د. أكرم المشهداني
التاريخ شَاهدٌ علىَ أنّهُ كُلّمَا طغَتْ السُلُطاتُ الحَاكِمَة وَرَفعَتْ السِلاحَ فيْ وَجْهِ الحُرّيةِ وَالْحَقّ، كُلّمَا لَجَأتْ إلىْ تَوْظيفِ المَحَاكِمِ لِكَيْ تَفتِكَ بِمُعَارِضِيهَا كَيْفَمَا شَاءَتْ... وَلَيْسَ ذلكَ بِعَجِيبٍ، لأنَّ المَحَاكِمَ تَمْلِكُ قوّةً قَضَائِيّة، وَتِلْكَ القُوّةُ يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهَا فيْ العَدْلِ وَالظُلْمِ علىَ السَوَاءِ، فَهِيَ فيْ يَدِ الحُكوُمَةِ العَادِلَةِ أعْظَمَ وَسِيلَةٍ لِلْدِفاعِ عَنْ العَدْلِ وَالحَقّ. ..
وَحِينَ تُصْبِحُ فيْ يَدِ الحُكُوُمَةِ الجَائِرَةِ فَإنّهَا تَغْدُوُ أفظعَ آلةٍ لِلانْتِقَامِ وَالجَوْرِ وَمُقاوَمَةِ الحَقّ والإصْلاحِ. وَالتَارِيخُ يَدُلّنَا علىَ أنّ قاعَاتِ المَحَاكِمِ كَانًتْ مَسَارِحُ لِلْفظاعَةِ والظُلْمِ بَعْدَ مَيَادِيِنِ القِتَالِ.. فَكَمَا أُرِيْقَتْ الدِمَاءُ البَرِيْئَةُ فيْ سَاحَاتِ الحُرُوبِ أُحِيْلَتْ النُفوُسُ الزَكيّةُ إلىَ إيْوَانَاتِ المَحَاكِمِ وَصَالاتُهَا، فشُنِقَتْ وَصُلِبَتْ وَقُتِلَتْ وَألْقِيَتْ فيْ غَيَاهِبِ السُجُوُنِ إرْضَاءً لِشَهَوات الحُكّام الفَجَرَة الظَلَمَة. تُرَىْ هَلْ فَكَّرَ القاضِيْ الظالِمُ يَومَاً أنَّ هُنَاكَ قَاضٍ عَدْلٍ جَبّارٍ فَوْقَه سَيَقْتَصّ مِنْهُ قَاضٍ لا تَضيِعُ الْوَدَائِعُ عِنْدَهُ ولا يُضَامُ بَشَر....
لاشَكّ أَنّ البيئةَ السِيَاسِيّة تشكّلُ عنصرَ ضَغط ٍ وقهرِ علىَ القَضَاءِ وبالأخَصّ حيْنَ تَتَراجَعُ مؤِشّرات الديمُقْراطيّة والحُرّية، والتي تكونُ عاملَ إختبارٍ لنزاهَة القَضاءِ واسْتقلاليّته...حيثُ تقاسُ بمِعيَار القُدْرة على مُقاوَمة تلكَ الضُغوط والحِفاظ علىَ استقلالهِ. ولا مَفرّ منَ الاعترافِ بأنّ القضَاءَ العِرَاقِيّ ظلّ يُواجهُ ضغوط السِيَاسَة طوال عقود مَضَتْ، حتى قيلَ أنَّ منحنى التراجع استمر خلال العقود المنصرمة، ولكن بدا الانكسار حادا في الآونة الأخيرة، فقد عصفت السِياسَة بشموخِ القضَاء الذيْ طالماَ تغنينا به، كما أنّها أطاحتْ باستقلاله ِ وحياديّته، ولا شك في أن مؤسّسة العدالة حين تواجه محنة من هذا القبيل، فإن معنىَ ذلك أنَّ الوطن صارَ في خطر.
802 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع