علي المسعود
من شاشة مهرجان كان السينمائي - فيلم "عنكبوت مقدس" يكشف الطبيعة المتناقضة للمجتمع الايراني ويحلل كراهيته للنساء
عرض المخرج الإيراني - الدنماركي علي عباسي للمرة الأولى فيلمه “عنكبوت مقدس” في مهرجان كان السينمائي في دورته الـ 75. استلهم المخرج في فيلمه قصة سلسلة جرائم حصلت قبل عشرين عاماً في ،الفيلم يستند إلى القصة الحقيقية لسعيد هنائي سفاح مدينة مشهد الايرانية ، الرجل الذي قتل 16 فتاة ليل في مدينة مشهد الإيرانية المقدسة في عامي 2000 و 2001 ، قبل أن يتم القبض عليه. المخرج صرح في المؤتمر الصحفي الذي أقيم هلى هامش عرض الفيلم، ": عشت عشرون عاما تقريبا مشغولا بهذا الموضوع وفي كيفية معالجته وتقديمه ، إن العمل قصة حقيقية و كنت وقتها طالبًا جامعيًا في طهران ومهتم بتفاصيل الحادث وكيف أن الشرطة لم تستطع القبض على القاتل في وقت أقل من ذلك خاصة وأنه كان يقتل الفتيات بنفس الطريقة مما يجعل القبض عليه سهلا"، وأضاف قائلاً " أنه ظل يفكر لعدة سنوات في كيفية تقديم العمل وهل سيتم تقبله من جانب المشاهدين أم لا، خاصة وأنه من خلاله يقدم حقيقة صعبة من الحياة الإيرانية ". وفي نفس الوقت اشار المخرج إلى أنه يثق في أن العمل سيثير جدلا في إيران، ولكن إذا تم مشاهدته سوف يستوعب الشعب الإيراني فكرته.
يدور الفيلم في ضواحي المدينة الإيرانية، حيث يقوم قاتل يدعى سعيد هاني بمطاردة بائعات الهوى لقتلهن كنوع من التطهير ، ويؤدي الممثل الإيراني مهدي بجستاني دور القاتل في "العنكبوت المقدس"، وهو شخصية ذات وجهين، إذ نشاهده رب عائلة متدين وهادئ نهاراً، في حين أنه مضطرب نفسياً ليلاً ، يخرج العنكبوت أوسعيد كل بضع ليال على دراجته النارية ويقوم بمسح الشارع حتى يختار هدفًا ، ويجذبها إلى غرفة المعيشة في المنزل الذي يتقاسمه مع زوجته فاطمة (فروزان جمشيدنجاد) وطفلين. ثم يخنق ضحاياه بحجابهن ، ويلقي جثثهن في نهاية المطاف في نفس موقع التلال في كل مرة . قدرته على عدم اكتشافه لفترة طويلة من الزمن هي نتيجة عدم اهتمام رجال الشرطة ، فضلاً عن الدعم الواسع النطاق من جمهور واسع من الذين يعتقدون أيضًا أن هؤلاء كانت النساء "اللواتي لا قيمة لهن" تستحق ما حصلن عليه ، بما في ذلك ابنه علي (مصباح طالب) ، الذي يعبده ويفصّل ويوضح طريقة والده في القتل بحماس في مقابلة في خاتمة مؤلمة . الأمر الأكثر رعباً من تصوير العنف الذي يكره النساء هو كيفية تمكن الفيلم من تصوير الشعور بالراحة المطلقة التي يمكن أن يتحرك بها القاتل في العالم ، مع العلم أن أجزاء كبيرة ومهمة من المجتمع الإيراني تدعمه في مهمته "لتنظيف الشوارع من الخطيئة . كان سعيد عامل بناء ورجل عائلة ومقيم في مدينة مشهد ثاني أكبر مدن إيران ، وهو مسلم شيعي متدين ورجل دين . سعيد الذي يواصل فورة حياته أثناء فترات الراحة من كونه أبًا وزوجًا قادرًا على ما يبدو. (في واحدة من أكثر الفواصل المثيرة ، يمارس هو وزوجته الجنس بينما يرقد جسد أحد ضحاياه في مكان قريب ، ملفوفًا في سجادة) ويؤدي الممثل الإيراني مهدي بجستاني دور القاتل في “العنكبوت المقدس”، الملقّب بـ”العنكبوت” الذي يجوب على دراجته النارية شوارع مشهد إذ تنشط فيها الدعارة وتنتشر المخدرات نظراً إلى وما يكون مصير بائعات الهوى اللواتي يركبن معه الموت خنقاً في شقته ، وبعد أن يرمي جثثهن على قارعة الطريق، يتصل السفّاح هاتفياً بصحافي هو نفسه في كل مرة ليعلن مسؤوليته عن جريمته. وتتصرف الشرطة بالتماهل والتجاهل ، سمية (أليس رحيمي) إحدى الضحايا تحمل جسدها المنهك ، وتقبل طفلها النائم وتخرج لتقف في مكانها المعتاد. إنها تخدم اثنين من العملاء - لحظة أخرى مفجعة تراها في حمام تاجر الزعفران الثري والمتزوج تسرق كمية من غسول زوجته الغالي الثمن - قبل الذهاب للحصول على بعض الأدوية لتجهيز نفسها في الليلة المقبلة. لذا فهي تشعر بالدوار عندما يصطحبها سعيد على دراجته النارية ، لكنها لم تكن تشعر بالدوار الشديد لدرجة أنها لا تشعر فجأة ببعض الخطر الوشيك إلا عند درج مبنى شقته وتحاول الهرب، يقهرها سعيد ويخنقها بغطاء رأسها هناك ثم يرمي جسدها على منحدر تل قريب من بيته . ألعنكبوت وإسمه الحقيقي "سعيد هاني"- جندي سابق شارك في الحرب العراقية – ألايرانية ، ويعمل الان عامل بناء ولديه زوجة وثلاثة أطفال صغار - في المنزل ، سعيد هو أب شغوف لابنته الصغيرة اللطيفة وابنه المراهق علي (مصباح طالب) وزوج محترم وديع لزوجته الجميلة فاطمة (فروزان جمشيد نجاد). ليس لدى عائلته أي فكرة عما يفعله في منزلهم في الليالي التي يقضونها في زيارة والدي فاطمة. وربما لم يكونوا ليكتشفوا جرائمه ، لولا التحقيقات الدؤوبة للصحفية رحيمي التي تصل إلى مشهد من طهران على متن حافلة مليئة بالزائرين لمدينة مشهد المقدسة حيث مرقد الامام الرضا. إسند المخرج الدور للممثلة التلفزيونية زار أمير إبراهيمي .
كان العنكبوت يتصل به من هاتف عمومي للتأكد من نشر مآثره بشكل كامل يقول الشريفي عن العنكبوت أنه يرفض تسميته بالقاتل لإنه يرى أن عمله "جهاد ضد الرذيلة" ، يتحدث هذان الصحفيان معًا إلى رئيس الشرطة الساخر والمتحيز جنسيًا رستمي (سينا بارفاني) الذي ينظر الى الصحفية بأزدراء عن عمد وبعد نشر لشائعات حول سلوكها عند تصديها لرئيس تحرير الصحيفة التي كانت تعمل بها الذي حاول التحرش بها ، وتجبر على الأستقالة من الصحيفة ، تتفرغ بعدها في مطاردة هذا القاتل . ليس من المستغرب أن نرى حياتها تُصوَّر على أنها مسار لمجموعة عقبات تعترض طريقها في كل يوم، عندما تبدأ لعبة القط والفار بين العنكبوت والصحفية رحيمي تبدأ المصاعب تظهر ، حين عٌوملت بازدراء غير رسمي من قبل موظفة الاستقبال في الفندق الذي يرفض الحجز لها لانها بدون زوج (بدون محًرم). والغرباء الذين يطلبون منها تغطية المزيد من شعرها ، الزميل في الصحيفة الذي سألها بطريقة خرقاء عن الشائعات حول ماضيها الجنسي . وفي إحداها ، أُجبرت رحيمي على صد نقيب الشرطة (سينا بارفاني) الذي حاول التحرش بها. بحلول الوقت الذي قررت فيه أن أفضل طريقة للايقاع بالقاتل ستكون بإستخدام جسدها كطعم ، على الرغم من تعرضها للحظر بسبب جنسها في كل منعطف ، تتعاون رحيمي ، التي جاءت إلى مشهد للإبلاغ عن عمليات القتل ، مع المراسل المحلي شريفي (أراش أشتياني) لاكتشاف هوية القاتل . ولغرض الايقاع به تتظاهر بانها مومس وتتجول في الشوارع والتي يصطادها العنكبوت وأخذها الى شقته ، في الوقت الذي يتبعهما سراً رفيقها المراسل المحلي شريفي . . وعندما أُلقي القبض على القاتل في عام 2001 وجد دعما لحجته بأنه كان يقضي على ما وصفه بالفساد الأخلاقي، على الرغم من إدانته وإعدامه في العام التالي، ، ولا ينتهي الفيلم بتوقيف السفّاح، بل يبرز أيضاً القسم الثاني منه المتعلق بمحاكمته التي يُبرر خلالها أفعاله بدوافع دينية. ويتناول الفيلم موقف القضاة المُحرَجين نظراً إلى تأييد كثر لجرائم "العنكبوت" واعتبارهم إياها "تضحية"، وصولاً إلى حكم الإعدام . ويفضح الفيلم موقف القضاة المُحرَجين نظراً إلى تأييد الكثرين لجرائم “العنكبوت” واعتبارهم إياها “ بطلا ” الذي يقوم بتنظيف مدينة مشهد ذات الصفة الدينية من النساء الخاطئات وصولاً إلى حكم الإعدام ، ولكن ليس قبل أن تحوله وسائل الإعلام الإيرانية المحافظة والسكان المحليون المتطرفون إلى نوع من البطل الشعبي والدفاع عنه .
من جانبه، يقول المخرج عباسي “هذا الفيلم من الأفلام المظلمة كما هي الحياة في إيران التي تنتشر فيها الجريمة”، مضيفاً “هذا فيلم أسود لا يتحدث عن سفاح واحد فقط بل عن مجتمع أصبح سفاحا في إيران ويدافع عن السفاح الذي أصبح بطلا في نظر الإعلام الإيراني ". وبطبيعة الحال، لم يتمكن المخرج من تصوير عمله في المدينة المقدسة، ولا حتى في إيران، إذ لم يتلق أي رد على طلباته للحصول على إذن التصوير، بحسب ما أوضح . وقال عباسي في حديث لوكالة فرانس برس "لا أشعر بأنه فيلم مناهض للحكومة أو فيلم لناشط، فالصورة التي ينقلها ليست بعيدة من الحقيقة". وأضاف "إذا كانت لدى أي شخص مشكلة (مع الفيلم الذي يُظهر بشكل صريح واقع الجنس والمخدرات وكراهية المجتمع للمرأة)، تكون مشكلته مع الواقع، لا معي" . المخرج عباسي وضح إن رسالته لا تتعلق على وجه التحديد بعمليات القتل أو حتى العنف ضد المرأة. بل يتعلق الأمر بحالة المجتمع الإيراني ، وكيف يظل الكثير من الناس فقراء ويائسين في بلد ينعم بالثراء. كانت [النساء] جميعهن يعشن في فقر. هذا ليس فيلما مناهضا للحكومة الإيرانية. إنه ليس ضد أي شخص، لكن الحقيقة هي أن [القاتل] كان رجلاً متديناً للغاية . وعمليات القتل كانت في مدينة مقدسة" أثار المخرج السويدي-الإيراني علي عباسي الذي كتب السيناريو مع افرشين كمران بهرامي ، ضجة مبكرة من قبل النقاد في مدينة كان باعتباره الفائز المحتمل بجائزة السعفة الذهبية ، ولكن مما لا شك فيه أنه صدم الجماهير بسبب محتواه الاستفزازي والعنف المصور والعُري ، لكنه دافع عن فيلمه في المؤتمر الصحفي يوم الاثنين بالقول إنه "لا يوجد شيء مثير للجدل" في فيلمه على الإطلاق ، وفي الواقع ، فإن السينما الإيرانية التي اعتاد الجمهور في إيران وحول العالم على رؤيتها قد قدمت بالفعل واقع مواز " . الفيلم يعرض ويحلل كراهية النساء المتفشية في المجتمع . المخرج سعى إلى كشف التوتر الناجم عما وصفه بالطبيعة المتناقضة للمجتمع الإيراني، حيث قد تكون النساء طبيبات ومهندسات ، لكنهن يخضعن أيضا لرقابة مشددة على ما يرتدينه وكيف يظهرن في الأماكن العامة . الفيلم أيضاً يفضح الوجه الخفي للجمهورية الإسلامية وينقل صورة واقعية عن مجتمع ينخره الفساد الأخلاقي وزواج المتعة وباسم الدين. رافق عرض الفيلم قيام أعضاء الحركة النسوية الفرنسية " " لي كوليوز " بالدخول إلى السجادة الحمراء وهنًّ يحملن لافتة ضخمة مكتوب عليها أسماء 129 امرأة قتلنّ نتيجة العنف الأسري في فرنسا منذ دورة مهرجان كان الماضية .
1803 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع