بدري نوئيل يوسف
عودة أبطال مجلس النواب في موسم الإعادة
بقلم: مواطن يتذكر موسم الهجرة إلى الكراسي
مقدمة
حينما يصبح مجلس النواب دار عجزة للسياسيين!
نزل الشعب إلى صناديق الاقتراع متحمساً ومتفائلاً كما في كل مرة، يردد الشعارات المألوفة عن التغيير والإصلاح والوجوه الجديدة. لكن المفاجأة الكبرى لم تأتِ من النتائج، بل من الضحك الجماعي الذي تلاها. فالناخبون اكتشفوا أن صناديق الاقتراع تعمل مثل آلة النسخ القديمة: تخرج من فتحتها نفس النواب، بنفس الوعود، بنفس الابتسامة المحنطة، فقط مع تجاعيد إضافية وشعارات أحدث قليلاً.
الشارع بدا وكأنه يشاهد حلقة جديدة من مسلسل قديم بعنوان "مجلس النواب يعود"، حيث الأبطال لا يُطاح بهم، بل يُعاد انتخابهم بفضل ذاكرة جماعية قصيرة المدى ووعود لا تموت، بل تتكاثر.
أحد المحللين قال مازحاً: "في بلادنا، الانتخابات ليست لتغيير النواب، بل لتجديد إقامتهم." وآخر علّق: "لقد صار مجلس النواب مثل المسلسل التركي الطويل، مهما حاولت تفارقه تجد نفسك بعد سنة تتابع نفس الشخصيات وهي تبكي على نفس الأطلال."
النواب العائدون ظهروا في مؤتمراتهم الصحفية بنفس نبرة التفاؤل التي تركوها بها: "نعمل لأجل الشعب"، و"سنحاسب الفاسدين". المشهد بدا أقرب إلى حفل استقبال بدلاً من افتتاح دورة تشريعية، فبعضهم وزع التهاني على نفسه: "مبروك لنا جميعاً، عدنا سالمين من الشعب!"
أما المواطن فصار يتعامل مع نتائج الانتخابات بهدوء الفلاسفة. لم يعد يغضب، بل يكتفي بابتسامة ساخرة ويقول: "هذوله ما يفوزون… هذوله يتجددون ذاتياً!". وكأن المناصب البرلمانية تُروى بماء الصفقات، تنبت كل أربع سنوات دون حاجة لأصوات كثيرة.
في النهاية، لا شيء تغيّر سوى اللافتات. حتى الصراخ في القنوات والوعود بالكهرباء والماء والوظائف، كلها تُعاد تسجيلها كل دورة انتخابية، مع تحديث بسيط في تأثيرات المونتاج.
ربما نحتاج يوماً إلى لجنة انتخابية جديدة للذاكرة، لا للمرشحين، فالمشكلة ليست فيمن يترشح، بل فيمن يصدق أن الوجوه القديمة قادرة على كتابة مستقبل جديد.
مع كل دورة انتخابية جديدة، يتجدد الأمل لدى بعض المواطنين في التغيير والتجديد، ولكن سرعان ما تتحول صناديق الاقتراع إلى آلة زمن تعيدنا إلى الوراء، لتفاجئنا بعودة نفس الوجوه البرلمانية القديمة، وكأن مجالس النواب تحولت إلى نادي الرواد أو دار للعجزة السياسية! هل هو وفاء شعبي أم حالة نادرة تشبه متلازمة ستوكهولم الانتخابية؟
الكرسي... حلم لا ينتهي
يُقال إن الكرسي البرلماني له مغناطيس خاص، يجذب إليه النواب السابقين بقوة عجيبة. حتى لو أقسموا ألف مرة بأنهم "سيتركون المجال للشباب"، تجدهم فجأة في حملاتهم الانتخابية يوزعون الابتسامات والوعود الجديدة القديمة. فهل باتت الكراسي البرلمانية مصنوعة من عسل؟ أم أن الكرسي لديه خاصية الطرد المركزي لكل فكرة تجديدية؟
الرموز الانتخابية... تتغير الألوان وتثبت الوجوه
في كل انتخابات، تظهر رموز جديدة على أوراق الاقتراع: ديك، نخلة، أو حتى جمل! لكن العجيب أن
الوجوه لا تتغير إلا نادراً، وكأن المواطن قد أقسم ألا ينام مرتاح البال إلا إذا شاهد النائب "المخضرم" وهو ينام في مجلس النواب مجدداً! هل هو الحنين للذكريات أم الخوف من المجهول البرلماني؟
دورة حياة النائب البرلماني
• يدخل النائب في الانتخابات حاملاً شعار التغيير.
• يفوز ويجلس على الكرسي، ينشط أسبوعاً واحداً ثم يختفي صوته طوال الدورة!
• ينتهي مجلس النواب، ويظهر في افتتاح سوق خيري أو مباراة كرة قدم للهواة.
• يعود للانتخابات القادمة بنفس الوعود، وأحياناً بنفس البدلة!
الجمهور بين السخرية والدهشة
شعبنا الطيب يتابع نتائج الانتخابات بدهشة في كل مرة، وكأنه لم يتوقع عودة "أبو فلان" و"أبو علان". ثم يبدأ تداول النكات الساخرة على وسائل التواصل الاجتماعي: "مجلس النواب مثل المطعم الشعبي، الزبائن أنفسهم والموظفون أنفسهم... فقط قائمة الطعام تتغير!"
النواب القدامى خرجوا من الصناديق وهم يلوّحون بأيديهم كما يلوّح الأبطال في المشهد الأخير من فيلم لا يريد أن ينتهي. أحدهم قال لمراسل قناة محلية مبتسماً: "عاد الشعب وثق بنا مجدداً." الحقيقة أن الشعب لم يعد يثق إلا بقدرتهم على العودة!
أحد المواطنين علّق وهو يشاهد النتائج على التلفاز: "كأننا نغسل ملابسنا نفسها منذ عقدين، وكل مرة ننتظر أن تخرج جديدة من الغسالة." ومع ذلك، لا يزال الكثيرون يذهبون إلى صناديق الاقتراع بنية الإصلاح، كأنهم يزورون طبيباً فقد الأمل بعلاجه، لكنهم يستمرون بالدواء بدافع العادة أو الإيمان بالمعجزة.
في الصحافة، كُتبت عناوين من نوع: "عودة الخبرة إلى مجلس النواب"، و"ثقة الشعب في الوجوه المجرّبة". لكن لم يوضح أحد أن التجربة هنا تشبه تذوق الملح في الطعام كل مرة لتتأكد أنه ما زال مالحاً!
أما المواطنون الذين انتظروا التغيير فقد أصبحوا أكثر واقعية. لم يعودوا يغضبون. صاروا يبتسمون بسخرية، يشربون الشاي، ويقولون لبعضهم: "والله الجماعة لهم بركة، ما شاء الله كل دورة ينجحون من أول جولة!". وكأنهم يتحدثون عن فريق كرة قدم لا يخسر في الدوري المحلي لأن الحكَم من أقربائه.
ربما المشكلة ليست في النواب، ولا في الحملات، ولا حتى في صناديق الاقتراع نفسها، بل في رغبتنا الدائمة بتصديق أن المسلسل سينتهي نهاية مختلفة بينما لا أحد يجرؤ على إيقاف البث.
وهكذا، تستمر الحكاية... بوجوهٍ تُعاد طباعتها كل أربع سنوات، بشعاراتٍ تلمع أكثر من إنجازاتها، وبناخبين يتداولون نفس السؤال منذ أول دورة برلمانية: "هل هناك أمل المرة الجاية؟"
ويُجيب الصندوق، بابتسامة باردة من زمن بعيد: "أكيد، لكن بنفس الممثلين."
خاتمة
في النهاية، يبدو أن الكرسي البرلماني هو الحب الأول والأخير لبعض النواب. أما التغيير المنشود، فهو مجرد ضيف ثقيل يزورنا عبر الشعارات ولا يمكث طويلاً. وإلى أن يأتي ذلك النائب الذي ينجح في منافسة الكرسي نفسه، سنظل ننتظر موسم الهجرة إلى الكراسي وأمل التغيير الذي يأتي ولا يأتي!
ومع كل دورة انتخابية جديدة، يبقى المواطن محتاراً بين الرغبة في التغيير والاعتياد على المشهد
المتكرر، متسائلاً: هل يعقل أن تتحول أوراق الاقتراع إلى معرض للرموز أكثر منها ساحة للاختيار الحقيقي؟ وبينما يزداد حضور النكات على وسائل التواصل، يظهر التساؤل الجاد وسط الضحك: متى يصبح الكرسي البرلماني محطة عبور وليست محطة إقامة دائمة؟ ربما حينها سنرى وجوهاً جديدة تحمل أحلام الناس بالفعل، بدلاً من حقائب الذكريات والبدلات القديمة، ويصبح الانتظار لموسم الهجرة إلى الكراسي انتظاراً لموسم جديد من الأمل لا يخجل من البقاء.
هنا، في بلاد العجائب السياسية، تعود الوجوه البرلمانية كل دورة مثل فاتورة الكهرباء؛ تختلف الأرقام وظروف الدفع، ويبقى الوجه ذاته على الورقة! النواب عندنا يتقنون فنون البقاء: كل دورة يدهنون الشعارات بلون جديد، ويبدلون ربطة العنق، ثم يقفون أمام الشعب كلجنة استقبال في معرض دائمٍ للخيبات المتجددة.
أحد النواب أمضى نصف عمره السياسي في لجان التحقيق، والنصف الآخر في لجان الصلح الاجتماعي، لكنه لم يحقق سوى صلح أبدي مع المقعد البرلماني. آخرون يتحدّثون عن مكافحة الفساد كأنهم يكتبون خواطر مسائية بينما يتجادلون في الكافتيريا عن الحصة الأكبر من "كعكة المناقصات".
يا سادة، مجلس النواب عندنا يشبه المطار في التسعينيات: المجيء إليه مضمون، أما الخروج فمعجزة! لهذا أصبح المواطن يراقب نشرة النتائج وهو يحتسي الشاي، لا يحزن ولا يفرح، فقط يتفقد قائمة "العائدين" ويتوقع أن يجد تحتها العبارة المعروفة: "العدد قابل للزيادة حسب نتائج العد والفرز".
أما التغيير الحقيقي، فقد صار يحتاج إلى بصمة إصبع سحرية، أو "إصلاحات" تأتي من كوكب آخر، أو ربما من رواية خيالية. وفي الختام، لا يسعنا إلا أن نصفق لكل العائدين – فالتكرار أم الفضائل في السياسة العراقية فقط!

1006 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع