ياسين الحديدي
أبواب بغداد
وصف الجاحظ بغداد فقال :
« قد رأيت المدن العظام ، والمذكورة بالاتقان والاحكام ، بالشامات وبلاد الروم وغيرها من البلدان ، فلم أر مدينة ارفع سمكا ، ولا اجود استدارة ، ولا انبل نبلاً ، ولا اوسع ابوابا ، ولا اجود فصيلا ، من الزوراه مدينة المنصور . »
والحق ان بغداد بلغت في صدر الدولة العباسية
ارية الاثار الداموسانته وتوميعه واتحدته مدا للديم
اشأوا لم تبلغه غيرها من المدن حناك . وسنتنال بالذكر اليوم ابوابها التي لم ير الجاحظ لسعتها مثيلا .
اخط المنصور بغداد وجعلها مدورة . واقام لها سورين فى اول الامر ، ثم قام حول مركز المدينة ، الذي كان يضم قصره ومسجده ، سور ثالث ، فاصبحت الاسواق الثلاثة على شكل دوائر متاوية الابعاد عن المركز .
وقد بنى المنصور لمدينته اربعة ابواب في كل
سور هي :
١ - باب البصرة ، في الجنوب الشرقي ، وهو يفضي الى الارباض الممتدة على ضفاف دجلة ومنها يدخل القادمون من البصرة والاهواز واليمامة والبحرين .
٢ - باب الكرمة ، في الجنوب الغربي ، ويخرج منه
لقد أرسلت
طريق الحج المعد جنوباً ، ومنه يدخل القادمون
من الحجاز .
٣ - باب الشام . في العمال الغربي، حيث يتفرع الطريق يساراً الى الانبار على الفرات ويميناً الى المدن الواقعة على ضفة دجلة الغربية شمال بغداد . ومنه يدخل القادمون من الغرب .
٤ - باب خراسان المؤدي الى الجسر الكبير على نهر دجلة لمن اراد عبور النهر ، وكان هذا الباب يقود الطريق الى بغداد الشرقية حيث يصل العاصمة باقاليم الدولة الشرقية .
وقد جعل المنصور كل باب مقابلا للقصر ، وبنى على كل باب قبة عالية مزخرفة ، سمكها خمسون ذراعاً .
وجعل بين كل بابين ثمانية وعشرين برجاً ، عدا ما بين بابي البصرة والكوفة ، فقد كان فيها تسعة وعشرون برجاً، وكان فوق قصر المنصور القبة الشهيرة المعروفة بالقبة الخضراء يعلوها تمثال فارس بيده رمح يتجه الى حيث نتجه الريح .
وقد كان طول المسافة بين بابي الكوفة وخراسان
٨٠٠ ذراعاً ، وبين بابي الشام والصرة ٦٠٠ ذراعاً .
وكان هناك خمة ابواب من الحديد ابتداء من اول باب المدينة حتى الباب الذي يقود الى الرحبة .
وحين بنى المنصور القصر والمسجد فى وسط المدينة أمر ان لا يسكن تحت السور الداخلي الطويل أحد ولا يبنى بجواره منزلا . وكان كل باب في السوِر الخارجي يقابل باباً اخرى فى السور الداخلي ، وبينها دهليز ورحبة يؤدي الى الفصيل ( ١) الدائر بين السورين . فالاول كان باب الفصيل والثاني باب المدينة . فاذا دخل آت من، باب خراسان انعطف شمالا الى دهليز معقود بالآجر والجص عرضه عشرون ذراعاً وطوله ثلاثون ذراعا ، وهذا الدهليز يفضي الى رحبة تمتد الى الباب الثاني يقوم فى جنبيها حائطان وفي صدرها باب المدينة .
وكانت الابواب الاربعة مصنوعة على صورة واحدة، فى الابواب والفصلان والرحاب والطاقات . اما الباب الثاني ، وهو باب المدينة وعله الور الكبير ، فيدخل من الباب الكبير ، الى دهليز معقود بالآجر والجص طوله
(١) الفصيل : حائط قصير يبنى امام سور المدينة
عشرون ذراعاً وعرضه اثنا عشر ذراعاً ، وكذلك سائر الابواب الاربعة . ولكل ازج (٢) من آزاج هذه الابواب قبة لها درجة على السور حيث يرتقى منها الى القبة .
وكانت قبة المنصور الخضراء تطل على الابواب
الاربعة ، فكان هناك قبة على باب خراسان حيث تشرف على نهر دجلة ، وقبة تطل على باب الشام ، واخرى على باب الكوفة حيث تمتد وراهها البساتين والضياع .
وقد كان على كل باب من ابواب المدينة ، الاوائل والثواني ، باب حديدي ضخم لكل منها فردان . وقد ذكر ان المنصور نقل هذه الابواب من واسط ، وهي ابواب الحجاج وان الحجاج كان قد وجدها على مدينة كان قد بناها سليمان بن داود ، بازاء واسط تعرف بزندورد ، وكانت خمسة ، وقد اقام المنصور
على باب خراسان باباً جيء له من الشام وهو من صنع الفراعنة ، وعلى باب الكوفة الخارجي باباً جيء به من الكوفة ، وهو من عمل « القسرى » . وأمر هو بصنع باب لباب الشام وكان في الواقع اضعفها .
. وللتدليل على حصانة ابواب بغداد في ذلك الحين ما
ذكره القاضي أبو القاسم التنوخي من انه في سنة ٣٠٧ هن، كسرت العامة السجون في مدينة المنصور ، وأفلت من كان فيها ، وكانت الابواب الحديد للمدينة باقية ، فغلقت ، وتتبع الحرس والشرطة من افلت من المساجين واعيدوا جميعهم دون أن يفلت منهم واحد .
وكان على كل باب من أبواب بغداد الداخلية فيما وراء الرحاب قائد ، فكان على باب الشام سليمان بن مجالد على رأس الف من الجند ، وعلى باب البصرة ابو الازهر التميمي على رأس الف اخرى وعلى باب الكوفة خالد المكي على رأس الف ثالثة ، وعلى باب خراسان مسلمة العسافى على رأس الف رابعة . وكان لا يسمح لأحد من
الناس، حتى من بني عمومة الخليفة المنصور ، بالدخول من هذه الأبواب الاراجلاً ، عدا ابنه محمد المهدي وعمه داود بن علي ، فقد كان يدخلانها فى محفة . وروى ان عم المنصور عبد الصمد قال له يوما : يا أمير المؤمنين انا شيخ كبير فلو اذنت لي ان انزل داخل الابواب . فلم يأذن له المنصور .
وفي غضون القرون الخمة التي عاشت فيها الخلاقة العباسية تغيرت خطط بغداد وارباضها تغيرا كبيرا لانساع المدينة من جهة وتهدم بعض اقامها من جهة أخرى.
فقد اوقعت الحروب الداخلية التي نشبت بعد وفاة هرون الرشيد الدمار والخراب فى المدينة . وقد قل شأن بغداد كثيراً بعد نقل الخليفة المعتصم مقر الخلاقة عام
٢٢١م - ٨٣٦م الى سامراء حيث أقام في العاصمة الجديدة سبعة من الخلفاء من بعده .
ولما عاد كرسي الخلاقة الى بغداد بعد نصف قرن، كانت بغداد الشرقة قدورثت مجد المدينة المدورة حيث شاد الخلفاء والوزراء فيها قصورهم وأحاطوها بسور عظيم نصف دائري ولكن هذا الور لم يقو بدوره على صد هجوم المغول وانتهى الأمر بسقوط الخلاقة العباسية وقد ظل معظم هذا الور قائماً مع أبوابه الى عمد قريب . وكان يحط بالمدينة من أعلاها مبتدناً من النهر عند القلعة فباب المعظم ( وكان يسمى قديماً باب السلطان)، فالباب الوسطاني (وكان يسمى باب الظفيرية)،
فباب الطلم ( وهو باب الحلة ) ، فالباب الشرقي في الجنوب ( وهر ما كان يسمى باب البصلية أو باب كلواذى لأنه يؤدي الى بلدة كلواذى التي تسمى اليوم (الكرادة الشرقية ) ، حتى يتصل بالنهر ثانية . وقد اندثر هذا السور على عمد الوالي مدحت باشا . ولم يبق له او لأبوابه من اثر اليوم سوى باب واحدة فى جهته الشمالية الشرقية هو الباب الوسطاني الذي اتخذت منه مديرية الأثار العامة متحفاً للأسلحة القديمة سنة ١٩٣٩ . أما باب الطلسم فقد نسفه الاتراك سنة ١٩١٧ بعد انحابهم من بغداد حيث كانوا قد استعملوه مخزناً للذخيرة . وهدم باب المعظم فى اوائل عبد الاحتلال بعد الحرب العالمية الأولى، كما هدم الباب الشرقي قبل أكثر من عشرين عاما.
المصدر مجلة العاملون في النفط العدد السابع 1962
و مديرية الاثار القديمة العامه
798 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع