اسماعيل مصطفى
أزمة بعد أزمة
يصف أحد العارفين الحياة بأنها عبارة عن أزمات متلاحقة ويلخص ذلك بالقول بأنها "أزمة بعد أزمة"، فهل هذا القول صحيح؟ وما الدليل على صحته؟ وهل أنه يشمل جميع أفراد النوع الإنساني أم أنه يخص البعض دون الآخر؟
أنا شخصياً وحسب تجربتي في الحياة أؤيد ما ذهب إليه هذا الحكيم، لأني وجدت الحياة عبارة عن سلسلة أزمات يرتبط بعضها بالبعض الآخر وإن تخللت ذلك بعض محطات الاستراحة إن صحّ التعبير، والدليل على صحّة ما قاله الحكيم أنك ما إن تنتهي من أزمة حتى تتورط بأزمة جديدة، وهذا الأمر يكاد يعمّ جميع المجالات الاجتماعية والنفسية والإنسانية والسياسية والاقتصادية وغيرها.
أمّا السؤال الذي أثرناه في بداية الكلام وهو هل أن الأزمات تشمل جميع الناس أم أن هناك مَنْ تراه مرفّهاً ومرتاحاً طوال الوقت وعلى مدار العام وفي كل مراحل حياته؟
أنا شخصياً لم أرَ في حياتي إنساناً لم يمرّ بأزمات حتى وإن بدا مرفّها وميسور الحال من الناحية المادية، لأنك قد تجده مصاباً بمرض أو أنه يعاني من خلل في عضو من أعضائه أو مبتلىً بأحد أفراد أسرته أو يعاني من فقد عزيز أو ضياع مُلك أو حقّ وغير ذلك ممّا لا يمكن احصاؤه، والإنسان المخلوق من روح وبدن لا يمكن أن يكون سعيداً ومرتاحاً إذا كان يعاني من خلل في بدنه أو من نقص مادي أو من معضلةٍ روحية أو نفسية وما أكثرها في هذه الحياة.
نستنتج مما تقدم بأنّ الراحة المطلقة لا وجود لها في عالمنا ولكننا نؤمن في ذات الوقت بأن درجات الأزمات على اختلاف أشكالها تتفاوت بين شخص وآخر وتتباين كذلك لدى نفس الشخص من حين إلى آخر، ولكن هذا لايخرق القاعدة العامة التي تقول بأن الحياة عبارة عن أزمات متلاحقة تشتد حيناً وتضعف أخرى، فقد ترى إنساناً سعيداً في الصباح لكنه شقي وتعيس في المساء أو العكس، وما ذلك إلّا دليل على كثرة المنغصات في هذه الحياة، وأنا قرأت وجرّبت بنفسي بأن الإنسان قد يشعر بالضيق ولا يجد لذلك تفسيراً مقنعاً، في حين تؤكد دراسات علمية بأن سبب الضيق والضنك هذا ربّما يكون ناشئاً من أسباب غير منظورة، كأن يكون ناجماً عن تعرض شخص عزيز لحادث أو ضيق معيّن دون أن نعلم عنه شيئاً لأنه بعيد عنّا أو أن يكون السبب هو عدم قدرة الشخص على الجمع بين راحتين في آن واحد، وهذا يسبب له بالتأكيد نوعاً من الشعور بالحرمان وإن بدا مرتاحاً ومنعّماً.
إذن صدق من قال بأن الحياة أزمة وراء أزمة وضيق بعد ضيق والقرآن الكريم الذي يؤكد "إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" ويكرر ذلك في سورة الانشراح، يؤكد كذلك بأن الإنسان خُلق في كبد كما ورد في سورة البلد " لقد خلقنا الإنسان في كبد" والكبد هنا يعني المكابدة وتحمل المشاق، وأنه كادح إلى ربّه كدحاً كما أشار القرآن إلى ذلك في سورة الانشقاق.
899 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع