د يسر الغريسي حجازي
دكتوراه في الفلسفة وعلم النفس الاجتماعي
مستشارة نفسية ومدربة نظامية
06.06.2025
الغرور السياسي: نهاية الديمقراطية العالمية
قد يُعمينا الإفراط في حب الذات، لدرجة أننا لا نبصر ما هو جوهر
ي. حذّر الكاتب الفرنسي جان دو لافونتين (1621-1695) من الغرور والكبرياء المفرط في قصته "الضفدع والثور". تحكي القصة عن ضفدع حسد ثورًا على صحته، وأراد تقليده ليصبح مثله. لكن رغبته هذه أدت إلى هلاكه، إذ انتفخ الضفدع وتضخم بشكل مفرط. والعبرة من هذه القصة، هي أن الغرور والحسد قد يؤدي إلى سقوط المرء..
تُخيّم الآن تهديداتٌ جسيمةٌ على السلام العالمي، مما يُغيّب مفاهيم العدالة ومسؤوليات القيادة عن المشهد السياسي الدولي. قال غاندي: "لا سبيلَ للسلام؛ السلام هو الطريق". وأضاف: "يتطلب السلام الدائم أفعالاً ملموسةً ويوميةً، وليس مجرد وجهةٍ بعيدة".
لذا، فإن السلام هو السبيل الوحيد للعيش في تماسك اجتماعي. فبدون التضامن، والثقة، والاحترام المتبادل، والقيم المجتمعية، لن يتسنى تسهيل الاندماج الاجتماعي للجميع. أو حتى ضمان الرفاه الجماعي، ناهيك عن الشعور بالأمن. بالنسبة للقائد، فإن اتباع طريق السلام يعني تحمل المسؤولية دون ضغينة، وضمان الوصول إلى الموارد، والسلع، والخدمات الأساسية للجميع (السكن، والضمان الاجتماعي، والتعليم، والتوظيف).
من الضروري اختيار التعاون، والعدالة، وتكافؤ الفرص، والمواطنة والمشاركة، واللطف. تنبع القيادة الحكيمة من ثقافة الصدق، والشفافية، والأصالة، والثقة، والحوار. يُقدّر التواصل الجيد مستوى المجتمع، ويشجع الأفراد على بناء حوار إيجابي داخليًا وخارجيًا، والاهتمام بآرائهم، والتعبير عن أنفسهم.
لطالما عُرفت القيادة بأنها مهارة فردية. علي سبيل المثال، تعتبر نظرية القيادة التحويلية مثالاً جيداً للقيادة: "فهي تقترح أن القادة التحويليين يتبنون سلوكيات مرتبطة بأبعاد الكاريزما، والتحفيز الفكري، والاعتبار الفردي" (باس، 1985). في مقالته حول النظرية الاجتماعية والتنظيم الذاتي، يصف الكاتب وعالم النفس الكندي ألبرت باندورا (1991) أنظمة التنظيم الذاتي باعتبارها أساسية للفعل المتعمد، وتتقاطع مع العوامل الشخصية، والسلوكية، والبيئية. كما يُحفَّز السلوك البشري إلى حدٍّ كبير، وذلك من خلال الممارسة المستمرة للتأثير على الذات. وتعمل الآلية الأساسية للتنظيم الذاتي من خلال ثلاث وظائف فرعية رئيسية: المراقبة الذاتية لسلوك الفرد، ومحدداته، وآثاره؛ وتقييم سلوك الفرد وفقًا لمعاييره الشخصية وبيئته؛ وردود الفعل الذاتية والانفعالية.
ومع ذلك، فإن ممارسة الصدق ضرورية لتعزيز التماسك الاجتماعي والتكامل المجتمعي، والتعاون بين الجميع. ويأتي ذلك لضمان الرفاه الجماعي، والتضامن، والثقة، والشعور بالأمان المجتمعي. إن إساءة استخدام السلطة واتخاذ القرارات الانفرادية، يبرز أسلوب القيادة الاستبدادية التي تُهدد الاستقرار الاجتماعي، والاقتصاد العالمي. إن السلام العالمي مهدد، ودكتاتورية القادة أعظم القوى في العالم قد فقدت الادراك وانكشف امرها. كيف يعقل ان أعظم دول الغرب باتت فاقدة المصداقية؟ بينما هي التي وضعت الإعلان الدولي لحقوق الإنسان (1948)، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكلاهما اعتمد في عام 1966.
ومع ذلك، تُعرّف هذه النصوص الأساسية الحقوق، والحريات الأساسية لجميع البشر، وملاحقة المجرمين أينما كانوا. انها لا تهدف فقط لتعزيز حقوق الإنسان بل أيضا الي حماية وضمان الحقوق الأساسية، وكرامة جميع البشر فحسب، واضا إلى فرض التزامات على الدول وضمان احترام الحقوق المدنية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية. وذلك من قِبَل الحكومات والجهات المخولة. يتحقق ذلك من خلال التصديق على المعاهدات الدولية، وإنشاء آليات الإنصاف بما يضمن احترام الحكومات والأفراد، للحقوق المدنية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية. وتقع على عاتق الحكومات والمنظمات الدولية، بما في ذلك الأفراد، مسؤولية الالتزام بالقانون الدولي وتطبيقه، فهو يُرسي القواعد الأساسية للعلاقات بين الدول والالتزامات تجاه الأفراد. ويلعب دورًا محوريًا في الحفاظ على السلام، وحماية حقوق الإنسان ومواجهة التحديات العالمية. لكن للأسف، نستاء من أقوى دولة في العالم لاستخدامها الفيتو الأمريكي. كيف تقدم الولايات المتحدة على منع وقف إطلاق النار في غزة وإيقاف الإبادة الجمعية والمجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي على شعب مدني اعزل؟ لعقود، ظلت السلطة السياسية منوطة بالدولة، أي بالحكومة الحاكمة المكونة من رؤساء المؤسسات السياسية والقانونية. لكن السلطة السياسية المختارة ملكٌ لقائد واحد. وعندما نقول سلطة سياسية، فإننا نعني بذلك الديكتاتورية. إذا كان التاريخ زاخرًا بالأمثلة، فإن عصرنا لا يخلو منه. لماذا نلوم التاريخ؟ فبينما تُسمى السلطة باللاتينية "أب العائلة"، فإنها تضع في أعلى مرتبة الرجل الذي يتمتع بالسلطة الأبوية (patria potestas) على زوجته وأولاده وعبيده، ظانًا أن جميع البشر في خدمته.
كان مفهوم السلطة الأبوية متجذرًا في قانون الأسرة الروماني، حيث كانت سلطة الأب باعتباره رب الأسرة الذكر الذي يمارس السلطة المطلقة على أبنائه، وعلى أبعد ذريته الذكور، حتى أولئك الذين تم إدخالهم إلى العائلات عن طريق التبني، وبغض النظر عن أعمارهم. لا يزال صنع القرار السياسي محصورًا في أيدي مجموعة من السياسيين، الذين أصبح نقاشهم السياسي متهالكًا وباليًا. نحن في عام 2025، وما زلنا نخضع لحكم أنظمة قمعية واستبدادية ذات سلطة سياسية مطلقة، أشبه بمنظمات مافيا.
إذا كنا نشهد اليوم الإبادة الجماعية مباشرةً من غزة، فإننا نشهد أيضًا فسادًا دوليًا وممارسةً قسريةً من قِبَل جماعات سياسية لا حدود لسلطتها. سلطة سياسية مطلقة واستبدادية في شكلها الكلاسيكي، كما وصفها أرسطو (322-384) ببراعة. إن سلطة رجل واحد، نرجسي لدرجة المكيافلية، تكشف عن تلاعب أبوي وحشيّ وعلاقة هيمنة على الشعوب، تُدار وتُعاقب وفقًا لمزاج الديكتاتور وجنونه. لم تتعلم الشعوب قط من دروس الماضي، وتتكررالأخطاء رغم مآسي الماضي ومعاناته. ما زلنا شعوبًا تنخدع بأنماط الهيمنة، وصمتنا على جرائم جلادينا علامة استسلام.
595 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع