أحمد العبدالله
صدّام حسين(يقرِّع)جلّود في قمة عمّان(٢-٢)
ويستمر(غريندايزر) في سرد (بطولاته), على طريقة(إبراهيم عرب)!!, ويزعم إنه في أحد مؤتمرات القمة في المغرب نشبت بينه وبين الرئيس اليمني علي عبدالله صالح مشادة كلامية خارج قاعة المؤتمر, وقام على أثرها جلود بسحب الرئيس اليمني من ربطة عنقه. وكأنه يمارس لعبة(جرّ الحبل)!!. ويكتفي الرئيس صالح بأن يشكوه لدى القذافي, فيتصل هذا بجلود ويقول له؛ حسناً فعلت!!. ثم يستمر في هذيانه, وفي موسكو هذه المرة التي وصلها متأخرا عن الموعد المحدد فلم يجد رئيس الوزراء السوفيتي(كوسيغن)في استقباله, فيرعد ويزبد ويهدد بقطع الزيارة, فيهرع(كوسيغن) إليه معتذرا, فيقرر جلود إذلاله ويستقبله في مطبخ بيت الضيافة!!. وفي السويد يحدث أمر مماثل عندما لا يجد رئيس وزارائها(أولف بالمة)في المطار, بل وجد شخصا بملابس بسيطة ينتظره عند سلّم الطائرة, وظن جلود إنه موظف تشريفاتي صغير, وعندما يركبان السيارة باتجاه مقر الإقامة يتفاجأ جلود بأن مستقبِله هو رئيس الوزراء نفسه بعد أن عرّفه بنفسه, فتهدأ ثائرة جلود!!.
إن المسؤولين في الغرب بشكل عام, لا يتوقفون كثيراً أمام هذه الشكليات البروتوكولية, بل ما يهمّهم هو الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب لدولهم وشعوبهم, وليس لشخوصهم. أما المسؤولون العرب فشغلهم الشاغل هو حرارة الاستقبال وكميات الطعام والشراب التي توضع على موائد الضيافة وفخامة مقر الإقامة. فارتقى أولئك بمكانة دولهم, وبقي العرب في نكوص وتردٍّ. لأن المسؤول في تلك الدول هو خادم للشعب, وتوجد مؤسسات وصحافة حرة تراقبه وتحاسبه عندما يشتطّ عن الطريق. أما عندنا فـ(الشعب في خدمة الزعيم)!!.
كان إسم جلود يسبقه رتبة(الرائد الركن), وكنت أستغرب هذه الصفة التي ألصقها بإسمه لردح من الزمن, فمن أين حصل على شهادة الأركان وهو بالكاد كان برتبة ملازم عندما نفّذوا انقلابهم المشؤوم عام 1969. ولكن جلود في كتابه يفصح إن هذه(الشهادة), والتي لا يستحقها قطعا, قد منحها له(الأخ معمر), لـ(قيادته الناجحة للمعركة ضد الجيش المصري)!!. والقصة إنه في تموز 1977, ضاق الرئيس أنور السادات ذرعاً بتدخلات القذافي و(خرابيطه), فقرر أن يذيقه(علقة سخنة), فدفع بعضا من قواته وتوغّل لعمق عشرين كيلو متراً داخل الأراضي الليبية من الجهة الشمالية, وأغار سلاح الجو المصري على عدد من القواعد الجوية الليبية ودمّر ستين طائرة, وعُرفت تلك الاشتباكات بـ(حرب الأيام الأربعة), ثم عادت الأوضاع إلى ما كانت عليه بعد وساطة جزائرية وفلسطينية. ولم تكن هناك مقاومة جديّة من القوات الليبية, لأن القذافي سبق وأن ألغى المؤسسة العسكرية, مستعيضا عنها بما أسماه؛(كتائب الشعب المسلح), وهي للاستعراضات وليس للقتال.
ولكن الكارثة الكبرى وقعت مع الجار الجنوبي لليبيا؛تشاد, حيث دسَّ القذافي وجلود أنفهما في شؤونها الداخلية مناصرين طرفاً على آخر بحجة؛(تمكين مسلمي تشاد), ولكن واقع الحال إنهما كانا يلعبان بكل الأطراف, وزجوا بقواتهم في حرب داخلية لا ناقة للّيبيين فيها ولا جمل, وبدون استراتيجية واضحة المعالم, ثم ازداد تدخلهم واحتلوا نصف مساحتها, قبل أن يغطسوا في الرمال ويضطروا للانسحاب, فلاحقتهم قوات حسين حبري التشادية لمئات الكيلومترات في العمق الليبي, ووصلوا حتى قاعدة(السارة) الجوية ودمروا واغتنموا كميات هائلة من السلاح والعتاد ومن ضمنها طائرات مقاتلة وعمودية, وآلاف من الأسرى ومنهم قائد القوات الليبية في تشاد العقيد(المشير)خليفة حفتر. المهم؛ كان(القائد العام)لهذه الهزيمة الشنيعة أو الفضيحة المدوّية هو(الرائد الركن)عبد السلام بن جلود!!. ولكنه هذه المرة لم يحصل على ترقية استثنائية من(الأخ القائد), بل ناله منه توبيخ وتعنيف ثم تجميد, أعقبه(شلوت على قفاه), ونهاية مستقبله السياسي, ومعها نهاية مغامرات القذافي/ جلود.
ويبلغ إبن جلود منتهى الانحطاط والسقوط وهو يروي بتفاخر, فصول علاقته بـ(الثورة الإيرانية), والتي يصفها بـ(ثورة القرن)!!ووصوله لمطار طهران بعد أربعة أيام فقط من هبوط الطائرة الفرنسية التي جلبت خميني الدجال من باريس, ولقائه به والذي وصفه بـ(الدافئ والحميم)!!, ويقول؛ إن(خميني)رفض الحديث معه باللغة العربية, علماً إنه يجيدها تماما, في موقف يكشف عنصريته الفارسية رغم إنه هنديّ الأصل!!. ويصف جلود هذه الزيارة التي طالت لأسبوعين كاملين؛(إنها أهم زيارة في حياته)!!, وكانت بمثابة(دورة تنشيطية لتفكيره الثوري)!!.
وبعد فرض الحصار على ليبيا بسبب(قضية لوكربي), أرسل القذافي(عرّاب)علاقته مع الإيرانيين إلى طهران متوسلا منهم الدعم والمساندة و(ردّ الجميل), يوم زوّدهم بالصواريخ التي ضربت بغداد, وهو ما لم يجرؤ حتى المجرم النصيري حافظ أسد على فعله, كما شحن لهم السلاح والعتاد والخبراء مجانا, ومضحيا بعلاقاته مع محيطه العربي. فلم يسمع جلود خلال مقابلته للمرشد(الأدنى)خامنئو,غير كلام سقيم ووعود فارغة, ولم يقبض من(دبش) شيئاً يذكر. فالقذافي وجلود ومن على هذه الشاكلة, بالنسبة للفرس المجوس, لا يُعدّون سوى مطايا يمتطونها لتحقيق أغراضهم العدوانية التوسعية في أرض العرب, وبعد الفراغ منهم يتركونهم لحال سبيلهم هائمين على وجوههم. وهذا ما حدث بالضبط في ثورة الشعب الليبي على القذافي في 2011, حيث لم يفعلوا له شيئا ولو بالكلام, بل وأظهروا الشماتة بمقتله!!.
والغريب جدا إن(جلود)بعد كل هذه المدة الطويلة, لا زال مغرما ومهووسا بـ(خمينو)وثورته البائسة, رغم افتضاح نفاقهم ودجلهم بخصوص فلسطين وعدائهم المزعوم لإسرائيل, والذي لم يتجاوز طيلة هذه السنين الطوال التهديدات الخاوية. بينما هم دمّروا وخرّبوا خمسة بلدان عربية وشرّدوا الملايين من شعوبها, ويطمعون في المزيد. فما سرّ هذا(الوَلَه الجلودي) بالإيرانيّين؟!!, فهل صوّروه في أوضاع مشينة؛(على طريقة قوم لوط, مثلا), خلال إحدى زياراته الكثيرة لطهران وورّطوه وصار من غلمان(الوليّ السفيه)صاغرا, وبات سيفَهم مُسلّطا على رقبته؟!. أنا لا أستبعد أبدا هذا الاحتمال, وذلك ما قد يظهر عند سقوط حكم الملالي الدجالين وانكشاف(المستور).
وفي خاتمة هذا المقال سأروي ما لم يذكره جلود في مذكراته!!. فخلال مؤتمر القمة العربي بعمّان في خريف عام 1987, كان الرئيس صدام حسين حاضراً, وأرسل القذافي جلود نيابة عنه, وخلال إحدى جلسات القمة, تفاخر الأخير بتحالف نظامه مع ايران, ورفضه لأي قرار يصدر عن القمة يدينها!!. فانتهره الرئيس صدام حسين وقرّعه ووجّه له إهانة قاسية, قائلا له؛(يا ولد..لا تتحدّث كالأطفال, وتصرّف بما يليق, فأنت تجلس في حضرة القادة العرب)!!. فترك جلود الجلسة ساخطاً, واعتكف في غرفته. وبعد ساعات ذهب إليه مرافق الرئيس(العقيد)حسين كامل و(جلبه)معه ليعتذر من صدّام حسين(عمّا بدر منه)!!.
4286 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع