إبراهيم الزبيدي
أمرت السلطات الإيرانية بإزالة اللوحات المنتشرة في شوارع العاصمة طهران، والتي تحمل شعارات "معادية للولايات المتحدة" في تطور جديد على صعيد "عودة الحرارة" إلى العلاقات بين البلدين والتقارب المستجد حيال الملف النووي الإيراني.
والخبر نقلته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "ايرنا" عن أيازي، الناطق باسم بلدية طهران.
وتأتي الخطوة الإيرانية بعد أن تبادل الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، الرسائل مع نظيره الإيراني حسن روحاني، وسط إعراب كل طرف عن أمله في حصول تطورات إيجابية في العلاقات.
بالنسبة لنا، نحن الكتاب السياسيين الذين كانت عقارب الولي الفقيه تلطشنا دائما بالعمالة للإمبريالية الأمريكية والصهيونية، كان هذا الأمر معروفا ولا جديد فيه، لأننا نعرف تماما طبيعة النظام الإيراني، ونعرف أن أهم مواهب المعممين الحاكمين في طهران هي القدرة على خلط الطين بالعجين، والباطل بالحق، والشر بالخير، والسياسة بالمذهب وبالطائفة وبالجهاد والشهادة تحت راية الإمام الحسين.
ماذا ستقول فيالق القدس والحرس الثوري وطوابير العقارب والأفاعي والعناكب المُسلطة على من يمَسُ ولو بكلمة طهارة نظام الولي الفقيه؟ وماذل سوف تقول الفضائيات والإذاعات والجرائد والمجلات التي يصدرها النظام مباشرة أو بالواسطة والتي صمت أسماعنا، على امتداد أربعين عاما، بالهتاف لتحرير القدس وبالممانعة والتصدي لمؤامرات الشيطان الأكبر وعملائه الملاعين؟
هل ستنشر الخبر صحافة حسن نصر الله ونوري المالكي وبقية الأحزاب والمنظمات والمليشيات الطائفية العديدة، أم سوف تتستر عليه وقد تنكره وتدعي بأنها حملة تنظيمية هدفها تنظيف جدران طهران فقط لا غير؟
فإذا كانت مكالمةٌ هاتفية قصيرة واحدة من أوباما للملا روحاني قلبت الدنيا رأسا على عقب، فماذا سيحدث لو حط أوباما يوما ضيفا على الولي الفقيه في طهران، وتبادل القبلات مع خامنئي وروحاني وتعشى على مائدة أهم دولة في محور الشر، على رأي بوش؟
مكالمة واحدة فقط جعلت الموت ينتقل من أمريكا إلى أعدائها وإلى كل من يشاغب ويشكك بصدق نوايا الولي الفقيه في طلب رضا ماما أمريكا والسعي لاقتسام المنطقة العربية مناصفة بينه وبين نتياهو، مقابل احتلال الأمة العربية المشاغبة وانتزاع ثرواتها وتمزيق أواصر دولها وتشتيت شعوبها الغبية التي يسهل إشعال الفتنة بين أبنائها بأبسط الحجج وأتفه الأسباب.
نحن نعلم بأن هذا الحف قائم من زمان بعيد، من أول أيام غزو صدام للكويت وظهور المعارضة العراقية السابقة التي كانت أهمَّ مكوناتها وأقواها وأكثرَها هيمنة على مقدراتها هي أحزاب وتنظيمات إيرانية بالولادة، أو إيرانية بالرضاعة.
ولم يكون صعبا علينا حلُ اللغز الشائك المتمثل في إصرار بوش ورامسفيلد وبريمر ومعاونيهم ومستشاريهم على تسليم العراق لمجموعات سياسية عراقية يعلمون، بدقة وعمق، بحقيقة تكوينها الفكري والتسليحي والتمويلي، وهم الذين كانوا لا يكفون عن الشكوى المريرة من خطر إيران على أمن المنطقة واستقرارها، ومن رعايتها للإرهاب، واستمرارها في تمويل المخربين وتصديرهم إلى دول عربية وأفريقية عديدة لإثارة القلاقل وزعزعة الأمن فيها، وخاصة في العراق ولبنان ودول الخليج وفلسطين،
إضافة إلى عنادها وإصرارها على الاستمرار في تطوير برامجها النووية العسكرية، رغم كل قرارات الشرعية الدولية وتحذيراتها وإنذاراتها وعقوباتها.
ونعلم أيضا أن الإدارات الأميركية المتعاقبة كانت، من أوائل التسعينيات، تنسق وتتعاون مع سوريا الأسد، وهي تعلم علم اليقين بأنها إيرانية الهوى والمصلحة أيضا، من أجل تطبيع العلاقة مع تلك التجمعات، وإدخالها إلى بيت الطاعة الأميركي، للعمل معا على إسقاط نظام صدام، وإقامة نظام جديد يكون قادة تلك التجمعات حكامه المدللين.
وينبغي هنا أن ننوه بأن هناك أحزابا وشخصيات شيعية عديدة وطنية عراقية خالصة لا علاقة لها بإيران تعرضت لأعمال انتقامية دموية خطيرة من قبل عملاء مخابرات إيران ذاتها، أو من قبل وكلائها العراقيين، لأنها رفضت العمالة لإيران وامتنعت عن مجاراة السلوك العدواني الإيراني بشدة.
إن أمريكا (الأوبامية) الجديدة لم تخترع شيئا جديدا بإعلانها عن بدء مسيرة التطبيع المتدرج مع إيران، حتى قبل أن تتأكد من صدق نواياها النووية، وحتى وهي مستمرة في قتل المئات من السوريين كل يوم، وتمد بشار الأسد بكل أنواع الدعم العسكري والمالي والبشري، رغم أن جون كيري لا يكف عن ترديد تصريحاته النارية الباردة عن دعم الشعب السوري وعن فقدان الأسد شرعيته وصار عليه أن يرحل.
إن كل ما فعله الرئيس أوباما هو أنه كشف المستور فقط، وتوقف عن النفاق والتستر والمراوغة. فأمريكا لم تكن عدوة لإيران، منذ أن تعاونتا في غزو أفغانستان، ثم في غزو العراق وفي تمزيق لبنان وإذلاله وإنهاك الخليج واليمن وتفريخ الجهاديين والتكفيريين في سوريا، والآتي أعظم.
فمنذ أن انتهت صلاحية مجلس الحكم (سيء الصيت) وعُين أياد علاوي رئيسا لوزارة ما سُمي بـ (نقل السيادة) كانت إيران، تحت سمع أمريكا وبصرها الحاد، قد تحولت إلى قوة فاعلة حقيقية في العراق، تعز من تشاء وتذل من تشاء، وتفرض أتباعها ومريديها وجواسيسها على الرئاسات والوزارات والسفارات ومجالس المحافظات والبلديات والمؤسسات العسكرية والأمنية والمالية، وحتى محطات بيع الوقود، علنا وعلى رؤوس الأشهاد.
وهاهو العراق اليوم، لا يستطيع أيٌ كان، حتى لو كان الرئيس الأميركي نفسُه، أن يأخذ مكانا في صدارة السلطة في العراق إذا لم يحصل على موافقة إيران، عن طريق أحد وكلائها العراقيين.
ونوري المالكي الذي يبدو اليوم وكأنه الحاكم الأقوى والأكثر هيمنة في العراق لا يتعدى كونه السطح الذي يجتمع عليه شتاء أميركا وصيف إيران، بالتراضي غير المعلن، وبالتناغم الهاديء المتين. فهو الوسيط الذي ظل طيلة فترتي حمه المشؤوم يحاول توليف الإرادتين، والحفاظ على نفوذ الطرفين، وعلى مصالهما المكتسبة في العراق. وحين يُضطر أحيانا إلى الميل أكثر لإيران، كما في موضوع معسكر أشرف مثلا، وفي نجدة نظام بشار الأسد، يُضطر بالمقابل لترضية الأميركان، كما في صفقة الطائرات المقاتلة، ومسألة الخبراء العسكريين الذين سيبقون في العراق، مدربين وخبراء معاونين وليسوا محتلين.
كل هذا كان معروفا لدينا من زمن طويل. ولكن الذي نأمل فيه فقط أن نسمع ما سوف تقوله عقارب الولي الفقيه لتبرير هذا الانقلاب الأسود الإيراني على الممانعة والجهاد لتحرير القدس وتدمير إسرائيل.
أما ما يخصنا في العراق فهذا إعلان لنتيجة الانتخابات العراقية المقبلة وبشائر بفوز نوري المالكي لدورة ثالثة، مهما سيقول المعارضون أو يفعلوا. أبو حمادة جالس على صدروكم أربع سنوات جديدة، بكل السبل
والطرق والأساليب، بالحق، بالغش، بالرشوة، بالساطور، بالمفخخة، بكاتم الصوت، آتٍ أتٍ، وليخسأ الخاسؤون.
2127 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع