عبد الرضا حمد جاسم
هل علي الوردي عالم اجتماع؟(٤) هل درس علي الوردي المجتمع العراقي؟
يتبع ما قبله لطفاً
توقفت في نهاية الجزء السابق عند:
2ـ تقارير الطلاب: حيث كتب الراحل الوردي: فقد كنت اطلبها من الطلاب في موضوع المجتمع العراقي كل عام فتراكم عندي منها على توالي الأعوام عدد كبير، لا أنكر ان بعض هذه التقارير كان تافهاً وليس فيه قيمة علمية كبيرة ولكن البعض منها وهو قليل طبعاً يحتوي على ملاحظات واستقرأت اجتماعية نافعة... لقد اتاحت لي هذه التقارير على أي حال أن أزداد تبصراً في المجتمع العراقي عاما بعد عام فالطلاب يأتون الى الجامعة من شتى انحاء العراق القريبة والبعيدة ومنهم من جاء من البلاد العربية المختلفة. فكانت تقاريرهم عن تقاليد مناطقهم وقيمها الاجتماعية تنَّور الذهن قليلا او كثيرا ...الخ]انتهى
أقول: اليكم جدول بعدد الطلبة كما ورد في ص 66 من كتاب/ مئة عام مع الوردي/محمد عيسى الخاقاني
اعداد الطلبة الخريجين من قسم الاجتماع في كلية الآداب (1959/ 1960 الى 1964/ 1965)
1959/ 1960 :32 طالب
1960/ 1961 :25 طالب
1961/ 1962: 22 طالب
1962/ 1963: 41 طالب
1963/ 1964: 36 طالب
1964/ 1965: 28 طالب
عليه يكون المجموع هو: (184) طالباً "يعني معدل (31) طالب في العام تقريباً " بعضهم جاء من البلاد العربية المختلفة كما يقول الوردي و لا نعرف عددهم"...ربما بعض ثوار تونس" وعلى فرض ان كل طالب قدم كل سنة دراسية تقريراً واحداً يعده خلال العطلة الصيفية أي كل طالب يقدم خلال دراسته الجامعي "أربعة أعوام" أربعة تقارير فسيكون مجموع تلك التقارير (736) تقريراً منها ما يخص الطلبة من الأقطار العربية!!!" ومن تلك التقارير ما قال عنها الدكتور الوردي انها تافهة ليس فيها قيمة علمية. عليه فبعض هذه التقارير نافعة. لم يذكر الراحل الوردي عدد التقارير التي اعتمدها او استفاد منها او نسبتها. لكن يمكن من تدقيق او تحليل عبارة الراحل الوردي (ولكن البعض منها وهو قليل طبعاً) يمكن ان نعدها قليلة وهي لا تخلوا كما أشار الدكتور من فائدة.
من الجدول اعلاه ومن ملاحظة الدكتور الوردي نستنتج ان عدد الطلبة قليل. وحتى يعطي الدكتور اهمية لتلك الرسائل: "ذات القيمة العلمية" ويصورها كامله مفيدة كعادته فيما يكتب عندما يحب ويهوى ويعشق له الذكر الطيب قال: (لقد اتاحت لي هذه التقارير على اي حال أن ازداد تبصراً في المجتمع العراقي عاماً بعد عام فالطلاب يأتون الى الجامعة من شتى انحاء العراق القريبة والبعيدة] انتهى
أستغرب من اختيار الراحل لمفردة "تَبَّصُرْ" وكأنه لا يعرف معناها او الفرق بينها وبين غيرها الملائمة هنا والكلمة المناسبة كما اتصور في مثل هذه الحالة هي الاطلاع أو تخيل أو تصور أو حتى معرفة الحالة.
وسبق ان تطرقتُ الى مثل تلك الرسائل سابقاً اليكم مثال عنها كما نقل لنا الوردي: [ان قصص غسل العار في العراق كثيرة جداً تكاد لا تُحصى وقد قدم لي أحد طلابي تقريراً تضمن من هذه القصص ما يُدهش ويُذهل] انتهى
طالب واحد وبتقرير واحد قدم ما يذهل الوردي ويبهره عن غسل العار!!! ليتخذه الوردي دليل يعتمده ويبني عليه تصوراته و نظرياته وتحليلاته واستنتاجاته عن المجتمع العراقي وهذه كما أتصور كارثة علمية.
واليكم نموذج اخر: [في ص305 دراسة في طبيعة المجتمع العراقي 1965 كتب أيضا: [في عام1951 قدم لي أحد الطلاب تقريرا عن مدينة هيت ذكر فيه ان الحجاب اخذ ينتشر في المدينة منذ عهد ليس ببعيد فقد كانت المرأة الهيتيه سافرة كغيرها من نساء الأرياف والمدن الصغيرة ولكنها بدأت تميل نحو الحجاب من جراء احتكاكها بالنساء الحضريات اذ هي صارت تقلد هؤلاء النساء...الخ] انتهى
هل هذه تقارير "تزيد التَبَّصُرْ او فيها ما يُدهش ويُذهل"؟؟؟ هذه التقارير التي اعتمدها الوردي في بيان وجهة نظره عن مجتمع مثل المجتمع العراقي...وهذا قصور علمي كما اتصور.
لا بد لي هنا ان أقول او اُقّدر او أتوقع ان الكثير من مناطق العراق لا توجد فيها مدارس ثانوية/اعدادية وقت ذاك وان عدد الطلاب قليل ومن هذا فأن عدد طلاب المناطق البعيدة عن الجامعة الوحيدة في العراق وقتها/ جامعة بغداد كان قليلاً جداً جداً كما أتصور. واكيد الغالبية العظمى من طلاب الراحل الوردي هم من بغداد وضواحيها والنادر منهم من المحافظات المحيطة بها والبعيدة لاعتبارات كثيرة منها ان دراسة ذلك التخصص لا تحظى بالاهتمام إلا من او في محيط معين كما اتصور.
السؤال هنا: هل هذه العينة كافية لدراسة أو نافعة في دراسة مجتمع معقد مثل المجتمع العراقي وإطلاق ما أطلقه الراحل الوردي عليه؟
[ملاحظة: شخصياً أكملت الإعدادية/الثانوية عام 1969/ 1970 في مدينة الناصرية وكان معي في الفصل طلاب من بعض الاقضية التابعة للمحافظة وهو دليل على عدم وجود مدارس اعدادية/ثانوية في كل تلك الاقضية واكيد هذا حال الكثير من المحافظات الأخرى مع فوارق بسيطة هنا وهناك فكيف كان الحال عام 1951 او ما بعدها عندما درَّس الوردي في الجامعة وطلب تقارير الطلاب]؟؟؟؟.
[[ٌملاحظة عابرة: في عام 1994 عندما زرت قضاء الشرقاط وقضيت بعض الليالي الجميلات هناك مع بعص أهلها الكرام او في ضيافتهم وقفتُ يوماً مشدوهاً امام قطعة تهريفية على واجهة مدرسة تثول: ثانوية تأسست عام 1934 كما علق في ذاكرتي...ربما العام بهذا الحدود]]
3ـ الندوة التلفازية: [وهذه كنت أقوم بها في محطة تلفزة بغداد عام 1960 وكان عنوانها "انت تسأل ونحن نناقش". وقد وصلتني من جراء ذلك رسائل كثيرة يسألني فيها أصحابها حول بعض مشاكلهم الاجتماعية وقد استفدت من هذه الرسائل فائدة غير قليلة ولا أزال احتفظ بها، إذ اعتبرها مرجعاً لدراسة المجتمع العراقي فهي تمثل نوع المشاكل التي يشكو منها بعض اهل العراق لا سيما الجيل الجديد منهم وما هو الصراع النفسي الذي يعانونه تحت وطأة تلك المشاكل]انتهى
أقول: لمعلومات القارئ الكريم أن البث التلفزيوني التجريبي في العراق كان في أواسط او نهاية عام 1956 واستمر البث متقطع ومحدود في بغداد وضواحيها. ويمكن ان اضيف الى حالة البث التلفزيوني الحالة المعاشية للشعب التي لم تسمح للنسبة العالية جداً من أبناء الشعب من شراء / اقتناء أجهزة التلفزيون/ التلفاز وقت ذاك...يمكن ان نتصور عدد تلك الرسائل بتصور عدد اجهزة التلفاز في البلد ومدة البث وعدد المهتمين بمثل هكذا برامج ونحن نتكلم عن عام 1960 أي بعد ثلاثة سنوات من انطلاق البث التجريبي واستمرار عدم تمكن البث من تغطية ربوع "المجتمع العراقي"... ربما كانت نصف مقاهي بغداد "غالبيتها" لا توجد فيها اجهزة تلفاز وربما أكثر من 80%(تتجاوز ال 90%)من بيوت العراقيين لا تحويه. والبرنامج جرى على بعض أيام عام 1960 فقط وقد توقف البرنامج او مُنعْ حسب ما ذكر الوردي في هامش ص20 من الكتاب حيث ورد التالي: [أجرت احدى الصحف البغدادية استفتاءاً حول افضل ندوة تقدمها محطة التلفزة في ذلك الحين فكانت نتيجة الاستفتاء: انها ندوة [ انت تسأل ونحن نناقش] ولم تمض على هذا الاستفتاء سوى مدة قصيرة حتى الغيت الندوة بلا اعتذار وليس هذا بالأمر العجيب في هذا البلد الأمين]انتهى
كتب الراحل الوردي في ص172 من كتابه خوارق اللاشعور/1952 التالي: [سألني أحد اولادي منذ زمن بعيد قبل ظهور التلفزيون في العراق ان اشتري له جهازا للتلفزيون حيث ظن انه يستطيع ان يرى به الدنيا كلها ولم يعلم بان هذا الجهاز لا ينفعه في تلك الفترة ما دامت محطة التلفزيون غير موجودة وقت ذاك] انتهى
اقول: منذ زمن بعيد قبل ظهور التلفزيون لا نعرف متى لكنها قبل عام 1956...وللعلم فان أكبر أولاد الراحل الوردي هو من مواليد عام 1944(لهما الذكر الطيب). والتلفزيون صار في بغداد عام1956 أي بعد ولادته ب12 عام و الوردي عرف التلفزيون في أمريكا بعد عام 1946...فكيف من زمنٍ بعيد؟؟؟
من هذه الملاحظات نتبين او نستطيع ان نقدر عدد ساعات البث وجمهور المشاهدين وعدد من يهتم ببرنامج الراحل الوردي من الذي تيسر لهم مشاهدة التلفزيون عام 1960 وعدد الرسائل الواردة اليه ونوعية الأسئلة ومقدار ما حملته من معلومات عن المجتمع العراقي؟؟؟؟
4ـ ملاحظاتي الشخصية: فقد اعتدت منذ زمن غير قصير ان اتجول في نواحي المجتمع العراقي واصغي الى أحاديث العامة ولا سيما المعمرين منهم وولعت بذلك ولعاً شديدا.] انتهى
وفي ص17 من نفس الكتاب كتب الراحل الوردي التالي: [ولابد من الإشارة هنا الى إني تطرقت الى دراسة المجتمع العراقي في بعض كتبي ومحاضراتي العامة سابقاً وكما يأتي:
* شخصية الفرد العراقي 1951.
* وعاظ السلاطين 1954.
* اخلاق اهل العراق 1958.
* مؤتمر علم الاجتماع العالمي الرابع/ شتريزا/إيطاليا 1959.
* مهرجان ابن خلدون/القاهرة/1962.
* محاضرات في معهد الدراسات العربية العالية في مصر 1962.
ثم يُكْمِلْ الوردي : [قصدي من ذكر هذه البحوث السابقة هو لفت نظر القارئ الى ان الآراء التي وردت فيها لم تكن نهائية فقد غيرت البعض منها وابقيت البعض الاخر على حاله وهذا امر لا اعتذر عنه فالبحث العلمي من شأنه التغيير والتطوير اذ هو يسري في ذلك تبعا لتغَّير المعلومات التي يعثر عليها الباحث مرة بعد مرة ولهذا ارجو من القارئ ان لا يستغرب حين يجدني أقول في هذا الكتاب براي مخالف لما جاء في بحوثي السابقة] انتهى
انطلق الدكتور في ذلك من التالي: [ورد في ص21 من كتاب دراسة في طبيعة المجتمع العراقي التالي: {ولهذا كنتُ إذا اردت الدراسة أحاول نيل ثقتهم قبل أن أبدأ بالسؤال وكنت أوجه إليهم الأسئلة تلقائياً وأحرضهم على الإجابة عن طريق إثارتهم وبعث الحماس والفخر فيهم. في رأيي إن أصح طريقة لدراسة المجتمع العراقي هي تلك التي جاء بها العالم الألماني المعروف "ماكس فيبر" وهي التي تعتمد على "التفهم" وتكوين المثال النموذجي فهي ملائمة لطبيعة مجتمعنا وظروفه الخاصة}] انتهى
أقول: لا اعرف كيف كان الراحل يثير حماسة من يسألهم وبالذات السفلة والسقطة والمجرمين؟
هل كان يلقي عليهم الشعر الجاهلي الحماسي الذي لا يعرفون عنه شيء أم شعر أبو نؤاس ؟
هل كان يهتف امامهم أو يلقي عليهم خطب حماسية لا يفهمونها؟
هل كان يثير فيهم البداوة والعشائرية وهم لا يفهمون منها شيء؟
هل كان يمتدحهم دينياً/طائفياً ام قومياً ام زقاقياً و هم سفلة وسقطة ...؟
لم يذكر لنا الراحل نموذج لتلك الأسئلة التلقائية التي تتوافق مع حماستهم وفخرهم وهم لا يهمهم سوى ما يشبع حاجياتهم الانية؟
كيف يحرضهم على الإجابة وهو لا يصافحهم ولا يحسن التصرف معهم ولا يعرف حتى كيف يحييهم كما هم متعودين؟
تصوروا الراحل الوردي في مقهى من مقاهي أحد ازقة بغداد يثير حماسة السفلة والسقطة والمجرمين ويسألهم بتلقائية عن المجتمع العراقي؟ ماذا تتصورون النتيجة/ الإجابة؟
انا اتصورها وأستطيع ان اُجيب على هذا السؤال لكن المقام غير المقام والحضور غير الحضور...
اما عن طريقة ماكس فيبر ونموذجه والتفهم. اسأل الراحل: كيف تمكنت من تكوين النموذج المثالي او المثال النموذجي؟
كيف شخَّصتَ وكوَّنتَ ذلك المثال النموذجي؟
وإذا كان ذلك لك، كيف تصرفت معه هل تفردت به وقدمت له الأسئلة او طلبت منه المعلومات؟
لم يحدد لنا الدكتور نواحي المجتمع العراقي تلك لكنني اتوقع او "اجزم" انها بعض ازقة ومقاهي بعض حارات بغداد وسفرات/رحلات طلابية الى بعض محيط بغداد او بعض القرى التي يمكن الوصول اليها والعودة منها في نفس اليوم مثل منطقتي "بلد/ الدجيل" شمال بغداد ومنطقة "عفك" وسط العراق. طبعاً مع اطلاعه بهذا الشكل او ذاك على بعض ما موجود وقتها في مدينتي كربلاء والنجف.
تلك هي من اعتبرها الدكتور الوردي نواحي المجتمع العراقي وهذا قصور كما أتصور.
ثانياً: كلام المعمرين: وهم رواد المقاهي من خليط المجتمع العادي وفيهم من الوافدين والمقيمين من اقوام متعددة (اكراد وأتراك وفرس وآذاريين وقوقاز وربما افغان وهنود وغيرهم)... ربما بعضهم لا يعرف حتى ضواحي بغداد الاخرى من خلال الانغلاق العائلي والمذهبي والقومي والمحلاتي وحتى (الزقاقي). يضاف لهؤلاء طبعا أولئك المحيطين بالراحل الوردي من الاقارب وابناء المحلة ورجال الدين والأصدقاء في منطقة الكاظمية.
هل يمكن ان تتم دراسة مجتمع تشَّكل عبر الالاف السنين ومرت عليه نوائب عظيمة فقد خلالها شعبه الأصلي "النبط" كما أشار الراحل الوردي وعاشت على ارضه اقوام عديدة تركت اثاراً كثيرة؟
الغريب ان الراحل الوردي وهو "يدرس المجتمع العراقي" كتب كما ذكرتُ في مكان آخر ان: [علم الاجتماع هو بطبيعته متواضع يستمد أكثر معلوماته من السوقة ومن السفلة والمجرمين والغوغاء فهؤلاء بمنابزاتهم وبتعاونهم وتنازعهم يمثلون القيم الاجتماعية السائدة اصدق تمثيل وهم بهذا المعنى أفضل من المتعلمين] انتهى
مجتمع يعود بجذوره كما قال او أشار الراحل الوردي الى من اطلقَ عليه الراحل الوردي أبو المدَّنية "آدم" ...والى تأثير الاسم الكبير في حكايات التاريخ "نوح" يذهب الوردي ليستقصي في سبيل دراسته السفلة والمنحرفين؟
شيء يصعب القبول به او الركون اليه أو حتى احترامه. لكن يمكن اعتبارها وجهة نظر قالها من قالها تُقرأ ويُرد عليها ولا أقول أكثر.
هل علماء الاجتماع في العالم الذين درسوا مجتمعاتهم اعتمدوا فقط على أمثال من اعتمد عليهم الدكتور الوردي؟
هل السفلة والسقطة هم عماد المجتمع العراقي؟
هل يُدْرَسْ المجتمع على الاستثناء/الشواذ؟
هل هؤلاء السوقة والسفلة متشابهين في اهتماماتهم وتأثيرهم في كل مناطق بغداد؟
هل منهم نماذج في مناطق العراق الاخرى؟
ماهي الاسئلة التي وجهت لهم وماهي اجاباتهم؟
هؤلاء "السفلة والسقطة والمجرمين الذين التقاهم الراحل الوردي في ازقة "درابين" بغداد" يختلفون بأشكالهم ورغباتهم وهواياتهم وملابسهم و لغاتهم ولهجاتهم واقوامهم وآرائهم وتطلعاتهم ورغباتهم وامراضهم وعُقَدهم واذواقهم واكلاتهم باختلاف ازقتهم أو مناطق سكناهم وتواجدهم وانحداراتهم أي لا تجمعهم "ثقافة اجتماعية" واحدة ولا "إطار فكري" واحد ولا "قوقعة فكرية" واحدة.... فكيف درس الدكتور الوردي مجتمع مترام الاطراف ومتعدد القوميات والعقائد والأديان من خلال هؤلاء الشواذ؟؟؟؟
وهو القائل في خوارق اللاشعور ص 54 التالي: (لا تصغي الى الفاشلين) انتهى
بغداد كما عرف ويعرف الدكتور الوردي له الذكر الطيب متنوعة من اقوام وفدتها مع الاحتلالات والفتوحات وموجات الغزو والتسلل من دول المحيط القريبة والبعيدة. ربما ينحدر بعضهم من بحر الخزر او من القسطنطينية او حتى من اواسط اسيا ومن افريقيا.
ما جمعهم جامع إلا المحلة او الزقاق/الطائفة لذلك تجدهم بدون داعم عشائري او حكومي... عليه افتخروا وتفاخروا راغبين او مكرهين ببروز "بزوغ" نماذج او اشخاص تَمَيَّزَوا بالعنف والشدة ليكونوا حُماة لهم امام "غزوات" او "عداوات" المحلات والازقة الأخرى التي لا تفصلها عن بعضها سوى عدة أمتار فصاروا كما كان البدو يحتاجون الى الشاعر ويحتفلون عندما "يبزغ" فيهم "نجم شقاوة" او "مجرم" او "ساقط " او "سافل" لأنه سيدافع عنهم ويحميهم ويحمي "الطرف" و "العكًد" في حين من امثال هؤلاء غير موجودين في الأعم الأغلب من نواحي العراق الأخرى وأن تشَّبه نموذجاً منها بهم نبذوه وآذوه واذلوه وعزلوه وربما شنعوا به او قتلوه حيث هناك ضوابط مدنية/ مدينية او عشائرية او عائلية تدير الأمور وتضبط الوضع وتقمع المعتدي وتشيع الاطمئنان بغياب الدولة.
ولتبرير لجوء الراحل الى هذه النماذج في "دراسته" للمجتمع العراقي كتب في صفحة 20 و21 التالي:(مشكلة الكثيرين من الناس أذ هم يعتقدون ان العلم يجب ان يكون أسمى من مستوى الجماهير وأنه كلما ازداد سمواً وتحذلقاً ارتفعت قيمته وهذا مفهوم قد استمد جذوره من طبيعة الطبقة التي كانت ترعى العلوم قديماً اي طبقة الحكام المترفين) انتهى
أقول: نعم يجب ان يكون العِلم أسمى من مستوى الجماهير وهو فعلاً أسمى وإلا لما سُميَّ علم ويجب أن يكون كذلك حتى يرتقي بها [فهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ أم هل يستوي الاعمى والبصير؟] كما ورد وكما يستعير الراحل الوردي من القرآن عندما يحتاج الى تلك الاستعارة.
أن نزول العالِم الى الجماهير مُحَّبَذ ولا عيب فيه على ان يدفعهم الى الارتقاء بالعلم وبواسطة العلم الى حال أسمى من حالهم اي لغرض انتشالهم من الجهل او مما يحيط بهم ويسيطر عليهم وهذا شأن كل العلوم على مدى التاريخ او هذا ما تتذكره وتعيشه البشرية في وعن العلم والعلماء لا ان يستمع العالِمْ الى الشواذ ويسمع منهم ويذهب ليختلي بنفسه ويكتب تحت لافتة النزول من الأبراج العاجية. لقد كان المهتمين بالعلم ولا يزالون ينحدرون من كل المنازل والمواقع والمستويات فمنهم المترف والكثير منهم من غير المترفين الا إذا كان تصور الدكتور بأن العلوم والعلماء تنشأ في البلاط وفي حواشيه وحاشية الخلفاء والامراء وهناك امثلة كثيرة وكبيرة اكيد يعرفها الدكتور الوردي...أن هذا الطرح اراد به الدكتور تبرير تطبعه والدفاع عن عدم دقة لازمت هذا الطرح وهذا ما يطلق عليه الدكتور تبرير العيوب للنفس. هل مَنْ ظهر مِنْ علماء في فترة نهضة العراق او المنطقة كانوا من او في بُرُّجٍ عاجية...او كانوا وعاظ السلاطين!!؟؟
أما ما نعتقد ان الدكتور قصده ب "العلماء" في هذا القول هم ""علماء البلاط الملكي ""و ""وعاظ الخطب النارية"" في بغداد وقت ذاك. وحاشية البلاط و اتباعها و اتباعهم من اولاد "الوجهاء" الذين احتكروا المدارس والتعليم و البعثات و التعيينات يعني ( الافندية) وهنا ربط الدكتور الحالة التي قصدها و سحبها بأثر رجعي بعمومها الممتد منذ عشرات القرون أي منذ انزياح العصر الجليدي الرابع كما يقول الوردي وعممها على الزمن الذي هو فيه و هذا ليس بالعميق في جذور العلم و يمكن ان نستشف من ذلك ان الدكتور يعني الحالة بين التعليم في زمن الملكية والتعليم بعد ثورة الرابع عشر من تموز التي أطلق عليها الدكتور في ايامها الاولى" ثورتنا الكبرى" و بعد ذلك اطلق عليها "صدمة" أو "هزة" 14تموز1985و تأكيداً لذلك قولة التالي: [..أما الان فقد زالت دولة هذه الطبقة واصبح المقصود من العلم أن يكون من وسائل خدمة الجماهير بدلاً من أن يكون من مظاهر التعالي عليها].انتهى .
ولكن مع ذلك فأن "السَقَطة والسفلة والمجرمين" ليسوا هم الجماهير المقصودة ولو انهم جزء شاذ او منبوذ منها.
يتبع لطفاَ......
612 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع