د.ضرغام الدباغ
خاطرة في فندق الحبانية
في بداية الثمانينات، كان صديقي الحميم نجاح حياوي (الكتبي المعروف في شارع المتنبي) يعمل أيضاً كمدير حسابات المرافق السياحية الكبرى في المؤسسة العامة للسياحة العراقية. فأقترح ذات يوم علي أن أصطحبه في سفرة عمل لمدة يومين سيقوم بها ليدقق حسابات فندق الحبانية السياحي وسوف نبات الليلة في فندق الحبانية. ولما لم يكن عندي ارتباطات في تلك الأيام، وافقت على فكرته وهكذا كان.
وفي الحبانية كنت قد عقدت العزم على وقضاء وقت في التنزه، والسباحة في حوض الفندق، ولكني رافقته مرة (خلال يومين)، إلى حيث يقوم بتدقيق الحسابات وكان رحمه الله من المحاسبين المشهود لهم بالكفاءة، وكان يفعل ذلك بمعية مدير الفندق الذي كان يجلب له كافة الأضابير المطلوبة، وكنت أستريح على مقربة منهم في الغرفة الفسيحة التي كانت دائرة مدير الفندق شخصياً. وكنت أتأمل اثاث الغرفة وحجمها والشبابيك، ثم سقف الغرفة الذي كان هناك سقف ثانوي وقدرت جحم كل مربع من المادة التي يتكون منها السقف الثانوي وأعتقد كان من الفلين الأبيض اللون، وقدرت أنه نحو 30 سم م2، وعدد المربعات البيضاء، ولكني لاحظت أن حوالي 6 مربعات من الفلين (السقف الثانوي) قد ركبت بطريقة غير دقيقةـ فأستغربت، لأن صديقي نجاح قال لي أن الفندق استلمته الجهات العراقية من شركة فرنسية مختصة تسليم مفتاح بما في ذلك الأثاث، وهل يعقل أن تخطأ شركة فرنسية متقدمة بهذا العدد من الأخطاء أي نحو 10% من تركيب السقف، لا يعقل ذلك أبداً...
سألت صديقي نجاح وقلت له هي الشركة الفرنسية هي التي شيدت هذا الفندق أيضاً إضافة للمدينة السياحية ..؟ فقال لي" نعم .. الفندق استلمناه جاهزاً بأكمله ".
فأجبته " ولكن عدا هذه الغرفة " فضحك صديقي نجاح وقال لي " أنك كالعادة تتمسك برأيك ..!".
فأجبته " يستحيل أن تكون هذه الغرفة من صنع الشركة الفرنسية ".
وهنا التفت إلى مدير الفندق الذي كان منهمكاً بتدبير الأضابير، قائلاً " أخي أبو غسان .. هذا الفندق اليس بأكمله من صنع الفرنسيين ؟".
فقال له المدير " نعم أستاذ ".
فأستطردت قائلاً ومقاطعاً " عدا هذه الغرفة ...! ".
أستدرك المدير بقوله " ها ... أي نعم .. عدا هذه الغرفة، وكانت قد خصصت لتكون مستودعاً للأدوات الاحتياطية، ثم تقرر لاحقاً أن تصبح غرفة مدير الفندق لقربها من غرف الإدارة، ولكن كيف عرفت دكتور ..؟".
فقلت له " هذه إنتاجية عمل واطئة (Low productivity) يستحيل أن تكون عند شركة فرنسية حتى لو كانت شركة غير مشهورة، هؤلاء يحتمل أن يخطأوا، ولكن يستحيل بهذا الحجم الكبير من الأخطاء، ومن المؤكد أنهم لن يسلموا العمل بأخطاءه الفاحشة هذه ".
هذه الخاطرة ستقودنا للحديث عن الانتاجية (productivity) والإنتاجية وهي من موضوعات الاقتصاد المعقدة، وغير بسيطة في الشرح والإيضاح، على أني لابد من التنويه بأني لست مختصاً بهذا الفرع من الاقتصاد، فأنا كنت قد تخصصت في العلاقات الدولية، وبعض من فروع هذا التخصص هو العلاقات الاقتصادية الدولية والاقتصاد الدولي، وفي التوغل في هذه الموضوعات يحدث أن تجد هذا المصطلح المهم.
ولتبسيط الفكرة، قصدنا ذات يوم، صديق وزميل دراسة، وأنا إحدى المقاهي الشهيرة في برلين (Cafe Kant)، وكان ذلك في مطلع الثمانينات (1980 / 1981) ولما لم يكن في المقهي كراسي فارغة سألنا رجل ألماني أن يسمح لنا بمجالسته على طولته، فوافق الرجل، وأخرجنا سكائرنا لندخن (وكنت يومها ما أزال أدخن)، وقدمنا له سيكارة (والألمان لا يفعلون ذلك) فأخذها شاكراً وقال لنا بالعربية " شكراً " وسألنا هل أنتم عرب، فأجبناه بنعم، وقال لنا بأنه سكن في مدينة القاهرة بمصر 4 سنوات، كان يعمل فيها مهندساً في مصنع لسيارت الشحن الألمانية (مجروس Migros)، وسألناه عن تجربة العيش في القاهرة فأجاب كانت ممتعة له ولعائلته، وشعب كريم ومثقف ولطيف، يحبون الاجنبي، وسألناه وفي العمل ..؟ قال لا .. في العمل شيئ آخر ..فسألناه كيف، قال هذه مسألة أنتاجية، (productivity) هل تفهمون في الاقتصاد، قلنا له نعم، كفلانا في مرحلة الدراسات العليا.
قال " حقاً لغتكم الألمانية جيدة. إذن لاحظوا: خط إنتاجي (خط التركيب ـــ Montage) في مصنع مجروس (Migros) في ألمانيا ينتج يومياً 120 شاحنة (لوري)، وكم تتصورون هو حجم إنتاج المصنع المصري بنفس القدرات والمعطيات ..؟ " فحاولنا أنا وصديقي أن نجيبه ب 80 شاحنة، وكانت الإجابة خطأ، طيب 50، كانت أيضاً خطأ فلم يطل علينا السؤال فأشار بأصابع يديه الأثنين إلى رقم 8 ، ثمانية فقط مقابل 120 في ألمانيا ..! فكانت إجابة كارثية بكل معنى الكلمة تحمل على الحزن، هذا مع العلم أن العامل المصري يعتبر من أفضل العمال العرب (لجهة الإنتاجية).
طبعاً السؤال هنا، لماذا العامل الألماني، هو من أفضل العمال إنتاجية على صعيد العالم، والجواب سهل: فالعامل الألماني قبل كل شيئ مدرب تدريباً راقياً، يتمتع بغذاء جيد وصحة جيدة ومؤمن طبياً يعالج في مستشفيات راقية، ومسكنه صحي يليق بشخص منتج، يصل إلى مكان عمله بسهولة وراحة وبوقت قصير، يستحق اجازات ممتعة ثابته بحكم القانون، وغالبا يقضيها خارج ألمانيا، يرتدي ملابس ملائمة، وظروف العمل ممتازة، وبراتب مجز، ويعيش في مجتمع متحضر به قدرات ثقافية عالية جداً، تخلق يشاهد المسرح، يزور المتاحف، تخلق منه هذه منه إنساناً ذكياً، يتمتع باختصار كافة ظروفه الشخصية وظروف العمل ممتازة فكيف لا يكون إنتاجه جيداً ...! وبالمقابل فإن ظروف عمل والظروف الشخصية للعامل في البلدان النامية لا يمكن وصفها بأنها جيدة (ما لم نقل سيئة أو سيئة جداً).. فكيف نطلب منه إنتاج ممتاز نوعاً ووفير كماً، في ظروف سيئة ..؟
الاصل ان معايير منح راتب الموظف يستند الى الشهادة العلمية ؛
• اهمية الواجب
• مستوى المسؤلية
• خطورة المهمة
• بعد الوظيفة عن موقع السكن
• مدة الخدمة
• يؤمن الراتب العيش الكريم للموظف ٠٠٠٠
الراتب التقاعدي حق مكتسب للموظف بسبب دفعه التوقيفات التقاعدية طيلة خدمته التي ينبغي للدولة استثمار هذه التوقيفات بمشاريع استثمارية لانمائها بهدف تامين الرواتب التقاعدية وعلى ان لا تنقص عن اخر راتب ومخصصات تقاضاه الموظف قبل احالته على التقاعد ؛ لان التقاعد ليس عقوبة وانما انهاء الموظف خدمته وفق القانون فيجب ان يكرم ويكافئ عن خدمته للمجتمع ٠٠٠ هذا وفق مفاهيم الدول التي تحترم نفسها ؛ والحكومة ليست الا وكيل عن الشعب هو الذي ينصبها لخدمته وليس للتجبر عليه ٠٠٠
ولكن الحاصل في العراق نحن امام ثلة من اللصوص المجرمين فماذا ننتظر منهم بعد كل هذا النهب والخراب للعباد والبلاد ؟؟؟؟
في دروسنا الجامعية تعلمنا أن هناك ثلاث عقبات اقتصادية (عدا السياسية والاجتماعية) كبيرة أمام تنمية البلدان النامية، وهذه هي :
1. الضعف في الرأس المال الوطني.
2. الحاجة إلى التكنولوجيا.
3. ضعف الانتاجية.
إذن فضعف الانتاجية أحد ثالوث صعب، ورفع انتاجية العامل في البلدان النامية أمر حاسم إذا شاءت دولة أن ترفع حجم الإنتاج، ونوعاً وكماً، ولكن هذا يتطلب كما بينا آنفاً إلى عمل سياسي / اقتصادي / اجتماعي شامل عميق، يتناول جميع الفعاليات الاقتصادية / الاجتماعية، ناهيك عن الظروف السياسية، وهو واضح أنه عمل صعب.
ومن يلاحظ هذه الملاحظات ويطلب المزيد منها، يعلم في أي بئر تخلف عميق جداً ..جداً ..نحن واقعون فيه، لدرجة أن الكثير من الناس بما فيهم فئات المثقفين لا يتصورون عمق الكارثة ..!
لم أكن أريد طرح الموضوع هكذا في الفيسبوك، ولا أريد أن أسبب أحزاناً فوق ما هي موجودة، رغم أن التبصير بالشيئ ومعرفته خير من تجاهله، وخاطرة أو قصة فندق الحبانية التي ذكرتها هي من سحبت هذه الخاطرة الجديدة....
أخي أنت شيعي لو سني ....................... أحنا وين والدنيا وين ...؟
وكل خاطرة وأنتم بخير ....
950 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع