونة بالسلوكيات المنحرفة بكل ماتعنيه هذه الكلمة من ابعاد؟ نتفق تماما مع من يقول باستحالة ممارسة وسائل الاعلام دورا منصفا بسبب ان من يحدد اجندة الوسيلة هي الجهات التي تمتلكها وهذه تستغل الصحافة الورقية وصحافة الانترنيت والاذاعات والقنوات التلفزيونية استغلالا بشعا بأعتبارها من أهم اسلحتها المدمرة والاكثر فتكا من جميع الاسلحة الاخرى. ام طبيعة ونوع المهام التي تقوم بها وسائل الاعلام تعكس مدى نضوجها المهني وجودته في قيامها بوظيفتها الرقابية باعتبارها ممثل المجتمع والرأي العام وعليها ان تتحمل مسؤوليتها ألاخلاقية في الدفاع عن مصالح الشعب، لاسيما نشر المعلومات عن الفسادالذي استشرى في الدولة واصبحت تداعياته السلبية تضرب ليس حاضر العراقيين بل وحتى مستقبل اجيالهم.
لقد بدأت عديد من الوسائل إلاعلامية العاملة في العراق تستشعر مكامن المخاطر الأمنية و التعسّف والاستبداد في استغلال السلطات والقوانين التي صممت من قبل الجهات الرسمية المسؤولة في البلاد، تجاه العمل الشريف لهذه الوسائل في كشف ملفّات الفساد التي تنخر مؤسسات الدولة العراقية، حيث تعرّض صحفيّون ومدونون عراقيون ليس للتهديدات واضحة، بل بالتهم الجاهزة وذلك من قبل جهات منفلته خارج سلطات الحكومة.
وامام هذه الظروف غير الطبيعية اتخذت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية، قرارات يبدو واضحا الجهات التي تضغط باتجاه اتخاذها فتارة الوسيلة الاعلامية بالخروقات القانونية والتطاول على مقامات معنوية لدى المجتمع العراقي !!!، او اتهام اخرى بالعمل على تفكيك الهوية الدينية لغالبية العراقيين الا ان الهدف كما يعتقده بعض الاعلاميين يبقى من اتخاذ أغلب قرارات الهيئة هو تناول هذه الصحيفة او الاذاعة او القناة التلفزيونية حجم الفساد وهدر الأموال في مؤسسات الدولة. في حين رأت جهات معنية بحريات الاعلام مثل جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، أنّ قرار هيئة الإعلام والاتصالات، مخالف للقانون 65 من الدستور، الذي تعمل في إطاره الهيئة، مبينة أنّ هذا القانون لا يتيح للأخيرة صلاحية إغلاق أو إلغاء ترخيص أيّ مكتب لوسيلة إعلامية دون أمر قضائي لذلك فإنّ أيّة عملية نقد موجَّه لقوى النظام السياسي، تعدّ مؤامرة بنظر الحاكمين، والإعلام السلطوي ومن يقف خلفه، أو كشف بعض ملفات الفساد داخل هذه الوزارة او تلك، هي محاولة انتحارية قد تعرّض اعلامييها بالعراق للترهيب او التهديد بالقتل. علما أنّ تدخل الهيئة في بثّ أيّ تقرير غير مهني، أو يحتوي على تضليل، فضلاً عن كونه ليس من اختصاصها أيضاً، فإنّه يضع أكثر من تساؤل عن سكوتها إزاء تقارير عديدة تضمّنت العديد من الزيف والأكاذيب والتحريض على القتل دون حساب.
ان غالبية الاعلاميين الشرفاء يقرون ان أساطين الفساد في العراق محميون من قبل كبريات القوى الحاكمة والفصائل المسلحة، وان هناك تحالف غير مقدس بين اطراف العملية السياسية داخل النظام الذي تسلط على العراق بعد نيسان 2003، وأنّ المؤسسات الفاسدة فوق المحاسبة القانونية.
ان اية محاولات لإصلاح الوضع العراقي، ينبغي أن يشمل كل المؤسسات العاملة في هذا المجتمع بدون اضفاء القدسية على اي منها فالقدسية للمواطن العراق فقط الذي يعاني كثيراً، من الاوضاع الكارثية البائسة، والظاهر ان أمل يلوح بالأفق في الوقت الحاضر.
ان الفوضى التي تعكسها كثير من المشروعات الاقتصادية التي تلازمها عمليات الفساد ما تزال تستثمر في مختلف المجالات المحلية، تقوم بها اطراف مختلفة مستغلةً سلطتها على الجميع.
الملفت للانتباه ان ماتسمى بالحكومة العراقية غير معنية او غير قادرة على حماية الحريات الشخصية والتعبير عن الرأي في البلاد، حيث اصبحت عمليات التهديد مسألة مشاعة توجه لاي صوت ناقد لأداء السلطة او المهيمنين عليها من الجماعات المسلحة، وهذا النقد يعرض اصحابه جميعاً للمخاطر بما فيها التصفيات الجسدية.
وعبّر، من خلال "حفريات"، عن "مخاوفه من هجرة الفكر المدني العراق، جراء هيمنة التشدّد الديني، وانفلات السلاح، وانتشار الميليشيات، فضلاً عن عجز حكومي واضح للعيان".
مطالبات برصد المواقع الوهمية
وفي السياق ذاته؛ أكّدت لجنة الثقافة والإعلام النيابية، أنّها بصدد إلزام وزارة الاتصالات بغلق الصفحات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، مبينة أنّ كثيراً من التهديدات والتحرشات تنطلق من حسابات غير معروفة الهوية.
وقال عضو اللجنة، بشار الكيكي، لـ "حفريات": إنّ "كثيراً من المواطنين يتعرضون لمضايقات عبر منصات التواصل الاجتماعي، من خلال صفحات تطلق على نفسها أسماء مستعارة"، مشيراً إلى أنّ "تلك الصفحات تنتهك خصوصية المستخدمين وتعرضهم للتشهير".
اقرأ أيضاً: هل يسعى الحشد الشعبي لتوريط العراق مع إسرائيل لإرضاء طهران؟
وأشار الكيكي إلى أنّ "اللجنة تشدّد على أهمية وضع ضوابط وكوابح للأمور التي تهدد سلامة المواطن وأمنه الشخصي، خصوصاً بعد شيوع عمليات التهديد الإلكتروني من قبل حسابات مجهولة المصدر"، مؤكداً أنّ "هناك تعاوناً بدأ بين اللجنة النيابية ووزارة الاتصالات، للحيلولة دون هذه الممارسات المشينة على الفضاء المحلي العراقي".
ان سلوك القوى التي تبسط سيطرتها على السلطة أسست ارضيتها باستخدام القمع وتكميم الأفواه وتقييد الحريات العامة كحرية التعبير والتظاهر السلمي، خاصة في ظل ضعف حكومي واضح وغير محددة تمتد لتشَمل حقوق وأفعال مباحة، ناهيك عن فرض مؤسسات الحكومة المستباحة عقوبات قاسية على اصحاب الرأي الوطني لا تتناسب مع الأفعال المرتكبة وتنقصها عدم الدقة وهو ما يتنافى مع طبيعة التزامات العراق تجاه الاتفاقيات والمواثيق ذات العلاقة المصادق عليها، فضلًا عن تعارضها مع مواد الدستور العراقي وابتعاده عن مبادئ حقوق الإنسان.
ان هذه الممارسات الباغية تتعارض مع ابسط ماجاء العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي صادق عليه العراق عام 1971، إذ نصت المادة (19) منه بأن "لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة"، و"لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها".كما يخالف المادة (21) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي تنص على أن: "يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به. ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي".
واخيرا اؤكد اننا لم نكن نتناول مثل هذا الموضوع لولا ان النظام المعوق الطائفي المستبد الذي فرضه الاحتلال على العراق يدعي كذبا وزورا انه نظام ديمقراطي.
1297 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع