الكلمة وما ترمز إليه .. ديالكتيك دائم !!

د. اسعد الامارة

الكلمة وما ترمز إليه .. ديالكتيك دائم !!

مهداة إلى صديقي الاستاذ خالد قاسم الطيار في البصرة – العراق

يقول المحلل النفسي الفرنسي " جاك لاكان " لاتوجد كلمة لكل شيء، فإذن مانقوله أو نعبر عنه بكلمات ليس هو صلب المعنى ، أو الفكرة ، أو الرأي ، أو اتجاه الفرد الحقيقي ، أو الاعلام ، أو الدبلوماسية ، أو لغة السياسة التي تلف وتدور متلاعبة بالكلمات .
فالكلمة التي تقال لا تصلح لكل الأفكار، لكل شيء ، أو لكل الجمل ، أو لكل معنى ، فقول " جاك لاكان " لا توجد كلمة لكل شيء ، هو صحيح تمامًا لو تعمقنا في تلك الكلمات وعمق معناها، هو اللاوعي – اللاشعور منبع الأفكار وخزين الكلمات التي تقال ، وهي في الاساس قيلت ولو على المستوى المتخيل ، لم تظهر للعلن ، ولا حتى إلى التلفظ ، فاللفظ يعني كلمات ، تساؤلنا هل هذه الكلمات تدل على عمق المعنى في الكلمة ؟ رغم أننا في اللغة العربية لدينا ما يسمى فقه اللغة ، هو وجود أكثر من معنى للكلمة الواحدة ولكن نعيها " في وعينا " ونعرف معناها ، وهذا ما لا أقصده ، بل أقصد الكلمة التي تدل على أكثر من معنى ، فصحيح تمامًا لا توجد كلمة لكل شيء ، الكلمة تعبر عن الشيء بذاته ، وليس كل ذوات الأشياء المقصودة ، ونحن نعرف أن دوال الكلمة يأخذ معاني لا نهاية لها، ودلالات مختلفة ، فالكلمة دال وهي تمثل الذات نحو دال آخر ، وعلمنا "لاكان" أن الدال له الاسبقية على المدلول، والدال هو المكون الواعي واللاواعي للغة الدال في التحليل النفسي ، وهو العنصر المهم في الكلام ، فالكلمة دال متعدد الأبعاد حسب الموقف الملفوظ به ، وخلاله ، وأثناء التعبير عنه ، فاللفظ يأخذ في الكلمة عدة مدلولات.

ولذا فعالم الكلمات يصنع عالم الأشياء ، وهو أنه يحولها إلى حضور له معنى عندما تغيب الأشياء في الواقع ، وهو ما دونته الدكتورة " نيفين زيور " في كتابها جاك لاكان وإعادة ابتداع التحليل النفسي .
التخييل بوصفه نوعًا من التفكير كما يقول فرويد ، التخييل اللاواعي هو الطريقة التي يحاول بها الإنسان تنظيم رغباته في مواجهة نقصه ، وهو يشكل جزءً أساسيًا من هويته النفسية بوساطة التخييل أيضًا ، وقول " سارتر " إنه ليس سراب في الفعل التخيلي تتغذى الرغبة من نفسها ، ونقول بكلمات محددة ولكن تحمل الكثير من المعاني التي تغيب عن الإدراك .
ان عمليه الفهم " التي هي جزء لا يتجزأ من بعد المتخيل اللاكانى" تختزل اللا-مألوف وترده إلى المألوف كما عبر عن ذلك " بوريس فينيك " .
يمكننا القول أن ثمة استخدامات للكلمة غير مناسبة أنتشرت وتحتاج قرارًا يعتمد على الاستدلال ، وهذا يقودنا إلى بلاغة اللغة فربما يكون واسع جدًا ، وربما ضيق جدًا فيقول " بول ريكور " التعريف الواسع جدًا هو التعريف الذي يجعل الوظيفة الرمزية كما هي الوظيفة العامة للوساطة التي يبنى فيها الفكر ، الوعي ، كل عوالمه ونقول أنه التخييل وهو عوالم الإدراك والقول ، فالكلمة تحمل عدة معاني لا في النص ، أو في عدد حروفها " ثلاثية الحروف ، أو رباعية الحروف ، أو خماسية الحروف " أو ذات معنى ، أو غير ذات معنى ، فهي تحمل دلالات وإن بدت غير ذات دلالة .
يقول " ريكور " في كتابه في التفسير محاولة في فرويد أن كلمة رمزي تبدو أنها مناسبة جدًا للدلالة على الأدوات الثقافية لإدراكنا الواقع فكريًا : اللغة ، الدين ، الفن ، العلم ، فمهمة فلسفة للأشكال الرمزية أن تكون الحَكَم في الادعات بالمطلق لكل وظيفة من الوظائف الرمزية والنقائض المتعددة لمفهوم الثقافة الذي ينجم منها . وهذا ما يقودنا مرة أخرى لوظيفة الكلمة متعددة المعاني لا في العلن ، بل في ما تحمله من معانٍ أخرى لا تبدو ظاهرة في ما تحمله فيضيف " ريكور" فلنتقدم بعض التقدم في التحليل الدلالي للعلامة والرمز ، ففي كل علامة ناقل حسي هو حامل الوظيفة الدالة التي تنتهي إلى أنها صالحة لشيء آخر . ولكنني لن أقول إنني أفسر العلامة الحسية عندما أفهم ما تقول . فالتفسير يُحال إلى بنية قصدية من الدرجة الثانية تفترض أن معنى أول يتكون حيث يكون شيء منشودًا بصفة أولى ، ولكن حيث يحيل هذا الشيء إلى شيء آخر لا ينشده إلا هو . ونتفق مع " ريكور " في كتابه الآخر الاستعارة الحية حيث يقول هناك عدد غير محدود من السياقات حيث يكون ضروريًا إعادة خلق مدلول العبارة الاستعارية وذلك اعتمادًا على نيَّات" نية " المتحدَّث ، فضلا عن نبرة الصوت ، وإطار العبارة اللفظية والعمق التاريخي التي تتضافر في توضيح الاستعارة المستخدمة للكلمة وعمق معناها حتى وإن غاب عن التفسير ، فيظهر ذلك في قلب دّلالة الكلمة نفسها في مواضع مختلفة . وإذا اتفقنا ، أو أختلفنا في معنى الكلمات " فــ فريدناند دي سوسير" يرى أن هناك الكلام الحقيقي والكلام الكامن ، فيقول نسمي مقطعًا ما كان كلامًا حقيقيًا ، هو التوليفة من العناصر المحتواة في قطعة كلام متحقق، وهو مقابل للتوازي ، أو الكلام الكامن ، أو مجموعة العناصر المصاغة من قِبَل العقل ومحتواة فيه ، أو النظام الذي يتخذ بموجبه العنصر وجودًا مجردًا وسط عناصر ممكنة اخرى .
إن الكلمة تحمل جانب نفسي ، وهي في الآن عينه تُكونُ الفكرة ، وتبدو واضحة في الصوت ، أو الكلمة نفسها ولا نغالي اذا قلنا أن ثمة تقابلا بين الكلمة والفكرة التي تعبر عنها والصوت بنبراته ، رغم أن البعض من علماء اللغة يعدون ذلك لا خلاف فيه حيث تكون الكلمة والفكرة والصوت متحدان في اذهاننا ، وأعتقد أن هناك فروق ربما من الصعب لمسها أو تحسسها في الوضع الطبيعي ، لكن تبدو واضحة عند بعض العصابيين " مرضى النفس " مثل الشخصيات الحوازية – الوسواسية ، أو ربما من لديهم إضطرابات نفسجسمية – سيكوسوماتية ، أو الشخصيات القلقة في مواقف الحياة غير المرنة ، أو في حالات الوهن النفسي حيث إن طابع التوجس المأساوي يأتي من حقيقة أن العقل يجبر نفسه على إعادة انتاج الشيء الذي يخافه بكلمات تحمل أكثر من معنى رغم وضوحها ، ويبدو ذلك بشكل أعمق وأوضح لدى الذهاني " مريض العقل " الفصام إنموذجًا ، فهو يُحملْ الكلمة أكثر من بعدها الذي يقال ، وما يُخفى خلفه من معاني وخبرات ربما مؤلمة ، والمثل الشعبي المتداول هو خذ الحكمة من أفواه المجانين .
لدينا في اللغة العربية ما يعرف بفقه اللغة ، وهو تعدد معاني الكلمة ، حتى تصل الكلمة لاكثر من عشرين معنى لها، لا في القراءة الصامتة ، بل في اللفظ والتلفظ ، وربما نقول في صدى الكلمة حينما تنطق ومن الصعب على الأعاجم من غير العرب أن ينطق بها كما ينطق بها العربي ، وهذا الرأي يقودنا إلى دراسة اللسان بجانبه اللغوي ، وليس بجانبه النفسي ، ويرى علماء اللغة بأن الجانب النفسي هو بكل بساطة الفكر أو الدلالة ، ويذهب بشكل أعمق من تخصص في علم اللغة حيث وجد العشرات، بل المئات من الكلمة الشبيهة لها ، ودليل آخر هو لغة النص القرآني الذي ينطبق عليه قول " لاكان " لا توجد كلمة لكل شيء . دعونا نبحر في النفس الإنسانية وما تقوله في كلمات منطوقة . الكلمة طالما هي مرتبطة في اللاشعور – اللاوعي فهي لا تعبر عن كل المواقف ، والمحادثات ويمكن تعميمها ، حيث هي الشيء الذي يعطي معناه حسب ما يقال ، ويخفي خلفه ما لايقال، وربما نتفق مع فيلسوف اللغة " لودفيج فتجنشتين ونختلف معه في الوقت نفسه حيث يرى كل ما يمكن التفكير فيه على الأطلاق ، يُمكن التفكير فيه بوضوح ، وكل ما يُمكن أن يقال ، يُمكن قوله بوضوح ، إلا إننا نتفق مع " جاك لاكان" حينما يقول انا دائمًا أقول الحقيقة ، لكن ليس كل الحقيقة ، لأننا وبكل بساطة لا نستطيع أن نقول كل شيء ، هناك دائمًا شيء ما يتوارى خلف الكلمات ، شيء يختبئ في الصمت ، في الفجوات ، وفي ما لا يقال . الحقيقة ليست في ما نقوله فقط ، بل أيضًا فيما يتعذر علينا قوله ، وأفضل ما نشاهده اليوم في عالمنا المعاصر هو لغة الاعلام وما يحمله من كلمات بها لف ودوران وغير وضوح في المعنى ، والإنسان الساذج الذي يرى المعنى الظاهر من الكلمة دون أن يتمعن في باطن الكلمة وبعدها ، والأخطر أيضًا في عالمنا اليوم هي ما تطرحه السياسة في كلمات محورة قابلة للفهم من عدة محاور ، فالكلمة في التداول الدبلوماسي ليست هي الكلمة المقصودة ، وهي قابلة للتأويل ، وقابلة لفهم معنى آخر ربما أخفى صاحبها عمدًا أو بغير ذي قصد ، ولا نخفي على الآخرين معلومة عن استخدام الكلمات في كلام ثقافات معينة مثل الثقافة الغربية حيث كل كلمة لا تدل على المعنى الواضح لما نطق بها ، وعندما تسأل قائلها ، يقول لك لماذا قصدت ذلك ، وبينت المعنى الآخر ، يجيب وبكل طلاقة وسهولة وحيلة باستخدام الكلمات ، أنك لم تقل لي ما تريد لكي اصيغ ما تريده . في هذه الثقافات ومنها الغربية بالتحديد أنها تلون الكلمة بأشكال تحمل عدة مفاهيم ومعاني ، وسابقًا علمونا في المدرسة الكلمة ومعناها ، وهو درس من الثقافات الغربية التي وضعت أساس التربية والتعليم في البلدان التي استعمرتها ، ولم نفهم حينها إن الكلمة ومعناها ، ليس المقصود بالمعنى بالتحديد ، وإنما الكلمة والعديد من المعنى ، هذا المعنى يتغير حسب متطلبات دينامية النفس عبر اللاوعي – اللاشعور وهو أعمق خزين يحمله الإنسان فيعود بالكلمة محرفة ، مشوهة مطلية بألوان ما يحمله الفرد من محبة أو حقد على الآخر فرد أو مجتمع أو شعب ، فالكلمة هي السياسة اليوم ، هي الاعلام ، هي الثقافة التي يبثها فينا من يريد تغيير اتجاهاتنا نحو شيء ما . الكلمة لا تحمل معناها فقط ، بل تحمل حقارتها أو حقدها أو تحيزها نحو ما ترغب تلك السياسة ، أو إدارة الشعوب وتغيير إتجاهات الناس نحو موضوع معين ، وهذا يجسد سياسة بعض الدول في التأثير بوساطة الكلمة على عقول البعض ، وحتى الحرب رغم قساوتها تستخدم الدول المتحاربة الكلمة في التأثير النفسي على المعنويات ، تُجمل المعنى بالكلمة فتقول احدى الدول التب بدأت الحرب على دولة أخرى هناك تفهم دولي لعملياتنا العسكرية ضد إيران ، هذا النص بمجموعة الكلمات معتم ، غير مفهوم ، الكلمة فيها ذات أبعاد لا نهاية لها ، تبقى هي الكلمة لا توجد لكل شيء .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

602 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع