نزار جاف
عن الرشيد والخميني
حلم لاح لعين الساهر ـ وتهادى فى خيال عابر
وهفا بين سكون الخاطر ـ يصل الماضي بيمن الحاضر
مقطع رائع وبديع من قصيدة الکرنك للشاعر أحمد فتحي والتي غناها محمد عبدالوهاب، في هذا المقطع وردت کلمات ذات دلالات عميقة في حياة الانسان کفرد وکمجتمعات وحضارات، فالانسان يتهادى بين الحلم والخيال ويجد نفسه محصورا أو مدافا بين ماضيه المفروض عليه وبين حاضره الذي صنعه بنفسه، والانسان حين يتقلد سلطة قيادة شعب أو أمة، فإنه سيصبح بالضرورة القهرية في موقع يجعله من يحدد ماضي وحاضر الشعب أو الأمة، وعلى مر التأريخ کان الملوك والاباطرة والزعماء من حددوا ماضي وحاضر شعوبهم وأممهم.
الماضي الذي يصبح تأريخا قد يتغنى ببعضه ويلعن بعضه الآخر، رغم إن التأريخ وکلما کان قديما أو أقدم من ذلك، فإن إحتمالات التهويل والمبالغة والکذب والتحريف تزداد فيه، وبهذا السياق يقول ويل ديورانت صاحب مجلد قصة الحضارة، إن:" معظم التاريخ تخمينات، والبقية آراء منحازة ومتحاملة"، مع ملاحظة مهمة وهي إن التأريخ القديم وبرغم کل ذلك التخمين والتهويل والانحياز والتحامل فيه، فإن هناك حقائق مستشفة لايمکن عدم الاخذ بها، على سبيل المثال، لا نتمکن من جعل نموذجا مثل نيرون طاغية روما رجلا مظلوما، کما لا نستطيع من أن نجعل من قائد کهنيبعل رجلا جبانا وهکذا هلم جرا إذ أن القدر اليسير من الذي حظينا به من التأريخ القديم يعطينا والى حد ما إنطباعا بشئ من الحقيقة عما تم نقله، لکن التأريخ الحديث والذي نعاصره وإن خفيت عنا بعض أسراره فإن خطوطه العامة تبدو لنا واضحة، لكن من الواضح ان الماضي لايبدو إنه سيصل بيمن الحاضر ولاسيما اذا ما قمنا بالربط بين اوضاع ايران في ظل خلافة الرشيد وتحت حكم ولاية الفقيه.
هرون الرشيد والخميني، ولم أقم بتقديم اسم الخميني على هرون الرشيد، وقد قصدت ذلك، رغم إنني لم أعاصر الرشيد ولا حتى أجزم بأن کل ما قد ورد عنه في التأريخ صحيح، ولکن، والحق يقال، إن الرشيد ومهما قيل عنه فإنه وبحسب ما قد ورد من المصادر التأريخية المختلفة فإن هناك حقيقة لا يمکن تجاهلها وهي إن عصره کان عصرا مثاليا من حيث التقدم والرقي ولاسيما في المجالات الادبية والفکرية وعلوم الدين والزراعة وکري الانهار والتجارة وغيرها خصوصا وإنه کان قد أهدى لشارلمان الکبير ملك فرنسا ساعة رملية أعجبت الاخير کثيرا.
الرشيد الذي تحدث عنه المفکر الاسلامي محمد باقر الصدر في کتابه"المدرسة الاسلامية"بما يمکن وصفه بتوبيخ طلابه أثناء أحد دروسه عندما يحذرهم من إنتقاد الرشيد وما قد بدر عنه، ويقول لهم ضعوا أنفسکم مکانه ومن ثم أحکموا عليه! وهذا الکلام صحيح تماما، لأن الانسان عندما يعيش واقعا بکل أوضاعه وظروفه وجوانبه، فإنه يکون بالضرورة محکوما ومتأثرا به، وعصر هرون الرشيد کان بحق عصرا ذهبيا ليس بالامکان إطلاقا إنکاره مثلما لا يمکن إنکار ما قد آلت إليه الخلافة العباسية من تدهور خلال العهود الاخيرة لخلفائها.
الخميني، رجل الدين المثير للجدل والذي وعد الشعب الايراني بالرفاه والحياة الحرة الکريمة، وإنتقد قبل وبعد إستلامه منصبه، نظام الشاه لأنه إضطهد الشعب وحرمه من ثرواته ولاسيما عندما صارت مفردة المستضعفين واحدة من المفردات الاساسية التي رکز عليها الخميني بما يٶکد من إنه سيقف الى جانب الفقراء والمحرومين، ولکن يکفي للقارئ الکريم أن ينظر الى الاوضاع في إيران بعد 46 عاما من حکم النظام الذي جاء به الخميني وما حل ويحل بشعبه من إضطهاد وفقر وحرمان.
الخميني لم يتمکن من إسعاد الشعب الايراني وجعل من إيران جحيما لا يطاق لکن لازال هناك من يشيد به وبالنظام السياسي المعزول دوليا والذي لم يجن على الشعب الايراني فقط بل وحتى على شعوب في بلدان بالمنطقة ناهيك عن الحروب والازمات التي أثيرت وتثار بسبب منه وحتى إنه قد خلق حالة أشبه ما تکون بالغوغائية في المنطقة مثلما صار محور لتهديد الامن والسلام في المنطقة والعالم، في حين أن الرشيد لازال هناك من يصب عليه جام غضبه عليه بسبب من مواقف محددة منسوبة له ذات صلة بأمور ذات بعد طائفي لا علاقة لها به کرجل دولة خصوصا وإنه قد جعل الامم والشعوب التي تخضع للخلافة العباسية، تعيش بکل خير وسلام وأمن وأمان وبالطبع کانت إيران في ذلك الوقت خاضعا للخلافة العباسية وحتى إن جثمان الرشيد مدفون في إيران وتحديدا في مدينة مشهد المقدسة.
920 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع