بسام شكري
معرض الرياض للكتاب ٢٠٢٥ بين جهود دور النشر العظيمة وهروب القراء من الكتب
بمناسبة صدور كتابي الجديد " معجم حكام العراق" عن عالم دار عالم الكتب في الرياض فقد قررت السفر الى المملكة العربية السعودية وحضور حفل توقيع الكتاب وكانت الزيارة سبعة ليالي فقط وهذه أول مرة ازور معرض الرياض للكتاب وحسب تاريخ معرض الرياض فانه قد كان من المعارض المهمة لكنه منذ سنتين اخذ في التراجع, وفي هذه السنة تم عمل المعرض لأول مرة في كلية الأميرة نورة بنت عبد الرحمن للبنات تلك الكلية الفخمة والمترامية الأطراف لكن منظمي المعرض لم تكن لديهم ادنى خبرة في تنظيم المعارض فازدحام السيارات في محيط المعرض هي السمة الرئيسية في المعرض وقد زرت المعرض أربعة أيام وكنت امشي بين النصف ساعة والساعة وخمس دقائق للوصول الى المعرض حيث يتم قطع الطرق المؤدية للمعرض ويقوم الزوار بقطع تلك المسافات مشيا على الأقدام , في المساء ليست هناك مشكلة فالجو يكوم مقبولا لكن في النهار لم يتمكن الزوار من الوصول الى المعرض, والغريب إن كلية الأميرة نورة فيها مئات المواقف المخصصة للسيارات لم يتم استغلالها نهائيا ولم يخصص موقف سيارات واحد قريب من المعرض للزوار.
مدينة الرياض التي لم أزورها منذ 25 سنة كانت عظيمة الشكل مترامية الأطراف جميلة التنظيم وفيها الأف ورش البناء والمشاريع الحديثة التي شدتني والتطور في كل شيء في الرياض وتحس بلمسات سمو الأمير محمد بن سلمان حفظه الله في كل مكان في الرياض.
شارك هذا العام 2000 دار نشر مع غياب لكافة الوزارات والمؤسسات الحكومية ماعدا جناح صغير لمجلة عسكرية ولا اعرف السبب فوزارة السياحة والتي تعتبر الأهم من الوزارات لم يكن لها حضور كذلك شركات السياحة وشمل الغياب شركات الطيران وشركة السكك الحديدية ولا اعرف السبب، الأجنحة مليئة بالكتب من الحديث الى القديم الى الكتب التقليدية التي كانت تغزو الأسواق في الستينات والسبعينات.
تم إقامة المعرض على ارض فضاء كمسقوفات مغلقة جميلة جدا لكن التبريد كان لا يطاق خصوصا في المساء وأنت تتمشى في أروقة المعرض تشعر وكأنك تمشي في ثلاجة فريزر وهذا طبعا مضر بالصحة العامة فانت تغذي العقول ولا تراعي صحة الأبدان.
حفل التوقيع لوحده كان إنجاز يعادل طبع الكتاب ونشره، لماذا؟
لقد قامت دار عالم الكتب في الرياض مشكورة بطبع كتابي " معجم حكام العراق" لكن عملية تنظيم حفل التوقيع استغرقت من مدير جناح شركة عالم الكتب أربعة أيام مراجعات وكنت اساهم في تلك المراجعات يوميا, والأشخاص المنظمين ليس لديهم خبرة في الموضوع فكان واجبي يوميا المشاركة في مراجعة إدارة المعرض وتقديم طلبات ومستندات وإعادة تقديمها ثلاث مرات وفي يوم التوقيع 4 أكتوبر في تمام الساعة الثامنة مساء كان اسمي واسم الكتاب واسم دار النشر في منصة التوقيع رقم واحد وفرحت كثيرا بذلك لكن الشاب الذي كان يقف لإدخال المؤلفين المحتفى بهم منعني من الدخول وقال أن اسمي غير مدرج عنده في الموبايل وقفت لا اعرف اضحك عليه لأنه لم يقرا اسمي على اللوحة الكبيرة التي فوق راسه أو اغضب من اعتماده على تطبيق بائس في جواله؟ وعلى فكرة التطبيقات فقد لاحظت فوضى عارمة في التطبيقات المستعملة في المعرض والأمور متداخلة مع بعضها بشكل كبير، وأخيرا جاءت فتاة يبدو عليها الفطنة قامت بحل الموضوع وسمحت لي بالصعود الى المنصة.
لاحظت على يساري تسع منصات أخرى قد بدأ المؤلفين صعودهم عليها وجلسنا متربعين على كراسينا وأمام كل منصة تم وضع حاجز لتنظيم الجمهور الذي سيحضر لتوقيع نسخهم التي اشتروها، وفجأة وبدون مقدمات جاءت موجة من النساء يزيد عددهم على الألف امرأة يتزاحمون على المنصة الأخيرة وعلا الشجار والصراخ ولم يتمكن أحد من فك الاشتباك إلا بعد خمس دقائق، تعجبت من الموقف لماذا كل هذا الجمهور على المنصة الأخيرة ونحن البقية لا أحد يهتم بنا؟ اقتربت من جاري السعودي وكان أستاذ جامعي وسألته لماذا كل هذ الجمهرة؟ أجابني وفي عينه الف حسرة انهم رواد عالم التفاهة والمؤلف لديه جمهور على وسائل التواصل الاجتماعي السوشيال ميديا وقد دعاهم لحفل التوقيع فحضروا وكل هؤلاء اشتروا نسخهم ويرغبون بتوقيعه الكريم, هزني الموقف ورغبت بان اقترب من الرجل واقبل راسه وأقول له " لا تحزن إن الله معنا" رجعت الى منصتي و انتظرت فلم يقترب مني شخص حالي كحال بقية المنصات الفارغة المجاورة لي وفجأة اقترب رجل سعودي مني واعتقد انه لاحظني ببدلة رسمية وربطة عنق وملابسي مختلفة عن بقية المؤلفين السعوديين ... سلم علي وسألني عن الكتاب فشرحت وبكل حماس المحتويات فتبين انه أستاذ متقاعد من منطقة الأحساء قد جاء مع عائلته الى المعرض فاشترى نسخة وغادر بعد أن وقعت له النسخة, بعد حفل التوقيع اعتبرت نفسي محظوظا جدا في عالم المؤلفين لأني الوحيد الذي بعت نسخة واحدة من الكتاب , لاحظت هناك إقبال كبير على كتابي في جناح عالم الكتب لكن الناس لا تشتري بل تقوم بتقليب الكتاب والسؤال عن صورة الغلاف ومصمم الغلاف, والمشكلة التي نعاني منها نحن قوم المؤلفين ليست سعودية ولا عربية لكنها مشكلة عالمية فحالة الانتقال من الكتب الورقية الى عالم المختصرات المعرفية قد حول الأنسان الى مخلوق تافه مغرور يعتقد انه من خلال المختصرات التي يقرأها في الإعلام الرقمي تغنية عن الكتب الورقية وتجعله عالم بكل شيء لا وبل يعتقد انه فيلسوف.
دور النشر المشاركة في المعرض كانت في قمة الاحترافية وتفاعل المثقفين وتضامنهم ضد ثقافة التفاهة المنتشرة في العالم الآن كان في قمة الروعة.
حال الغرب في هذا الجانب أفضل بكثير من حال العرب لان الكتاب الإلكتروني قد حل محال الكتاب الورقي لكن العرب لم يعرفون الكتاب الإلكتروني لغاية الآن وان قسما كبيرا من الناس في الغرب ما يزال يقتني الكتب الورقية، ويفترض أن تقوم الحكومات العربية بحملة تشجيع القراءة الورقية ونشر فكرة الكتاب الإلكتروني على الأقل ودعم دور النشر ماديا والتي بدأت تغلق أبوابها للكساد الذي حل على سوق الكتب. وزوار معرض الكتاب يتمشون في أروقة المعرض ولا يشترون كتبا وكأن المعرض مساحة للتمشي والرياضة.
لقد قام الأستاذ عبد العزيز شبانات صاحب الدار إن دار عالم الكتب في الرياض والتي تعتبر من اعرق دور النشر السعودية بجهود مباركة في طبع كتابي بشكل جميل و ورق وتصميم ممتاز جدا وقد قام بضيافتي مشكورا طوال فترة زيارتي للرياض وقد دعاني في أخر ليلة وداع الى مجلس ثقافي أدبي ضم خيرة رجالات الفكر والأدب في الرياض، ولا يسعني إلا أن اقدم جزيل الشكر والامتنان الى الأستاذ عبد العزيز شبانات على حسن الضيافة. وأتمنى للمملكة العربية السعودية كل الخير والتقدم والازدهار ففيها بيت الله الحراب ومدينة الرسول الأعظم (ص) وفيها أهلنا وعشيرتنا وعزوتنا.
ستبقى المملكة الطوع الشامخ الذي يفخر به كل العرب والمسلمين.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
839 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع