أحمد العبداللّه
تهافت مقولة؛(فلسطين قضية العرب المركزية)!!
ظلّت مقولة؛(فلسطين قضية العرب المركزية), وإن واجب تحريرها؛ من النهر الى البحر, يقع على عاتقهم جميعا, هي المقولة الرائجة خلال النصف الثاني من القرن العشرين بأكمله تقريبا. فهتفت بها الجماهير, وتشدّق بها الحكّام, وتغنّى بها الشعراء, وتناولتها أقلام الكُتّاب. وعُقدت لأجلها المؤتمرات والاجتماعات, وتعكّزت عليها الانقلابات العسكرية التي وقعت في سوريا ومصر والعراق وليبيا, وغيرها, مستمِدّة مشروعيتها ومبرراتها من تلك المقولة. وبشعارات خدّاعة, وبامتطاء أحزاب(قومية), تسلّقت أقليّات مشبوهة للسلطة, حكمت شعوبها بالحديد والنار. وأنا هنا أعني بالتحديد الحكم النُصيري الجاثم على صدر السوريين منذ ستة عقود عجاف. حتى صار تحرير سوريا من رجسهم أولى من تحرير فلسطين*!!.
1979..هبطت(رجسة الخراب),مجسّدة بالدجال خميني في طهران؛(أرض الشرك والنفاق),قادمًا من موطن الماسونية العالمية. ورافعًا شعارات صاخبة تصمُّ الآذان, بأنه جاء(خصّيصا)لتحرير فلسطين بجيش الـ(20)مليون مقاتل!!. فانطلت هذه الحيلة الخبيثة على كثير من العرب والمسلمين لردح من الزمن. فقضية فلسطين صالحة, ومنذ 100 عام, للـ(استثمار)لكل من هبَّ ودبَّ, وآخرهم؛سلطة الميليشيات الإيرانية المتسلطة على بغداد برعاية؛(الشيطان الأكبر)!!, أصحاب مقولة؛(نحن أصحاب الحسين,وأنتم[السُنّة]أصحاب يزيد)!!, والذي في عهدهم الأسود, تم قتل وتهجير الفلسطينيين المقيمين في العراق منذ نكبة 1948, من قبل ميليشياتهم الطائفية الإجرامية, في تناقض صارخ بين القول والفعل.
وفي تقرير لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية, صدر في تشرين الأول 1979، أكد محللو الوكالة أن إيران تعمل على توظيف الأقليّات الشيعية في البلدان العربية ذات الأغلبية السُنّيّة لخدمة المخططات الإيرانية الساعية لزعزعة أمن واستقرار دول الجوار العربي. ويشخّص الكاتب السوري؛(عبد الناصر العايد)بشكل دقيق هذه الحالة, بقوله؛ إن خطة إيران(تقوم على استنهاض أقليّة مذهبية وتقويتها داخل حدود بلد ما لتصبح دولة داخل الدولة، وتفرض هيمنتها عليها، من دون أن تنفصل عن جسد تلك الدولة، أي عبر الاندماج في الشأن السيادي، مع الوقاية من الذوبان في الجماعة الوطنية).
وبعد ربع قرن تلاشت شعارات تحرير فلسطين وبان هزالها, باحتلال إيران أربع دول عربية مهمة, وتنصيب حثالاتها لحكم تلك البلدان. فإسرائيل خلال(75) عاما لم تستطع التمدّد خارج الـ(27)ألف كم2 وهي مساحة كل أرض فلسطين التاريخية, بينما إيران تمكنت بأقل من عشرين سنة من السيطرة على أراضٍ عربية تفوق مساحة فلسطين بعشرات المرّات. وهذا غير احتلالها للأحواز والجزر العربية في الخليج, سابقا. وهي قد قتلت من الفلسطينيين والعرب في 40 سنة, أكثر مما قتلته منهم إسرائيل بمئات المرات في 70 سنة!!. فأيُّهما أخطر؛ اليهود بملايينهم السبعة أو دون ذلك, وبدينهم المنغلق وغير التبشيري, أم الفرس وحثالاتهم, بملايينهم السبعين أو يزيدون, وبدينهم التكفيري المجوسي العدواني الفاسد, الذي يريدون فرضه على المسلمين, والملتحف كذبًا وزورًا بموالاة(أهل البيت)؟!.
ولكن مع كل ذلك وغيره كثير, وكثير جدًا, لا زال بعض العرب يجادل؛أيّهما أشدُّ خطرًا؛إيران أم إسرائيل؟!. بل إن المفكر القومي العربي(العراقي), والمدير العام لمركز دراسات الوحدة العربية؛الدكتور خير الدين حسيب(1929-2021), يعتبر إن مساواة إيران بإسرائيل هو(خطأ شنيع)!!. ولم يزد في وصف تدخّلاتها التخريبية في العراق وتعاونها مع الأمريكان في احتلاله, على أنه(موقف غير مقبول)!!.والأدهى والأمرّ من ذلك هو رؤيته لإيران إنها؛(عمق استراتيجيّ للأمّة العربية)!!!.
والغريب؛ إنه في ذروة سنوات حربنا مع إيران في منتصف الثمانينات, وخلال الاحتفالات بميلاد الرئيس صدّام حسين في 28 نيسان، وكعادته في مثل هذه المناسبة, فهو يستقبل العشرات من أطفال مدارس العراق, وهذه الفعالية تُسجّل وتبث لاحقا على التلفزيون الرسمي، فيسأل صدّام حسين طفلة صغيرة؛(من هو عدوّنا؟)، فتجيبه الطفلة ببراءة؛(عدوّنا هي؛إيران). فيضحك الرئيس, ثم يصحّح لها؛(كلا.. ليست إيران, بل إسرائيل. مشكلتنا مع إيران مشكلة حدود وتُحلّ)!!!.
لقد تراجع اهتمام العرب بقضية فلسطين ابتداءًا من العام 1979, كما أشرت, مع ظهور الأُفْعُوان الإيراني الأشدُّ خطرًا من الأفعى اليهودية بكثير, ثم حصل الانهيار الكبير بعد احتلال العراق وتدميره في 2003. ليتلاشى الاهتمام تقريبا في العشر سنوات الأخيرة, وخصوصا في دول المشرق العربي, مع وصول المشروع الفارسي المجوسي لقمة تغوّله. وهذا الانقلاب الكبير في المزاج الشعبي العربي حصل في غضون سنوات قلائل, من اعتبار اليهود الصهاينة هم العدو الأخطر, إلى تحوّلهم لـ(ملائكة رحمة)!!, مقارنة بالفرس المجوس وميليشياتهم الطائفية الإجرامية.
وإذا ضربنا مثلا في شعبي أهم قطرين عربيّين وأكثرهما تضحية لقضية فلسطين, وهما؛العراق وسورية, لرأينا العجب العجاب. فلم تعد فلسطين تعني لهما شيئًا مذكورا, بعدما رأوا مجازر المجوس وحثالاتهم وهم يفتكون بالشعبين في خدمة لا تقدر بثمن لمصلحة(يهود), وبعدما رأوا حركة(حماس)وهي ترتمي في الحضن الإيراني, رغم البون الفكري الشاسع بينهما, لدرجة إن(إسماعيل هنيّة)يذرف الدموع الغزيرة على الهالك(قاسم سليماني), ألعن مجرم عرفه التاريخ, ويصفه بأنه؛(شهيد القدس)!!, ويتعامى عن جرائمه بحق العراقيين والسوريين واليمنيين والكُرد والبلوش والأحوازيين, وغيرهم.
إن العراق؛ ليس أكبر دولة عربية في المساحة؛ بل هو عاشرها, وليس أكثر دولة عربية في السكان؛ بل هو رابعها, ولا هو أغناها. وكذلك هو لا يملك حدودًا مباشرة مع إسرائيل, كما إن نسيجه الاجتماعي غير متماسك ولا مترابط بسبب تنوّعه الشديد؛ دينيا وعرقيًّا وطائفيا, ومكوناته لا تتفق على أمر جامع أو هدف مشترك, إلاّ ما ندر. وقبل كل ذلك؛ فإنه يواجه تحديًّا خطيرًا, فلديه حدود مترامية تبلغ(1458) كم, مع جار فارسي مجوسي عدواني حقود, وطامع وخبيث, لم يفتر الصراع الوجودي الطويل والدامي والعنيف معه, منذ خمسة آلاف سنة متواصلة تقريبا. وكانت وصية المجرم الدجال(خميني)لقومه, قبل هلاكه؛(اجعلوا حقدكم على العراق يكبر مع ابنائكم وأحفادكم، كي لا تنسوا وينسى أبناؤكم إن هذا البلد قد أخّر تصدير ثورتكم لعقود قائمة)!!.
فوفق هكذا معطيات؛ يتحتّم على العراق الاهتمام بداخله وشؤون شعبه أولًا, لبناء مجتمعه وتعزيز وحدة مكوناته والسعي لإيجاد هوية وطنية عراقية جامعة, وترصين حدوده من خلال إنشاء تحالفات مع الدول الكبرى والمؤثرة في العالم وفي الإقليم, على أساس المصالح المشتركة. فالخطر الذي يتهدده عبر تاريخه الطويل, كان من الشرق وليس من الغرب. ولكن خلافا لكل ذلك, وعكس كل منطق, نرى العراق, خلال عهوده السياسية المختلفة, منغمسا بشدة في قضايا قومية؛ كقضية فلسطين, أكثر بكثير من أهلها أنفسهم, ووصلت لحد التطرّف والمبالغة, وعلى حساب مصالحه الوطنية الحيوية في الغالب.
كما إن(القضايا المركزية)للعرب متعددة ومتباينة, ولا يمكن اختزالها في قضية واحدة, ولا يمكن أيضا تصوّر اتفاق 22 دولة عربية على(قضية مركزية واحدة), مهما علا شأنها. فالمغرب؛قضيته المركزية هي؛الصحراء المغربية, والسودان هي؛ التهديد الإثيوبي, ومصر هي؛ مياه النيل, والعراق ودول الخليج العربي, قضيتهم المركزية, هي؛ الخطر الفارسي, وهكذا. كما إن هناك قضايا عربية مهمة لا يمكن التقليل من أهميتها أو تجاهلها وتحتاج لحلول ومعالجات, مثل؛ تشرذم العرب وتفكّكهم, والاستبداد السياسي, والتخلّف الاقتصادي, وضعف التنمية البشرية, والفقر, والأميّة, والمديونية,..الخ.
إن فلسطين قضية عربية - إسلامية, وواحدة من قضايا عديدة غيرها, وهي ليست خاصة بالعراقيين لوحدهم, ولا يجب أن نتحمل أكثر مما ينبغي. فقد دفعنا كشعب خلال أكثر من سبعين سنة فوق طاقتنا بكثير بسبب ذلك, وانتهى بنا الحال من دولة رائدة في المنطقة إلى مكبّ نفايات وبقرة حلوب للفرس المجوس, وإحدى أفشل الدول في العالم!!.
...............................................
* بعيد الانتهاء من كتابة هذا المقال, تحررت سوريا من حكم عائلة الأسد المجوسية المجرمة, وتطهرّت الشام الأبية من رجس حثالات النصيريين الكفرة المجرمين, وانتصرت الثورة السورية العظيمة بعد أن دفع الشعب السوري السُنّي أنهارا من الدماء على مدى 14 سنة من الجهاد والمقاومة والمصابرة والتضحيات, حتى نصرهم الله نصرا عزيزا مؤزرا, بعد أن جثمت هذه العائلة الفاسدة الساقطة على صدره على مدى 55 سنة عجاف مليئة بالقتل والرعب والإرهاب.
وسيكون لنا وقفة طويلة مع هذا الحدث المفصلي الذي سيكون له تداعياته على منطقتنا ابتداءًا من العراق المحتل, من خلال سلسلة مقالات, سيكون أولها عنوانه,إن شاء الله؛(11 يوما هزّت الشام). نعم..إنها قصة الأيام ال 11 المجيدة التي ستغير وجه المنطقة, ودمّرت ما بنته إيران في 42 سنة.
ولله الحمد من قبل, ومن بعد.
367 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع