شناشيل:فرجة في غير مكانها

                                      

في جمعة الأسبوع الماضي تقدّم مني في شارع المتنبي شاب يافع كان برفقته آخرون في عمره تقريباً، وقدم إليّ بطاقة دعوة إلى عرض مسرحي.

شكرته وطمأنته إلى أن "المدى" ستنشر خبراً عنه في يوم لاحق، لكنه استدرك ليبلغني بأنه وزملاءه راغبون في حضوري شخصياً، فأعطيته وعداً غامضاً بعض الشيء بتلبية دعوته إن استطعت.

لم يفتني أن أفسر للشاب وزملائه سبب ترددي. قلت: إنكم تقدمون العرض في يوم الجمعة (أمس) الساعة 11 صباحاً وهذا موعد يتضارب مع الموعد الأسبوعي للكثير من المثقفين مع شارع المتنبي. اقترحت أن يتغيّر موعد العرض المسرحي، لكن الشاب أفهمني بأن هذا غير ممكن فليس لديهم سوى مكان بعينه، وهو يكون متاحاً يوم الجمعة أكثر من أي يوم آخر، فضلاً عن علاقة العرض باليوم العالمي للسلام في الحادي والعشرين من أيلول (أمس)، فقررت مع نفسي أن ألبي الدعوة، خصوصاً وان الشاب قال بلهجة ودودة للغاية: حضوركم سيكون تشجيعاً لنا.

بعد يومين من ذلك وقعت واقعة شارع المتنبي عندما تصرفت القوات الأمنية، كعادتها، مع بسطات الكتب في الشارع على طريقة "ابن عبدكة" أو "ابن جلا وطلاع الثنايا" فكسّرت ما كسّرت وأهانت من أهانت، فعزمت على الذهاب الى الشارع هذه الجمعة تضامناً مع من تجاوزت على إنسانيتهم وعراقيتهم القوات الأمنية. ولكن قبل أن أتوجه إلى الشارع طالعتني في الخيال عيون ذلك الشاب وزملائه، ولم أرغب في خذلان أصحابها.

المسرح فرجة، وأهم شروط الفرجة الإبهار، بصرياً وسمعياً، والمتعة. وكان عرض يوم أمس (عادات الموت السرية لفرقة بابيلون) فرجة جيدة إلى حد ما، وبالتأكيد كانت ستكون فرجة مكتملة الشروط لو قُدم العرض في مكان غير هذا المكان. ولم يكن المكان سوى سقيفة عادية تتسع لعدة مئات من الناس أنشأتها محلية الرصافة للحزب الشيوعي في منطقة بارك السعدون. بالكاد يصلح المكان (مع الانقطاعات المعهودة للكهرباء) لاجتماع حزبي موسع أو تجمع جماهيري محدود، وربما لعرض سينمائي. أما لعرض مسرحي فلا يصلح بالمرة، فليس هناك مكان مرتفع (خشبة المسرح) يقدم عليه الممثلون عرضهم ليكون متاحاً للمتفرجين جميعاً متابعة حركات الممثلين وسكناتهم.. كان على بعضنا أن ينهض من مكانه ليتابع ما يؤديه الممثلون، خصوصاً وان بعض الأداء جرى على مستوى سطح الأرض.

لست قادماً من المريخ .. أعرف أن واحداً من المليون عيب وعيب في دولتنا عدم توفر المسارح، فتلك المسارح التي كانت واحدة من مفاخر بغداد صارت بيوتا للخفافيش والعناكب أو مخازن للسلع، ودولتنا قاصرة عن تحسين أوضاع الناس الأمنية والمعيشية، فمن ذا الذي يفكر بالمسرح والسينما والموسيقى والغناء والمكتبات!

حضور عرض يوم أمس كان بحدود المئتين، وهو رقم غير قليل في ظروف بغداد الحالية. هذا دفعني إلى التفكير بان ينظم الحزب الشيوعي، وربما أيضا قوى التيار الديمقراطي جميعاً، بحملة وطنية للتبرع ببناء مسرح في بغداد، أو في الأقل شراء أحد المسارح المهجورة الا من الخفافيش والصراصر والسلع.

هل هذا كثير؟

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

760 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع