وائل القيسي
قطرة ندى
رمضان كريم...
يُعَدّ شهر رمضان الكريم من الأشهر التي يحتفي ويفرح بها المسلمون، ويترقبون قدومه بشوق، ويحزنون عند انقضائه، ويدعون الله أن يعود عليهم وهم أحياء حتى يقيموه ويتعبدوا فيه ابتغاء مرضاة الله- سبحانه وتعالى-.
وهو شهر كريم بمعنى أنه منسوب للّه، والكريم كما يعرف الجميع هو اسم من أسمائه الحسنى.
وطقوس العبادة فيه معروفة ولا تحتاج إلى تعريف، صوم عن الطعام والشراب وصوم الجوارح وكفّ اللسان عن سيئ الكلام واللطف واللين، وصلاة وذكر وقيام الليل والدعاء وغير ذلك من الاجتهاد الذي يرى الصائم أنه يُقربه إلى الله فينال رضاه.
هذه كلها وغيرها الكثير يكاد يفقهها عامة الناس، غير أن هناك الكثير من الأمور التي يجهلها أو يتجاهلها الأعم الأغلب من الناس إلّا من رحم ربي، ومن أهمها أن الصيام هو ليس لرمض الذنوب والمعاصي وإحراقها بالصوم حسب، فهذه أمور شخصية تعود لصاحبها بالنفع والمصلحة المنشودة، بمعنى أن الصائم يصوم من أجل الربح والربح هو رضا الله وقبوله للصيام والعبادات، وبالتالي يحصل الصائم على أجر عمله.
للصوم أو الصيام أوجه عظيمة أخرى وهي عامة وليست خاصة حسب .
فعندما يصوم الإنسان تصوم جوارحه معه، ويكون الصوم رقيبا على عمله وتعامله مع الآخرين.
فهو يحسب حساب الخوف من أن يَبْطُلَ صيامه إذا ما عمل عملا أو قام بتصرف أو استعمل لسانه بما لا يرضى الله وبذلك يخسر أجر عمله وهو الصيام.
وغالبا ما نجد الصائم عند الغضب أو الخطأ أو إساءة التصرف يقول (اللّهم إني صائم) ويصمت أو يتوقف عما قد يغضب الله فيخسر الأجر.
من هنا تتبين وبجلاء أنها معادلة العمل (عبادة الصوم) = الأجر.
وشرط الحصول على الأجر كاملا غير منقوص هو حسن الصوم، بما يرضي الله فيتقبله، ثم يجزي صاحبه الأجر، وكلما فقد الصيام من شروطه الربانية كلما نقص الأجر.
هذه المعادلة تؤكد وبشكل قاطع، أن أي خلل أو تقصير أو إساءة في التعامل مع باقي الناس ستنقص من الأجر وربما تحرمه الأجر كاملا، بل ستكون عواقب فعله ليس فقدان الأجر فقط بل سترتب عليه ذنبا إضافي كونه ارتكب ما يخالف شرع الله في شهر طاعة الله.
مما تقدم يظهر وبوضوح تام، أن الخالق أو الرب يشترط قبول العمل (الصيام والعبادة) مقابل حسن السلوك والتصرف والعمل الصالح للصائم مع بقية الخلق وشؤون الحياة الأخرى حتى ينال أجره وثوابه، لهذا يؤكد أصحاب الفقه والشرع والفكر والعقلاء دوما على أن القسم الأعظم من الدين هو معاملات، لأنها تهم الإنسانية عامة، أما العبادات فهي تهم الإنسان لذاته وهي خاصة.
وكلما كانت علاقة الإنسان بأخيه الإنسان قائمة على الحقوق والواجبات وفق قاعدة العدل الإلهي كلما كانت الفائدة والأجر أعم وأشمل، وقد أكدت كل القواعد الشرعية والفقهية القائمة على تقدير وتوقير القيم الإنسانية، أكدت على ضرورة التعاون والتكافل وصلة الرحم وإخراج ما يمكن من المال أو غيره لمساعدة المحتاج أو المعوز أو الفقير، بل لا بد من تقديم المواقف المعنوية وليست المادية فقط كالمؤازرة وحسن التعامل والاحترام والتواضع مع الجميع.
بناء على ما تقدم، نكاد نجزم أن هذا لو تحقق بعضه على الأقل، لما بقي فقير أو محتاج على ظهر البسيطة، ولما تباغض الناس فيما بينهم، ولساد السلام وعمّ الوئام وعاش الجميع بالحد المقبول من الأمان والطمأنينة.
كمْ نتمنى لو أن أصحاب الشأن من الدعاة أو علماء الدين بل حتى المثقفون وأهل العقل والفكر، سواء على الجانب الرسمي أو العام من العمل على إشاعة هذه المفاهيم الإنسانية البسيطة والعميقة في آن واحد معا ، ومحاولة الخروج إلى أفق أوسع ومغادرة الدوائر المقفلة ذات النظرة الضيقة.
إن العبادة الصحيحة كشجرة مورقة زاهية تَسرّ الناظرين، ولكنها عندما تزدان بقطرات الندى على أوراقها عند الصباح تكون أروع وأعظم جمالا.
إنها دعوة لكل صائم أن يكون جمال صيامه كجمال الروح، ولنجعل من صيامنا في شهر رمضان الكريم انتصارا لمعاني الإنسانية التي نؤمن بها وندعو إليها فعلا وقولا.
إن قطرة ندى على وريقة زهر في الصباح الباكر أجمل وَارْقِ وأكثر تأثير من غابة مليئة بأشجار جرداء خاوية.
942 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع